| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 8:16 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
المقدمة
الدكتور عثمان قدري مكانسي الحمد لله رب العالمين الذي علّم بالقلم ، علّم الإنسانَ ما لم يعلم . والصلاة والسلام على المعلّم الأول ، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . أمّا بعدُ : فقد كان كتابي ( التربية النبوية ) على صغر حجمه ملفتاً للنظر ، استعرضتفيه بعض أساليب الرسول الكريم والمعلم العظيم في إيصال الفكرة وإبداءالمعلومة واضحة مفهومة لأصحابه وتلاميذه رضوان الله عليهم . ثم رأيت أن أُتِمّ الفائدة في استعراض بعض أساليب القرآن الكريم في التعلّم والتعليم . ولا يَخفى أن القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه– لأنه كلام الله العظيم وحبلـُه المتين – بحر زاخر ما تزال العلماء علىشواطئه ، تحاول الغوص في لُجَجِه ، وتشتار العلوم والمعارف من خِضَمّه ،وتستقي الفوائد من ثـَرّه المعطاء . هذا القرآن الكريمُ فيه من الأساليب التعليميّة ما نحن بحاجة ماسّة إليها . وكنت قد طالعتُ عدداً من الكتب التي تتحدّث بعامّة عن العلم وفوائده ،وتغرف من أساليب القرآن بعضَها ، لكنني لم أجد – على ما أظنّ – كتاباًيتحدّث عن طرائق التعليم في القرآن الكريم بشكل خاص ، بل رأيت شذراتٍ فيهذا الكتاب وذاك المؤلَّف . فقلت لعلّي أكون الرائدَ في هذا المضمار ، فأفتح لإخواني المربين طريقاً واضحاً ، ثم يكملون بهمّتهم رصفه وتعبيده . كنت أقرأ في صِغَري كل يوم جزءاً من القرآن ، فما عدَوْتُ هذا ، ولكنْبِتُّ أبحث عن أساليب التعليم وطرائقه في كل جزء ، وأضع أرقامَ الآياتالتي تشكّل حجَراتِ البناء لكل أسلوب مجتمعة ، حتى أنهيتُ ما فَقِهتُ منهافي مجموعات تحت عنوانات محددة ، هي الأساليب التي هداني الله تعالى إليها. واستنبطتُ أكثر من تسعين أسلوباً تربوياً ، ثم ضممتُ ما تقارب منها تحتعنوان واحد ، فصارتْ إلى اثنين وسبعين أسلوباً .. ولربما هداني المولىتعالى وأنا أنضّد الكتاب إلى أساليب أخرى فهو الكنز الذي لا تُعَدّينابيعه ، ولا تُحَدّ . وهكذا وجدْتُ نفسي في رياض بِكر ، حلوةِ المذاق لذيذة الجَنى . وها أنذا أقدم إلى إخواني الكرام طاقة عبقةً وضُمّة نفـّاذة الشذا من أساليب القرآن الكريم في التربية . وإني ألتمس منهم أن يُقوّموا عملي ، ويرفدوني بآرائهم الصائبة في سدّ نقص، أو ترميم فكرة ، أو وضعِ لَبِنةٍ تقوّي هذا الصرح التربويّ الرائعَ ، فإن أحسنتُ فلله الفضلُ والمِنّة ، وإلا فهو حسبي ، وللمجتهد أجرٌ إن أخطأ ، وأجران إن أصاب ، وأسأل الله التوفيقَ والسدادَ .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| |
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 8:28 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التعظيم
الدكتور عثمان قدري مكانسي خلق الإنسان ضعيفاً ، إذا عطش وجاع بدا الإرهاق عليه ، وإذا مرض أَنّ وشكا ، وإذا أصيب جزع وخاف ، وإذا فقد عزيزاً بكى وتألم . ولا يشعر الضعيف بالأمان إلا حين يلجأ للقويّ . وهل القويُّ سوى الله ؟!!وهل يحس بالراحة مَنْ خُلق من نطفة ثم علقة إلا إذا استند ركن ركين وعزٍّمنيع هو الله تعالى ؟!! . ولا عظيم سوى الله ، ولا عظيم إلا مَنْ عظَّمه الله . والله سبحانه وتعالى ينبهنا في كل سورة وآية إلى عظمته في نفسه ، وإلىعظمته في صفاته ، وإلى عظمته في بديع صنعه وخلقه ، وإلى عظمته في وحدانيته، وإلى عظمته في قدرته . والقرآن الكريم كتاب الله يسطر عظمة الله في السطور ، لينتقل أثرها إلىالعقول والصدور والقلوب الحيّة ، فتعيشَ في كنفه سبحانه مؤمنة به ، منتميةإليه ، متوكلة عليه ، مسْلمةً قيادها له ، فإذا هي في الخالدين . فالله سبحانه وتعالى (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) ))(1) .ومن كانت هذه صفاته فكل ماعداه عبد ضغيف واهن . (( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَاللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُالْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُسُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَاللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىيُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ (24) ))(2) . غنها صفات الله العظيم الذي ينقاد كل شيء إليه صاغراً . إنه إله عظيم ينبغي توحيده والاعتماد عليه : (( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) ))(3) . وهو الكامل كمالاً مطلقاً ، لا تشوبه شائبة (( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) ))(4) . منه العلم ، وإليه العلم : (( قُلْلَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُقَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا(109) ))(5) . (( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ))(6) . هو القيوم مالك كل شيء ، والمتصرف في كل شيء : (( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) ))(7) . (( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) ))( . (( إِنَّاللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَالَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (116) ))(9) . وفي القرآن الكريم أربع عشرة سجدة ، كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـيسجد حين يقرأ آياتها تعظيماً لله سبحانه وتعالى ، وإقراراً بربوبيتهوألوهيته ، مثالها في سورة النحل : (( أَوَلَمْيَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِالْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (50) ))(10) . وفي سورة السجدة : ((إِنَّمَايُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًاوَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) ))(11) . وفي سورة الإسراء : ((قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَلِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109) ))(12) . ولا يسجد المسلم إلا لوجه الله الكريم العظيم . وفي سورة الروم أمثلة كثيرة ووافية شافية على عظيم قدرته سبحانه : (( ... غلبت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيَغلبون (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) ))(13) ، (( فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُالْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِيالْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) ))(14) . وانظر معي بتدبّر وتفكّر إلى عظمة الله في أفعاله : 1ـ فالله سبحانه خلقنا من تراب (( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) )) . 2ـ ورزقـَنا زوجات وآلف بيننا (( وَمِنْآَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُواإِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَلَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) )) . 3ـ وكانت السماء لنا غطاء ، والأرض فراشاً ، وخالف بين ألواننا وألسنتنا (( وَمِنْآَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْوَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) )) . 4ـ وفضل الله علينا كذلك في تعاقب الليل والنهار ، لنرتاح في سكون الليل ، ونعمل في ضوء النهار (( وَمِنْآَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْفَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23) )) . 5ـ ومظاهر الطبيعة دالة على الترتيب والفائدة (( وَمِنْآَيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَالسَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِيذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (24) )) . 6ـ وأخيراً فإليه سبحانه مرجعنا (( وَمِنْآَيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَادَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (26) وَهُوَالَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِوَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) ))(15) . والله سبحانه وتعالى أصل الحياة (( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ))(16) ، ولا حياة بغير الله (( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا ))(17) . ولذلك قرر سبحانه أنه المعبود ، لا رب سواه (( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) ))(18) . وكلما كان الإنسان قريباً إلى الله ، داعيا إليه ، عاملاً بأمره ، منتهياً عما نهى عنه استمدَّ من عظمة الله عظمة . فهؤلاء الأنبياء اصطفاهم ، فكرَّمهم ورفع مقاماتهم ، لأنهم كانوا أمثلةرائعة للعباد المؤمنين العاملين ، فخلّد ذكرهم في الدنيا والآخرة . فمن تعظيم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قوله سبحانه : (( إِنَّاللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) ))(19) . (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ))(20) . ((إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْتَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُوَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ (4) ))(21) . ومن كان الله معه فهو عظيم لأنه لجأ إلى العظيم سبحانه . ومن تعظيم الأنبياء الكرام قوله سبحانه يمدحهم في سورة الصافات (( سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) )) ، (( سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) )) ، (( وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) ))(22) . وكتاب الله الكريم كلام الله سبحانه ، أنزله ليكون نبراساً يهدي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم : (( الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) ))(23) ، (( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) ))(24) . وكلام الله العظيم عظيمٌ . (( حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) ))(25) . وما أعجب هذا التعظيم الذي يجعل القرآن الكريم ذا منزلة عالية . . فهو :
1ـ لو كان كتابٌ من الكتب المنزّلة سيّرث بتلاوته الجبال ، وزعزعت عن أماكنها ، لكان هذا القرآن . 2ـ ولو كان كتابٌ من الكتب المنزلة شُقِّقَتْ به الأرض ، حتى تتصدع وتصير قطعاً ، لكان هذا القرآن . 3ـ ولو كان كتاب من الكتب المنزلة كُلِّم به الموتى ، فأحياها الله وأجاب ، لكان هذا القرآن . (( وَلَوْ أَنَّ قُرْآَنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ))(26) . وهذا القرآن كلام الله تعالى ، لم يفتره رسول عليه ، وحاشاه ـ صلى اللهعليه وسلم ـ أن يكون مفترِياً ، بل هو الصادق الأمين : (( الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْيَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَقَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْيَهْتَدُونَ (3) ))(27) .
الهوامش:
(1) سورة الحديد ، الآية : 3 . (2) سورة الحشر ، الآيات : 22 ـ 24 . (3) سورة الإخلاص . (4) سورة الصافات ، الآية : 180 . (5) سورة الكهف ، الآية : 109 . (6) سورة الرحمن ، الآيات : 1 ـ 4 . (7) سورة الملك ، الآية : 1 . (8 سورة يس ، الآيتان : 82 ، 83 . (9) سورة التوبة ، الآية : 116 . (10) سورة النحل ، الآيات : 48 ـ 50 . (11) سورة السجدة ، الآية : 15 . (12) سورة الإسراء ، الآيات : 107 ـ 109 . (13) سورة الروم ، الآيات : 2 ـ 6 . (14) سورة الروم ، الآيات : 17 ـ 19 . (15) سورة الروم ، الآيات : 20 ـ 27 . (16) سورة النور ، الآية : 35 . (17) سورة يونس ، الآية : 5 . (18) سورة طه ، الآية : 14. (19) سورة الأحزاب ، الآية : 56 . (20) سورة التوبة ، الآية : 128 . (21) سورة التحريم ، الآية : 4 . (22) الآيات : 79 ـ 109 ـ 120 ـ 130 ـ 181 . (23) سورة البقرة ، الآيتان : 1 ، 2 . (24) سورة الفرقان ، الآية : 1 . (25) سورة فصلت ، الآيات : 1 ـ 3 . (26) سورة الرعد ، الآية : 31 .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 8:35 am | |
| من أساليب التربية في القرآن الكريم
ذكر الصالحين
الدكتور عثمان قدري مكانسي
إن الأذن لترتاح لسماع أخبارهم ، وإنالنفس لتتشوق إلى تعرُّفِ أحوالهم ومتابعة أفعالهم ، فهم القدوة والمثل ،والراغب في الكمال يتأساهم ويتحسس خطاهم . وقد كان القرآن الكريم يقصُّ علينا أخبار الأنبياء الكرام ، فنحسُّ بالقمم الإنسانية الشامخة ترنو إلينا ، فستنهض هممنا . ويقص علينا أخبار الصالحين من غير الأنبياء ، الذين كان لهم الدور الكبيرفي نشر كلمة لا إله إلا الله ، وإعلائها ، وتَحَمُّلِ الأذى ، والصبر عليه. ولسنا هنا في صدد سرد المواقف كلها ، لكننا نعرض نُبذاً لدور هؤلاء العظماء في خدمة الدين ، ورفع شأنه .
1ـ الأنبياء سيدنا نوح عليه السلام : ذلك النبيالعظيم ، من أولي العزم ، الذي مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماًيدعوهم ، ثم كانت قصة الطوفان الذي قضى على الكفار بعد ذلك ، ونصر الله بهنوحاً وأتباعه . وهناك ما لا يقل عن إحدى وعشرين سورة ذكرت فيها قصته ، ذُكر فيها وحدهلبيان فضله ، أو ذكر مع إخوانه الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً . وفي الجزء التاسع والعشرين سورة كاملة باسمه عليه السلام ، أما قصّةالطوفان فقد صورت تصويراً رائعاً في سورة هود الآيات [ 25 ـ 49 ] . سيدنا هود عليه السلام : ذلك النبي الكريم الذي أرسل إلى قوم عاد ، فكفروابه ، وكانوا عمالقة متجبرين ، فأرسل الله عليهم الريح العقيم ، فحصدتهموأبادتهم . وهناك حوالي سبع عشرة سورة ذكرت فيها قصته عليه السلام مع قومه ، توضحعنادهم واستكبارهم وفسادهم الذي أدى إلى هلاكهم ونجاة النبي هود وأتباعه . سيدنا صالح عليه السلام : النبي الكريم الذي أرسل إلى قومه ثمود بعد إهلاكعادٍ قوم هود ، فدعاهم إلى التوحيد ، فلما استكبروا وقتلوا الناقة أهلكهمالله بالصيحة ، فما أبقى منهم أحداً ، وقد ذكرت قصته عليه السلام في أكثرمن عشرين سورة في القرآن الكريم ، لتكون وقصة أخيه هود مع أقوامهما عبرةللدعاة من جهة ، والمعاندين المستكبرين من جهة أخرى . سيدنا إبراهيم عليه السلام : هو أبو الأنبياء عليه السلام ذكرت قصته فيخمس وعشرين سورة على الأقل ، تتحدث عن جهاده في سبيل الله وقوة إيمانه ،وفضل الله عليه في اطلاعه على ملكوت السموات والأرض ، وحججه الدامغة فيمناظرته الكافرين وقوة إيمانه ، وسموِّ مكانته ، ويكفيه فخراً أن اللهسبحانه وتعالى اتخذه خليلاً ، وجعله أمة وحده ، وهو الذي بنى الكعبةالمشرفة مع ابنه اسماعيل عليهما السلام ، ثمّ رزقه الله اسحاق وبشرهبحفيده يعقوب لأنّ إبراهيم عليه السلام صدّق الرؤيا ونفـّذها . سيدنا موسى عليه السلام : ذلك النبي العظيم من أولي العزم ، أرسله اللهإلى قومه اليهود ، فابتلي بهم ، وتحمّلَ منهم الأذى والمكايد والعناد ،وأنقذهم من فرعون الذي استضعفهم وسخّرهم ، فكانت نجاتهم على يد النبيالعظيم موسى عليه السلام . وقد حفل القرآن بقصته مع قومه ، وهناك ما لا يقل عن ثلاث وثلاثين سورةتوضح جوانب من دعوته ، وتَحَمُّلَه سوءَ أخلاق قومه وفسادَهم ، وتكادالسور الكبيرة الحجم والوسطى لا تخلو من مواقف لقومه ، يوبخهم الله تعالىعلى ما اقترفت أيديهم وألسنتهم . سيدنا عيسى عليه السلام : ذلك النبي الشابُّ من أولي العزم الذي بعث إلىاليهود ، فحاولوا قتله ، فنجاه الله منهم ، وامتحنت فيه الخلائق حين ولددون أب ، فجعلوه ابن الله سبحانه تارة ، وجعلوه الله ذاته ـ والعياذ باللهـ وألّهوهُ وأمّهُ تارة أخرى ، وهو إحدى علائم الساعة ، ينزل فيكسرالصلبان ، ويقاتل الكفار ، ويدعو إلى التوحيد . ذكرت قصته في أكثر من اثنتي عشرة سورة توضح ما لقيه من ظلم اليهود ومكرهم . سيدنا يوسف عليه السلام : النبيّ الكريم ابن الكريم ( يعقوب ) ابن الكريم ( إسحق ) ابن الكريم ( إبراهيم ) عليه السلام . وقد ذكر في سورة الأنعام ، وسورة غافر إلا أن له سورة سميت باسمه فيالجزأين الثاني عشر والثالث عشر ، تقص علينا مراحل حياته وما عاناه ،لتكون تثبيتاً لفؤاد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان عليه السلاممثالاً للأخلاق والإيمان والذكاء . . بل قل مثالاً للإنسان المعصوم ، الذيرباه الله تعالى على عينه . وهناك قصص الأنبياء العظام : إسماعيل ويونس ، وذي الكفل وزكريا ، ويحيىوإسحق ويعقوب وهارون ، وشعيب وآدم وداوود وسليمان . . . وكثيرين غيرهمعليهم صلوات الله وسلامه ، تتحدث عن فضلهم ، وعلوِّ كعبهم في خدمة الدين ..
2ـ الصالحون : لقمان الحكيم الذي شكر الله ، فآتاهالله الحكمة فكان داعية إلى الله ، يعظ الناس ، ويدلهم إلى الصراطالمستقيم ، وقد أفرد الله تعالى سورة في الجزء الحادي والعشرين سماهاباسمه " سورة لقمان " فيها من المواعظ التي جرت على لسانه ما ينبئ بعظمته، وسموِّ مكانته . الخضر عليه السلام : صاحب موسى الذي آتاه الله رحمة من عنده ، وعلمه منلدنه علماً ، وقصته في سورة الكهف منبئة عن علمه وفضله. الآيات [ 60 ـ 82] . وبعضهم يعتبره نبياً والله أعلم . ذو القرنين : الذي مكن الله تعالى له في الأرض ، غربها وشرقها ، فنشرالإسلام ، وقاتل الكفار ، وبنى سدّ يأجوج ومأجوج ، وقصته في سورة الكهف [83 ـ 98 ] . مؤمن يس : فقد أرسل الله تعالى ثلاثة من الأنبياء إلى إحدى المدن ، يدعونأهلها إلى الإيمان ، فكذّبوهم ، فجاء " حبيب النجار " يسعى إلى جمعهممؤيداً هؤلاء الأنبياء الكرام ، فما كان من المجرمين إلا أن قتلوه ، فدخلالجنة معززاً مكرّماً ، وقصته في سورة يس الآيات [ 20 ـ 27 ] . مؤمن فرعون : الذي آمن بموسى واتبعه دون خوف من فرعون وملئه ، ودعا الناسإلى الإيمان بالله تعالى واتباع موسى ، فهو سبيل الرشاد ، وخوّفهم من عذابالله ومصير الأمم السالفة ، وموقفه في سورة غافر الآيات [ 28 ـ 44 ] . ـ وهناك قصص عديدة لهؤلاء المؤمنات الصالحات : منهن السيدة مريم العذراء ، وقصتها في سورة آل عمران الآيات [ 35 ـ 37 ] ،وفي سورة مريم ، حين ولدت عيسى عليه السلام ، الآيات [ 16 ـ 32 ] ، وسورةالتحريم . ومنهنَّ آسية ، زوجة فرعون ، التي طلبت من فرعون حين التقطت موسى عليهالسلام من النهر أن يبقيَ عليه ، وعرضت عليه المراضع . . وحين رأت منزوجها الاستكبار والكفر ، سألت الله تعالى أن ينقذها منه . . وقصتها فيسورة التحريم ( آخرِها ).
ومنهنَّ أم موسى ، تلك المرأة المؤمنة ، التي أوحى إليها الله تعالىأن تضع ابنها في النهر ، إن خافت عليه جنود فرعون ، ووعدها أنه سبحانهسيعيده إليها ، ففعلت مؤمنة مطمئنّة ، وحرّم الله المراضع على موسى ،وكانت أخته تتبعه ، وتتقصّى موضوعه ، فدلتهم على أمِّه ترضعه ، فعاد إليها، ونعم بدفء حنانها . وقصتها في سورة القصص الآيات [ 7 ـ 13 ] . تلك أخبار الصالحين وقصصهم ، تتقبلها النفس تقبُّل العطشان للماء الباردفتنتعش نفسه ، وتستروح لها ، وتستمد من نسماتها الإيمان واليقين والصبروالمصابرة ، وتعيش في أجوائها ذات اليمن والبركات . اللهم إنا نحبُّ أنبياءك وأولياءك ، فاحشرنا معهم تحت لواء سيد المرسلين ، صلى الله عليه وعليهم أجمعين .... اللهمَّ آمين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 8:40 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التذكير بفضل الله تعالى
الدكتور عثمان قدري مكانسي قد يقسو القلب ، فينأى بصاحبه عن طريقالحق ، ويعدل به عن الصراط السوي ، وقد يتمرّدُ فيصعب قيادته ، وقد ينسىإنعام المنعمين ، وفضل المتفضلين ، فلا يرى لأحدٍ فضلاً عليه . فإذا ماذكرتَ له الأيادي البيضاء التي تلقفته في محنته ، والقلوب الصافية التيحنَّت عليه لان ـ إن كانت فيه بقيّة من صلاح ـ وهدأت نفسه ، وأنست إلىالتزام الحق والتمسك به . . هذا إن كان صالحاً ، أما إن لم يكن كذلك ،وتمادى في غيّه ، وركب رأسه ، فقد أقمتَ عليه الحجة إن أردت معاقبته ،وأعذَرْتَ فيه إن أردْتَ فضحه وإظهارَه على حقيقته ، كي يرعويَ إن ارعوَى، أو يحذرَ منه الناس ويتجنبوه . وفي القرآن الكريم الكثير الكثير من الآيات التي تـُذكـّر الإنسان بفضلالله وكرمه ، علّه يستقيم ويتذكر . . إن نفعت الذكرى . . . فمن الأمثلة على ذلك قوله تعالى في سورة البقرة مخاطباً اليهود : (( وَإِذْنَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْبَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْبِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواأَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَعَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَاعَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىكُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْكَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57) )) الآيات [ 49 ـ 57 ]. (( وَإِذِاسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَفَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّأُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَاتَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) )) الآية [ 60 ] ويقول سبحانه مخاطباً المسلمين في سورة آل عمران : (( وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَىإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَايُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِمُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُإِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُإِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) )) الآيات [ 132 ـ 126 ] . وفي سورة آل عمران كذلك نرى فضل الله على المسلمين في غزوة أحد في الآيتين[ 152 ـ 153 ] . ونرى من نعم الله على المؤمنين قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْإِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّأَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِفَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) ))(1) . وقوله تعالى : (( وَإِذْقَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِعَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًاوَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) ))(2) . وقوله تعالى : (( قُلْمَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُتَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَالشَّاكِرِينَ (63) قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (64) ))(3) . وقوله تعالى : (( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْخَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِاسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلاّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَالسَّاجِدِينَ (11) ))(4) . وقوله تعالى ، يذكر فضله على المسلمين في غزوة بدر ، في سورة الأنفال : (( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَاجَعَلَهُ اللَّهُ إلاّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَاالنَّصْرُ إلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْيُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَالسَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَالشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأقْدَامَ(11) )) الآيات [ 9 ـ 11 ] . (( وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (62) وَأَلَّفَبَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَاأَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْإِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (63) )) الآيتان [ 62 ـ 63 ] . وقوله تعالى في سورة التوبة : (( إلاّتَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاتَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِوَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَكَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُعَزِيزٌ حَكِيمٌ (40) )) . (( لَكِنِالرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْوَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُالْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (89) )) . (( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِوَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواعَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُخَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )) . (( وَءَاخَرُونَاعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًاعَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) )) . وقوله تعالى في فضله على يوسف عليه السلام : (( رَبِّقَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِالْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِيالدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِيبِالصَّالِحِينَ (101) ))(5). وقوله تعالى في سورة النحل : (( وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( )) . ((وَهُوَالَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّاوَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَمَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (14) )) . (( وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (18) )) . وقوله تعالى في سورة الإسراء : (( رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (66) )) . ((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّوَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىكَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا (70) )) . وقوله تعالى في سورة الفرقان : (( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) )) .
وقوله تعالى في سورة العنكبوت ، يذكر فضله على أهل مكة : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ )) الآية [ 67 ] . وقوله تعالى في سورة لقمان يذكر نعمه الوافرة على عباده : (( أَلَمْتَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيالْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً . . . . )) من الآية [ 20 ] . وقوله سبحانه في سورة الأحزاب ، يذكر فضله على المؤمنين في غزوة الخندق ، وغزوة بني قريظة : (( وَرَدَّاللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَىاللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنْزَلَالَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْوَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَفَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (27) )) .
وقوله سبحانه في سورة سبأ يذكر فضله على أهلها : (( لَقَدْكَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍوَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌطَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )) . ويقول الله تعالى في سورة الجمعة ، يمنُّ على المؤمنين بإرسال سيدنا محمد ، يهديهم إلى الله سبحانه : (( هُوَالَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْآَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَوَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) )) . إن الحرَّ حين يرى فضل الله عليه يقرُّ به ، ويعترف ، ويعاهد الله تعالى أن يكون له عبداً شكوراً . . اللهم اجعلنا من عبادك الشاكِّرين .
الهوامش:
(1) سورة المائدة ، الآية : 11 . (2) سورة المائدة ، الآية : 20 . (3) سورة الأنعام ، الآيتان : 63 ، 64 . (4) سورة الأعراف ، الآيتان : 10 ، 11 . (5) سورة يوسف ، الآية : 101 .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 8:43 am | |
| من أساليب التربية في القرآن الكريم
الأسوة الحسنة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
والأسوة : القدوة والمثل . وتأسى به : احتذاه ، وسار على هداه ، واقتدى به . وأسوةُ المسلم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والأنبياء الكرام الذيندعَوا إلى الله سبحانه ، ودلوا البشرية إلى الطريق القويم . وحين زلَّ آدم ، فأمر الله تعالى بإنزاله إلى الأرض وتاب عليه حدَّدَ له ولذريته ما يتبعون فقال : (( قُلْنَااهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْتَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) ))(1) .
1ـ وقد أمرنا الله تعالى أن يكون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا، وأمر رسوله الكريم ـ ونحن من بعده ـ أن نتخذ من الأنبياء الكرام خيرَأسوة وأفضلَ قدوة ، فقال : (( لَقَدْكَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُواللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) ))(2) . فهدفنا اليومُ الآخر الذي نربح فيه رضاء الله والجنة . وقال سبحانه آمراً بالاتباع ، ومبيناً السبب : (( قَدْكَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُإِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَمِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُالْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِوَحْدَهُ . . . ))(3) ، (( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ . . . . . ))(4) . فنبرأ من الشرك بالله ومن المشركين فلا نواليهم . ولنا قدوة في داود : (( اصبرعَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) . . . ))(5). ولنا قدوة في ابنه سليمان : (( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) . . . ))(6) . ولنا قدوة أيضاً في أيوب : (( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ))(7) . ولنا قدوة في إبراهيم عليه السلام ، وأبنائه الكرام : (( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) ))( . ـ لماذا يا رب ؟ ـ إن فيهم خصلة زادت على غيرهم من أمثالهم . ـ فما هي ؟ ((إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47)))(9) . (( وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48) ))(10) . وقد يقول أحدهم كيف عرفت من هذه الآيات أنهم قدوة ؟ والجواب أنه سبحانه يأمر نبيه الكريم أن يذكرهم للناس ويذكر عملهموإيمانهم وصبرهم في الدعوة إلى الله تعالى ليكونوا لنا مثالاً وأسوة . ويحشد الله سبحانه وتعالى أسماء ثمانية عشر نبياً ، مادحاً إياهم بالهدى والرشاد آمراً المسلمين بإتباع هداهم : (( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَالَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْقَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَوَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْيَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَابِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ))(11) .
2ـ وقد أمر الله سبحانه نبيّه الكريم أن يصدع بدعوة الحقّ ، داعياً إلى التزامها بوعي وفهم : ((قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ))(12) . ـ وهذه الدعوة القويمة ليس فيها اعوجاج ، ولا ميلان عن الحق : (( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ))(13) . ـ وهي سبيل الصالحين السادة الأعلام : (( وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ . . . ))(14). ـ ومن سلكها لم يكن للشيطان سبيل عليه ولا سلطان : (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(15) . ـ وفيها التمايز عن المشركين : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (64) ))(16) . (( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ))(17) . (( قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ))(18) .
3 ـ ولا ينبغي اتباع أحد إلا للوصول معه إلى طريق مستقيم ، فيه هدىّ . ـ فهذا سيدنا موسى يقول للرجل الصالح : ((هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ))(19) . وقد نهى القرآن عن اتباع أهل الغي والفساد نهياً شديداً ، فاتباعهم يؤدي إلى المهالك في الدنيا والآخرة . ـ إنهم ضالون ، فهل يقودون من تبعهم إلا إلى الضلال ؟!! (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ))(20) . ـ قلوبهم غافلة لاهية ، وهم أصحاب هوى ، لا خير فيهم (( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ))(21) . (( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(22) . ـ أصحاب فتنة ،والمفتون لا يهدي بل يضل ((وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ))(23). (( وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ))(24) .
4 ـ ومن اقتدى بالأنبياء وسار على دربهم نجا ، ونجح . ـ فمن تبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان مفلحاً (( . . . فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) (25) . ـ وأتباع عيسى عليه السلام ، الحواريون الموحّدون ، ومن سار على دربهم قبلبعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعلهم الله منتصرين على الكفار أبداً(( وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ))(26) . ـ وهذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يحدد هوية من آمن به (( فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي . . ))(27) . ـ ولسام حال كل نبي كريم يقول : (( وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ))(28) . ـ والله سبحانه وتعالى يجمل المعنى قائلاً : (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ))(29) . 5 ـ أما من حاد عن الطريق السويّ فهو ضال تائه (( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ؟ ))(30) . ـ خاسر لأنه اتبع هواه ، وحاد عن الطريق (( فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) ))(31) . ـ يحيا حياة متعبة ، لا راحة فيها ، ويحشر أعمى يوم القيامة (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) ))(32) . ـ هم أولياء الشيطان ، غاوون (( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ))(33) . لكنّ المسلم لا يتبع الشيطان إنما يحذر منه فليس من الغاوين . ـ أما الجبابرة المتكبرون في الدنيا ، فإنهم في الآخرة يتبرأون من أتباعهموأعوانهم حين يروا العذاب ، ويتمنّى التابعون أن يعودوا إلى الدنياليتبرأوا من الطغاة ، الذين كانت لهم أدوات التنفيذ الفاسدة ، يعملون لهمدون تفكير وتمحيص (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَالَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْكَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْحَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ))(34) . ـ والإنسان العاقل لا يقتدي إلا بمن ينفعه في الدنيا والآخرة ، ويأخذ بيدهإلى دروب النجاة والسلامة . . . . . . إنه يقتدي بالهادين المهديين ،بالأنبياء المرشدين ، وأتباعهم الصالحين .
الهوامش:
(1) سورة البقرة ، الآيتان : 38 ، 39 . (2) سورة الأحزاب ، الآية : 21 . (3) سورة الممتحنة ، الآية : 4 . (4) سورة الممتحنة ، الآية : 6 (5) سورة ص ، الآية : 17 . (6) سورة ص ، الآية : 30 . (7) سورة ص ، الآية : 41 . ( سورة ص ، الآية : 45 . (9) سورة ص ، الآيتان : 46 ، 47 . (10) سورة ص ، الآية : 48 . (11) سورة الأنعام ، الآيات : 83 ـ 90 . (12) سورة يوسف ، الآية : 108 . (13) سورة النساء ، الآية : 125 . (14) سورة يوسف ، الآية : 38 . (15) سورة الحجر ، الآية : 42 . (16) سورة الأنفال ، الآية : 64 . (17) سورة آل عمران ، الآية : 20 . (18) سورة الأنعام ، الآية : 56 . (19) سورة الكهف ، الآية : 66 . (20) سورة القصص ، الآية : 50 . (21) سورة الكهف ، الآية : 28 . (22) سورة طه ، الآية : 16 . (23) سورة المائدة ، الآية : 48 . (24) سورة المائدة ، الآية : 49 . (25) سورة الأعراف ، الآية : 157 . (26) سورة آل عمران ، الآية : 55 . (27) سورة إبراهيم ، الآية : 36 . (28) سورة طه ، الىية : 47 . (29) سورة طه ، الآية : 123 . (30) سورة القصص ، الآية : 50 . (31) سورة طه ، الآية : 16 . (32) سورة طه ، الآيات : 124 ـ 126 . (33) سورة الحجر ، الآية : 42 . (34) سورة البقرة ، الآيتان : 166 ، 167 .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 9:07 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الصحبة الحسنة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الصاحب ـ كما يقولون ـ ساحب . قلْ لي مَنْ تصاحب أقل لك من أنت . . مقولة مشهورة أثبتت الأيام صدقها ، وقد جاء في الأثر : (( المؤمن مرآة أخيه المؤمن )) . وقديماً قالوا : (( صاحب السعيد تسعد ، وصاحب الشقيَّ تشقَ )) . ويؤكد هذا القول ويعضده قولُ الله سبحانه وتعالى : (( وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا (25) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا (26) وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29) ))(الفرقان). فقد دعا عقبة بن أبي معيط جيرانه إلى وليمة ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بينهم ، فأبى قبولها إلا أن يشهد عقبة شهادة الإسلام ،ففعل ، فأجاب رسول الله دعوته . . وفي اليوم التالي سمع أبيُّ بن خلف بمافعل عقبة ـ وكان صاحبَه ـ فجاءه يلومه ، ويقول له : وجهي من وجهك حرام إلاأن تكفر بمحمد ، فقال له عقبة : ما قلتُ ما قلت إلا ليقبل دعوتي ، ولست بصابىء ، فقال له : وتذهب إليه فتشتمه وتبصق في وجهه الكريم . . . ذهب ذلك المشؤوم ، وأسمع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هُجر القول وسفيهه ، ثم لما بصق ارتدَّ إلى وجهه ، فأحرقه . . ثم إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسر عقبة يوم بدر ، وأمر بقطع عنقه ، فبترها علي رضي الله عنه قبل العودة إلى المدينة المنورة . هذان الكافران عقبة وأبيُّ يندم كلٌّ منهما على مصاحبة الآخر يوم القيامة، ولات ساعة مندم . . وفيهما نزلت هذه الآيات ، تحذر من اتخاذ الأصحابالفاسدين . هؤلاء الأصحاب الذين يلازم بعضهم بعضاً في الدنيا ، ويؤازر كل منهم صاحبهفي شهواته ، وملذّاته ، وفساده ، يتعادَون حين تأتي الساعة ، ويتبرأ كلمنهم من صاحبه ، إلا الصحبة في الله ، والأخوة في الدين . قال تعالى : (( هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (66) الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) ))(الزخرف) . وما أضلَّ مَنْ يصاحب من لا دين له ، ولا خلاق ، يأمر صاحبه بالخناوالفجور ، وينهاه عن التقوى ، ويكذّبُ بالدين ويكفر بالله ، ويطغى حينيصير غنياً ناسياً أنّ مرجعه إلى الله وأنه محاسب بين يديه . قال تعالى : (( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) ))(العلق) . ويخاطب الله سبحانه نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ ونحن من ورائه ـ آمراًأن نتبع هذه الشريعة الغرّاء ، التي أنزلها على نبيه الكريم ، وأن ننأىبأنفسنا عن الأهواء ، وأهل البدع والفساد ، فأهل الهوى لا يعلمون حقيقةالحياة ، ويقودون من تبعهم إلى الهلاك والثبور ، وحين تحق الحقيقة يتبرأونممن تبعهم (( إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) ))(البقرة) . ويتبرأ التابعون بدورهم من السادة أهل الأهواء دون أن يفيد البراءُ الطرفين (( وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167) ))(البقرة) . نعم ، وحين تحق الحقيقة لن يغنوا عمّن تبعهم شيئاً . قال تعالى : (( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْلَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَبَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) ))(الجاثية) . ولكنّ أي ولاء يثبت في الآخرة . . إنه ولاء صاحب الآخرة ، وخالق الدنيا والآخرة . . الله وليُّ الذين آمنوا . فلْنكنْ أولياء الله تعالى ومنوالاه فقط . كما أن الصحبة والولاء للذين آمنوا بالله ورسوله ، أما مَنْ غضب اللهعليهم لكفرهم بالله واليوم الآخر فلا ينبغي لنا صحبتهم ، ولا موالاتهم (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْأَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) ))(الممتحنة) . وقد قصَّ الله ـتعالى ـ علينا قصّة ذلك الرجل المؤمن ، الذي دخل الجنّة ، فجلس مع إخوانهيأنسون ، ويطربون ، ويتجاذبون أطراف الحديث ، ثم تحدثوا عن الدنيا وما جرى لهم ، فيها يتذاكرون نعيمهم ، وحال الدنيا ، وثمرة الإيمان . فقال الرجل :لقد كان لي جليس في الدنيا ، ينكر البعث والجزاء ، ويتندَّر قائلاً :أتصدِّقُ أننا إذا متنا ، وأصبحنا ذرات من التراب ، وعظاماً نخرة أننامحاسبون ومجزيون بأعمالنا ، ما الذي جرى له أيها الأصحاب ، تعالوا نطّلعإلى النار ، لنرى حال ذلك الجليس ، فنظر وأصحابه إلى ذلك الرجل ، فأبصرهيتلظّى بنار جهنّم ، ويُشوى بسعيرها ، فخاطبه المؤمن شامتاً وقال له :والله لقد قاربت أن تهلكني بإغوائك ، ولولا فضل الله عليَّ بتثبيتي علىالإيمان لكنت معك في نار جهنم ، أُكوى بنارها . ثم خاطبه مستهزئاً ساخراًبه كما كان ذاك الفاجر يسخر بالمؤمن في الدنيا : ألا تزال على اعتقادكبأننا لن نموت إلا موتتنا الأولى ، وأنْ لا بعث ولا جزاء ولا حساب ولاعذاب ؟! ثم التفت إلى أصحابه وقال : الحمد لله الذي تفضّل علينا ، فأدخلنانعيم الجنّة . وهذا هو النجاح والفلاح الأبديان . (( فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50)قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَلَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًاوَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) ))(الصافات) . قال المفسّرون : أشارت هذه الآيات الكريمة إلى قصّة شريكين ، كان لهماثمانية آلاف درهم ، فكان أحدهما يعبد الله ، ويقصّر في التجارة والنظر إلىأمور الدنيا ، وكان الآخر مقبلاً على تكثير ماله ، فانفصل عن شريكهلتقصيره ، وكان كلما اشترى داراً أو جارية أو بستاناً أو نحو ذلك عرضه علىالمؤمن ، وفَخَر عليه بكثرة ماله ، وكان المؤمن إذا سمع ذلك يتصدق بنحوٍمن ذلك ليشتري له به قصراً في الجنة ، فإذا لقيه صديقه قال : ما صنعت بمالك ؟ قال : تصدّقت به لله ، فكان يسخر منه ، ويقول : أإنك لمن المصدّقين ؟! فكان أمرهما ما قصَّ الله علينا في كتابه العزيز .
يتب
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 9:35 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
القول الحسن
الدكتور عثمان قدري مكانسي
ماذا يفعل القولُ الحسن بمن يسمعه أو يُوَجّهُ إليه ؟ . ما موقفك حين ترى مَنْ يقول هجراً ؟ ومَنْ يغلظ في حديثه ؟ . كيف تنظر إلى من يتلطف في القول ، ولا يُسمِعك إلا ما تحب وتأنس إليه ؟ . إن الكلام الطيب كماء نزل من السماء على أرض عطشى ، فأنبت الله به زرعاً وثمراً ، وجعلها فتنة للناظرين ، قال تعالى : (( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ))(سورة إبراهيم) فهي تفعل فعل السحر في السامع ، وتأخذ بمجامع قلبه ، فينفتح إليك ، ويأنس بك . أما الداعية فيعمل ، ليصل كلامه إلى أعماق الناس ، بما أمر الله من قول حسن (( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ))(البقرة) ، وترتاح قلوب الناس وعقولهم للكلام الطيب ، كما يرتاحون للفاكهةالطيبة الحلوة ، فيستمتعون بأطايب الكلام ، كما يتلذذون بأطايب الطعام . والله أمر الدعاة أن يقولوا في محاورتهم ، ومخاطبتهم ، الكلمة الطيبة ،ويختاروا من الكلام ألطفه وأحسنه ، وينطقوا دائماً بالحسنى ، فالكلمةالخشنة سلاح الشيطان ، يُسَعِّرُ بها نار الفتنة ، ويؤججها (( وَقُلْلِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُبَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53) )) (الإسراء) . ويأمر الله سبحانه وتعالى الداعية ، باللطف ، واتخاذ الأسلوب المناسب ، لاجتذاب السامعين فقال : (( ادْعُإِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُبِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) )) (النحل). وإذا جادلتم أهل الكتاب ، ودعوتموهم إلى الإسلام ، فليكن ذلك بالحسنى ،كالدعاء إلى الله بالحجج والبراهين ، والحَسَن من الكلام ، وأعلموهم أنكمتؤمنون بالإله الذي يؤمنون به ، إلا المحاربين الظالمين ، المجاهرين فيعداوتهم ، فجدالهم بالغلظة والشدّة ، لتوهين حجمهم ، وتهجين مذهبهم ، وهذاما يليق بالمجرم المشرك الغليظ . قال تعالى : (( وَلَاتُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّاالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَإِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌوَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) )) (العنكبوت) . ويأمرنا اللهسبحانه وتعالى ، أن نكافىء المحسن في تحيته ، بتحيّة أفضل ليشعر بالأمان ،وليرى أن المسلمين ، أهل حب وودٍّ ، فيتقرّب إلينا ، ولا ننسَ أن اللهرقيب علينا ، يجازينا بما نعمل من خير أفضلَ الثواب ، فقال سبحانه : (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) )) (النساء) . وتعال معي ـ أخي الكريم ـ إلى رؤية ثواب مَنْ يقول أفضل كلمة يحبها اللهوهي : (( الله ربي )) فها هو القرآن الكريم يفصّل في ذلك . . يقول سبحانه : (( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا أ ـ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ 1ـ أَلَّا تَخَافُوا 2ـ وَلَا تَحْزَنُوا 3ـ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) 4ـ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ 5ـ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ 6ـ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) ب ـ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ 1ـ دَعَا إِلَى اللَّهِ 2ـ وَعَمِلَ صَالِحًا 3ـ وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) جـ ـ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ د ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) )) (فصلت). ما أعظم ثواب الكلمة الطيبة ، ينمّيه الله ، حتى يصير أعظم من جبل أحد ، كما جاء في الأثر. وانظر إلى العلاقة الطيبة بين إخوة الإسلام ، هذه العلاقة التي شدَّ منعروتها ، الحب في الله ، فترى الخلف يدعو للسلف ، ويسألون الله صفاء القلبمن الغل والحسد ، لإخوانهم في الله : (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ أ ـ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ب ـ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10) )) (الحشر). أتدرون ما قوتنا وأسوتنا في القول الحسن ؟ إنه قول الله تعالى ، القرآن الكريم : (( اللَّهُنَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّمِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْوَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ . . )) (الزمر) .
يتبع بإذن الله | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 9:44 am | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
حُسن الأدب
الدكتورعثمان قدري مكانسي نقصد به القول والفعل اللذين إن اتصفبهما المرء كان من المروءة بمكان ، ونال من الله تعالى الحظوة والقبول ،وإن خلا المرء منهما ناله ذم وقدح ، وابتعد عن دائرة النُّبل والمروءة . ولئن كان خلوُّ المرء من بعض هذه الصفات لا يعد كَبير إثم ، إلا أن بعضهاالآخر ـ إن خلت ـ منه كان من أهل الكبائر . . لكنها جميعاً آداب اجتماعية، وأخلاقية دينية ، لا بد للمسلم النبيه أن يحوزها . من هذه الصفات :
ـ ردُّ التحية ردّّاً له أثره الإيجابي في النفوس . قال تعالى : (( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا (86) )) (سورة النساء) . فالأفضل أن تردّ التحيّة بأفضل منها ، فإن قيل لك : السلامُ عليكم ، قلت :وعليكم السلام ، ورحمة الله وبركاته ، ومغفرته ، ورضوانه . وقد جاءت الملائكةُ إبراهيم فحيَّوْه بالجملة الفعلية ، والفعل يدلُّ علىالحدوث ، فأجابهم بتحيّة دلّت على الثبوت ، وذلك بالجملة الاسمية ، فكانرده أحسنَ (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ ... )) (الذاريات) .
وقد نعى الله تعالى على اليهود الذين يحرفون الكلم ، فإذا دخلوا علىرسول الله أوهموه أنهم يسلمون ، فيقولون : (( السام عليكم )) ، والسامُ هوالموت . فهم ـ إذاً ـ يدعون عليه ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرفمرادهم فيردُّ قائلاً : (( وعليكم )) فيكون ردّه أبلغ ، لأنهم يدعون فلا يستجاب لهم ، وهو عليه الصلاة والسلام يدعو عليهم ، فيستجاب له . قال تعالى : (( وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ . . )) (المجادلة) . ومن هذه الصفات أيضاً إكرام اليتيم ، والحضُّ على إطعام المسكين ، وقد مدحالله تعالى الأنصار ، الذين أكرموا إخوانهم المهاجرين إليهم فقال : (( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ( إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) )) (الإنسان). كما نعى القرآن على الكفار ، الذين لا يحضون على إطعام الفقراء والمحتاجين، ويأكلون مال اليتيم ، والمرأة ، والضعيف ، فلا يعطونهم ميراثهم ، ولايهتمون في أكل المال ، أَمِنْ حرام كان ، أم من حلال ؟ قال تعالى : (( كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ(17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَالتُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20))) (الفجر) . ويأمر الله تعالى نبيه الكريم ـ وهو القدوة لنا ـ فنحن مأمورون بما أمر بهـ أن يراعي بؤس اليتيم فلا يقهره ، وأن يعطي السائل ، فإن لم يستطع ، ردّهردّاً جميلاً . قال تعالى : (( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) )) (الضحى) . كما هدد القرآن الكريم من يعيب الناس ، ويغتابهم ، ويطعن في أعراضهم ، أويلمزهم سراً بعينه ، أو حاجبه . ويوقع بين الناس ، ولا يهتم إلا بجمعالمال ، يحصيه ويعدُه بالنار والإحراق ، فهذا جزاؤه المناسب (( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) )) (الهمزة) .
ـ وقد نهى القرآن الكريم عن النجوى ؛ وغمز المؤمنين ، ومعصية الرسول الكريم ، (( أَلَمْتَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَانُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِالرَّسُولِ .... ( 8 ) )) (المجادلة) . فإذا تحدثوا سراًوتناجوا ، فلا يكون ذلك بما فيه إثم من قبيح القول ، أو بما هو عدوان علىالغير ، أو مخالفة ومعصية لأمر الرسول الكريم ، وليتحدثوا بما فيه خيروطاعة وإحسان ، وليخافوا الله فيمتثلوا أوامره ، ويجتنبوا نواهيه ، فسوفيجمعهم للحساب ، ويوفيهم أجورهم ، ويجازي كلاّ بعمله . . قال تعالى : (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْابِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْابِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ(9)))(المجادلة).
ـ وكان المسلمون يتنافسون في مجلس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أو غيرهمن المجالس . فأمرهم الله بالتواضع والإيثار ، وأن يفسحوا في المجلس لمنأراد الجلوس عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ليتساوى الناس في الأخذمن حظهم من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وفي الحديث : (( لا يقيمنّ أحدكم رجلاً من مجلسه ، ثم يجلس فيه ، ولكنْ توسعوا ، وتفسّحوا، يفسح الله لكم)) ،وقد تكون الفسحة للمطيع في الرزق ، والصدر ، والقبر ، والجنة . وهذايوضح فضل الله علينا حين يوسع لنا في خيرات الدنيا والآخرة ، كما أنّه إذاقيل لنا انهضوا من المجلس ، وقوموا لتوسعوا لغيركم فعلينا السمع والطاعة ،وهذا درس عمليٌّ في التواضع ، بدءاً من التوسعة وانتهاءً بالقيام . . قالتعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَاقِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُلَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَآَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ... (11) )) (المجادلة) .
ـ ومن الصفات حفظ السر ، لما فيه من فائدة السلامة والصيانة فرسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ ذكر أمراً لزوجته عائشة ، وحفصة واستكتمهما إياه ،فلم تحفظاه فعوتبتا على ذلك ، فما ينبغي لأحد أن يكشف سرَّ أحدٍ إن سألهأن يحفظه . (( وَإِذْأَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْبِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْبَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَنَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (3) إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ....)) (التحريم).
ـ وهذا سيدنا إبراهيم حين جاءته الملائكة ، فلم يعرفهم وحسبهم بشراً ، فماذا فعل ؟ : 1ـ ذهب إلى أهله مسرعاً ، في خفية عن ضيفه ، لأن من أدب المضيف أن يبادربإحضار الضيافة ، من غير أن يشعر به الضيف حذراً أن يشعر الضيف أنّه أثقلعليه ، فيمنعه من إحضارها ، وأسرع بالعودة حتى يؤنس ضيفه ، فلا يتركه وحده. 2ـ وجاء بعجل مشوي ، وهذا إمعان في إكرام الضيف . 3ـ ومن الأدب أن يقدَّم الطعام إلى الضيف مكان جلوسه ، فهذا أوجَهُ وأكرم . 4ـ ومن الأدب التلطف بالدعوة إلى الطعام ، فلم يقل لهم (( كلوا )) إنما قال متودداً : (( أَلَا تَأكُلُونَ )) . قال تعالى : (( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (27) )) (الذاريات) .
وهذا لقمان الحكيم يوصي ابنه ـ ونحن من ورائه ـ بأمور عدة آمراً وناهياً : (( يَا بُنَيَّ أ ـ أَقِمِ الصَّلَاةَ ب ـ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ جـ ـ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ د ـ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) هـ ـ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ و ـ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) ح ـ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) )) (لقمان).
وفي سورة الإسراء آداب عدة :
1ـ ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُواإِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّعِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَاأُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) )) (الإسراء) . 2ـ أ ـ ((وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) ب ـ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) جـ ـ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) 3ـ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) 4ـ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) 5ـ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) )) (الإسراء) . 6ـ وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ 7ـ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) . 8ـ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) . 9ـ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36). 10ـ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) )) (الإسراء) .
إنها آداب رائعة ، وشرائع راقية ، تبني مجتمعاً متماسكاً ، وأُمّةً حضارية .
وانظر معي إلى الأدب القرآني الرفيع ، ففي سورة يوسف (الآية 69 ـ 71) نرى هذه الصورة المعلمة للأدب الراقي. 1ـ أمر يوسف عليه السلام أن توضع السقاية ، وهي من ذهب مرصع بالجواهر في متاع أخيه بنيامين ليبقيه عنده . 2ـ نادى منادٍ إخوة يوسف ، إنكم سرقتم . 3ـ جاء إخوة يوسف إليهم يسألنوهم ! ماذا فقدتم ؟ 4ـ قالوا لهم : فقدنا سقاية الملك ، وأنتم أخذتموها ، ألم نكرمكم ، ونحسنضيافتكم ؟ ونوفِّ إليكم الكيل ، إنا لا نتهم عليها غيركم . . . فأين الأدبهنا ؟ . . إنه من إخوة يوسف ، فالمنادون اتهموهم بالسرقة ، فردَّ عليهم هؤلاء : (( ماذا تفقدون ))بدل : (( ماذا سرقنا )) إرشاد لهم إلى مراعاة حسن الأدب ، وعدم المجازفةباتهام البريئين الغافلين بالسرقة ، ولهذا التزموا معهم الأدب فأجابوهم ( نفقد صواع الملك )) بدل قولهم : (( سرقتم صواع الملك )) . والأمثلة كثيرة ، وسبحان الله معلم الأدب ، الدال على الصواب . يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 1:25 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الأمان والحرية
الدكتور عثمان قدري مكانسي قال تعالى : { مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} (من الآية 99 ـ المائدة) ، ويبدأ الرسول ومَن تبعه يبلغون الناس رسالاتربهم ، فإن وجدوا مناخاً مناسباً ، ازدهرت دعوتهم ، لأنها دعوة الفطرة ،وإن وجدوا محاربة وإيذاء صبروا ، فدرب الدعوة مليء بالشوك والمصاعب ، فإنازداد الإرهاب ، وكثر القتل ، والسجن ، والعذاب ، انتقلوا بدعوتهمالمباركة إلى مكان أكثر أمناً ، وأوسع حريّة . هذا رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ يترك مكة بعد ثلاثة عشر عاماً إلى المدينة المنوّرة ،لأن أهل مكة ساموه وأصحابه سوء العذاب ، ووجد المدينة تمدّ إليه أيديأبنائها الذين آمنوا بدعوته ، فخرج من مكة قائلاً : (( والله إنك لأحب أرض الله إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجتُ )) ثم يعود إليها بعد ثماني سنوات فاتحاً ، ليرسي فيها دعائم التوحيد والإيمان . وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو بمكة يرى أصحابه وهم يعذبون ، ويفتنون ، فيأمرهم بالهجرة إلى الحبشة (( فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد )) .
صور من الهجر قبل الإسلام : ـ هذا أبو الأنبياء إبراهيم عليهالسلام يكسر أصنام قومه ، ويعلن ملّة التوحيد ، ويدعو الناس إليها ،فيجادله قومه ، فيحاجُّهم ويخرسهم ، فيرون موقفهم أمامه ضعيفاً ، ويخافونأن يؤمن به الدهماء ، فيقررون التخلص منه بالإحراق . لكن الله تعالى ينقذهمن النار ، وتزداد شدّة الوطء عليه ، فيقرر الهجرة إلى الشمال ـ إلى حرّانـ { وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي } (من الآية 26 ـ العنكبوت) ، ثم تبدأ الهجرة الثانية إلى فلسطين { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) }(الصافات) ، وهناك تنتشر الدعوة ويقوى عودها .
ـ وهذا موسى نبي الله الكليمُ يقتل نفساً من الأقباط دون قصد ، فيأتيه رجل يقول له : { وَجَاءَرَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّالْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَالنَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) }(القصص) . ويتوجه تلقاء مدين ويسقي للفتاتين ، ويستدعيه أبوهما ، فيقص موسى عليه خبره ، فيقول له الرجل الصالح : { لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(من الآية 25 ـ القصص) . ويجد الحرية والأمان في مدين ، ويربّيه اللهتعالى على عينه ، ليعود إلى فرعون داعياً ، وإلى بني إسرائيل منقذاً . ويرى موسى عليه السلام وقومُه ، الصدَّ والإيذاء والاستعباد ، فيقررالهجرة إلى الشام مرة أخرى ، ولكن مع قومه من بني إسرائيل ، لأنه هذهالمرّة لم يعد مسؤولاً عن نفسه فقط ، بل عن قومه أيضاً ، فهو النبي المرسلإليهم . . والله تعالى هو الذي أمره بالهجرة الآن ، فما عاد فرعون وقومهيطاقون ، قال تعالى: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (52) }(الشعراء) وينجي الله موسى وقومه ، ثم يُغرِقُ فرعون وجنده .
ـ وأهل الكهف أعلنوا كفرهم بالأوثان ، وإيمانهم بهدى الرحمن ، وتوحيدالديّان ، فاغتاظ الملك ، وأمرهم أن يعودوا إلى الكفر أو يقتلوا . . فتبدأهجرتهم إلى الله تعالى ، ويلجأون سراً إلى كهف قريب من مدينتهم ، كيينطلقوا بعد ذلك في أرض الله الواسعة ، ويبحث عنهم الملك وأعوانه ، فلايرونهم ، ويلقي الله تعالى عليهم النوم { ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا }(منالآية 25 ـ الكهف) فتكون هذه هي هجرتهم الطويلة ، التي ضربها الله مثلاًرائعاً لمن كان يرجو الله واليوم الآخر . ويكون الكهف أماناً لهم ، ورحمةمن الله تكتنفهم ، وتنشر عليهم ظلالها ، وتهيء لهم الأمان ، والهدوء ،والسكينة : { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَايَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْرَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}(الكهف) .
فوائد الأمان والحرية : 1ـ إمكانية العبادة لله سبحانه دون عوائق تُذكر، قال الله تعالى محدداً فائدة الانتقال إلى المكان الآخر : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}(العنكبوت) . 2ـ الحصول على الرزق الواسع ، وإغاظة العدو الذي لم يستطع كبح الدعاة المؤمنين : { وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً }(من الآية 100ـ النساء) . 3ـ رضى الله عنهم ، لأنهم تركوا ديارهم ليأمنوا على دينهم ، تركوا الارضالتي أحبوها ليمارسوا شعائر دينهم ، بحرية ، ويدعوا إليه دون رقيب وإيذاء، أفلا يستحقون فضل الله وعفوه وكرمه ؟ { لِلْفُقَرَاءِالْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْيَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَوَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (}(الحشر) . 4ـ كما أن لهؤلاء الخير في الدنيا ـ وهذه مثوبة سريعة ـ ولهم في الآخرة الأجر الكبير: { وَالَّذِينَهَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِيالدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوايَعْلَمُونَ (41)}(النحل) . 5ـ تكفير السيئات ، ودخول الجنة ، والثواب الجزيل فيها ، قال تعالى : { فَالَّذِينَهَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِيوَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْوَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } (من الآية 195ـ آل عمران) .
ـ بل إن الملائكة المكلفة بأخذ الأرواح تقول للذين استكانوا إلىالظلمة ، ولم يخرجوا إلى أرض أخرى يقيمون فيها شعائر دينهم ، فصاروا أداةقمع في أيدي هؤلاء الظلام ، هؤلاء الملائكة يوبخونهم : { إِنَّالَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوافِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُواأَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97)} (النساء) .
ـ ومن الجدير بالذكر أن الذين آمنوا ولم يهاجروا في سبيل الله ،ورضوا أن يعيشوا في ظل القهر ، لا ينبغي أن نواليهم أو نصادق منهم أحداً ،حتى يحققوا إيمانهم بالهجرة والجهاد في سبيل الله . قال تعالى : { فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ }(منالآية 89 ـ النساء) ، فالمؤمن لا يكتمل إيمانه حتى يفاصل الأعداء ويكونقادراً على التعبير عما في نفسه ، محققاً أوامر الله ، منتهياً عما نهيَعنه حين يكون في دار الأمان والحريّة ، ، وتاريخ الأنبياء والرسالات أوضحأمثلة على ذلك وعلى هذا نفهم قول الله تعالى : { وَالَّذِينَآَمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍحَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُالنَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌوَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }(من الآية 72ـ الأنفال) . فالمسلمون ثلاثة أقسام : المهاجرون : فهم الأصل، لأنهم هجروا الديار والاوطان ابتغاء رضوان الله . الأنصار : فهم نصروا الله ورسوله ، وجاهدوا بالنفس والمال ، وبين هذين الطرفين الولاء والنصرة . المؤمنون الذين لم يهاجروا : حُرِموا الولاية حتى يهاجروا في سبيل الله . إن البحث عن دار الأمان ، والإنتقال إليها ، ليمارس الإنسان حريته فيعبادة الله تعالى أساس لرضوان الله تعالى ، ذلك الرضوان والقبول عظيم لميحدّده رب العزة إنما جعل تقديره ـ وهو عظيم ـ في علمه ، وكرمه وجودهسبحانه وتعالى حين قال : { وَمَنْيَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّيُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ }(من الآية 100 ـ النساء) .
1ـ تركُ البيت ـ وهو ملاذ الإنسان الذي بناه ، وأتعب نفسه للحصول عليه ـدليل على بيع الدنيا ولذاتها ، والانتقال إلى أرض غريبة بعيدة عن الوطنوالأهل والذكريات لإقامة منهج الله سبحانه في دار الأمان والاطمئنان . 2ـ واللجوء إلى الله تعالى ، ومتابعة رسوله الكريم ، دليل آخر على الطاعة والولاء ، وبيع النفس والنفيس لهذه الدعوة المعطاة . 3ـ الثواب بناءً على هذا عظيم جليل ، يوازي هذا العطاء ، الذي بذله المؤمنعن رغبة وطواعية ، إنه ترَك متاع الحياة الزائلة ، فحق له أن ينال الأجرالكبير ، الذي يصدر عن الإله الكبير ، وما بعطبه الجليل لا شك أنه جليل .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 1:31 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الصبر
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هوالتجلد وحسن الاحتمال . . . . ، وصبرَ على الأمر : احتمله دون جزع ، وصبرعن الشيء : منع نفسه عنه وحبسها ، واصْطَبَر بمعنى صَبَرَ . والداعية الصابر من يتحمل الجهد والمكابدة ، وصلف المدعوين وجهالتهم ، وأذاهم قولاً وفعلاً ، في سبيل الله ونشر دعوته . وهذا ما فعله الأنبياء أولو العزم ، فاستحقوا مدح الله سبحانه وتعالى ،وبه أمر الله نبيّه الكريم تأسّياً بهم وسيراً على طريقتهم : { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } (من الآية 35 الأحقاف) . وقال أيضاً مواسياً نبيَّهُ الكريم عليه الصلاة والسلام : { وَلَقَدْكُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُواحَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْجَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) }(الأنعام) . وكان سيدنا يعقوب من الصابرين ، فسجّل الله سبحانه ذلك له ، فقال : { وَجَاءُواعَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْأَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18) }(يوسف)، وقال : { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ . . . } (من الآية 83 يوسف) . والصبر الجميل : التسليم لقضاء الله دون تذمّر ولا فزع ، والرضا به انتظاراً لفَرَجه سبحانه . وعلى هذا النوع من الصبر حث الإلهُ العظيم نبيَّهُ الكريم . . . فقال : { فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5)} (المعارج) . وللصبر فوائد جمّةٌ أذكر بعضاً منها :
1ـ إنه من الأسباب المعنوية المؤدية إلى النصر ، قال تعالى : { وَلَمَّابَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَاصَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِالْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ ... }(البقرة) . وقال في ذلك أيضاً : { وَأَطِيعُوااللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْوَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) } (الأنفال) . ويقول سبحانه أيضاً ، آمراً بالصبر في القتال على مناجزة العدو ، كي نحظى بالنصر : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) }(آل عمران) .
2ـ إنه يعين على البلاء والتحمل ، قال تعالى : { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ . . . } (من الآية 45 البقرة) . فالصلاة حين يؤديها المصلي بإتقان ، وإحسان ، فقد أدّى نوعاً من الصبر ، يرفع معنوياته . وهؤلاء الرسل الكرام ، يقولون للكفار ، الذين يؤذونهم ومن آمن : { . . . وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ } (من الآية 12 إبراهيم) . وقال تعالى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) } (الشورى) .
3ـ وفي الصبر والتحمل خير لصاحبه من أن يثأر لنفسه . . فهو مسلم داعية . قال تعالى : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) } (النحل) . وبعض المسلمين لم ينتظروا خروج الرسول الكريم من حجرته إلى المسجد ،فنادَوه بصوت عال ، وقد أُمروا أن يغضوا من أصواتهم في حضرته ، فقال تعالىمعلّماً الصبر والأناة والأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم واحترامه : { إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4) وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) } (الحجرات) .
4ـ وعاقبة الصبر محمودة (( الجنّة )) ، قال تعالى يبشر المؤمنين الصابرين بالجنة والمآل الطيب : { . . وَالَّذِينَصَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَوَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَبِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُعَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّبَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) } (الرعد) .
5ـ والصبر يقلب الموازين ، فصبرك على أذى الآخرين ، ودفع السيئة بالحسنةيجعل العدو صديقاً ، ويستلُّ منه سخيمة صدره فينقلب محباً ودوداً . . قالتعالى : { وَلَاتَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَأَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُوَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } (فصلت) .
6ـ والصبر يورث الأجر ، قال تعالى : { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (11) } (هود) . وحين كشف يوسف لإخوته عن نفسه ، فرأوا ما هو فيه من عزٍّ ومجدٍ ـ وقدكانوا يظنون به الموت أو الأذى ـ قال لهم منبهاً ومعلّماً : { إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } (من الآية 90 يوسف) . ويقول سبحانه مقرراً الأجر الكبير للصابرين المتوكلين على الله في صبرهم : { وَالَّذِينَهَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِيالدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوايَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42) } (النحل) . وحين يشتد العذاب على المؤمنين في بلد ما ، عليهم أن يهجروه إلى أرض الله الواسعة ، ويصبروا على الغربة : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (من الآية 10 الزمر) .
7ـ والصبر على الدعوة يرفع الداعية ، ويجعله قدوة وإماماً ، قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } (السجدة) . وهذا الرجل الصالح صار معلماً لسيدنا موسى عليه السلام ـ في سورة الكهف ـواشترط عليه أن يصبر عليه ، فلا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكراً ،ويجيبه موسى : { سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا }(من الآية 69 الكهف) ولو لم يكن الرجل صابراً ، لما صار معلماً له ، ولا أمكن أن يأمره بالصبر .
8ـ والصبر يقرب العبد من مولاه ، ويرفع مقامه ، قال تعالى للنبي ـ صلىالله عليه وسلم ـ يأمره بالصبر ، والاستعانة بالله ، والاعتماد عليه : { وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } (النحل) . وأول المتقين ، والمحسنين ، وسيدهم ، رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،وأين مكان من صبر لحكم ربّه ، وسبّح بحمده في قيامه وصلواته ، في ليلهوسَحَرٍه ؟ إنه في رعاية الله ومعيّته ، قال تعالى : { وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49) } (الطور) .
9ـ وبالصبر النجاحُ والنصرُ والحفظُ ، قال تعالى واصفاً المنافقين وكرههم للمسلمين ، ومؤكداً نصره للمسلمين إن صبروا واتقوا :{ إِنْتَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوابِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًاإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) } (آل عمران) . وسيكون النصر للرسول الكريم ، الذي حقق الصبر ، والتزم التقوى ، وهو أهل لها : { فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ } (من الآية 49 هود) . وماذا قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله ـ إن استشهدوا في سبيل الله ـ والحائزون على نصره إن صبروا { قَالَالَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍقَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَالصَّابِرِينَ } (من الآية 246 البقرة) . ويأمر الله تعالى نبيه الكريم ، وصحبه الأبرار أن يصبروا في القتال ، فما بعد الصبر إلا الظفر : { يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْمِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْمِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْقَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآَنَ خَفَّفَاللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْمِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌيَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (66) } (الأنفال) .
10ـ ومدَدُ الله تعالى للمؤمنين بصبرهم وتقواهم ، قال تعالى مخاطباً رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَىإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَايُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِمُسَوِّمِينَ (125) } (آل عمران) . وحين صبر المسلمون في معركةبدر ، واستغاثوا ربهم ، وسألوه العون والمدد ، لبّاهم ، وكان عند حسن ظنهمسبحانه جل شأنه ، قال تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) } (الأنفال) .
11ـ والمسلم الصابر ممدوح . . ومن الذي مدحه ؟ إنه الله تعالى ومَنْ مدحه الله تعالى رفعه ، قال تعالى : { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَعَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْيُنْفِقُونَ (35) } (الحج) . وقال تعالى يمدح الصابرين على ما أصابهم فيمن مدح : { وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } (من الآية 177 البقرة) . وقال تعالى يمدح الصابرين الذين قاتلوا مع أنبيائهم في سبيل الله ، وبذلواكل ما في وسعهم ، ورفضوا الخنوع للعدو الكافر ، فقال سبحانه : { وَكَأَيِّنْمِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَاأَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُواوَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) } (آل عمران) . ومدح الله تعالى بعض أنبيائه لصبرهم ـ وكلهم صابرون ـ : { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ (85) } (الأنبياء) . ومدح أيوب عليه السلام بصبره على ما ابتلاه الله به : { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } (من الآية 44 ـ ص ) .
وقد يصير الصابر إلى مقامات عليّة بصبره ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 1:39 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
العدل
الدكتور عثمان قدري مكانسي هو" أساس الملك " وميزان الحياة الطيبة ، وبإقامته في مجالات الحياة يصلالناس إلى حقوقهم ، وينتفي الظلم ، ويعرف كل إنسان حدوده ، وفيه المساواةبين الجميع ، والإصلاح بين الفرقاء. ويتجلّى العدل في القول ، والعمل ، والحكم .
والله سبحانه وتعالى يعلمنا العدل ، ويأمرنا به ، لأن فعله سبحانه العدل بعينه : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا } (من الآية 115الأنعام) .
قال سبحانه آمراً وناهياً بما يقيم العدل : { إِنَّاللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىوَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْلَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} (النحل) .
ويقول سبحانه آمراً بالعدل ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، دون نقص ولا طغيان ، وإنصاف الناس في أوزانهم دون تطفيف ، { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8 وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (9)} (الرحمن) .
وهدّد من يطفف الميزان بالويل والثبور ، وعظائم الأمور يوم القيامة ، فقال سبحانه : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) }(المطففين).
والعاقل من يفهم ويعي ، ويجنب نفسه الخسارة الرهيبة التي لا تعوض في يومكان مقداره خمسين ألف سنة ، ويؤكد ذلك في ضرورة الإيفاء في الكيل ، والوزنالصحيح بالعدل والسوية دون خداع ولا احتيال ، فإن فعلوا ذلك وصدقوا نالوافي الآخرة المنزلة العالية ، وفي الدنيا الذكر الحسن : { وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)} (الإسراء).
ـ كما أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أرسل أنبياءه جميعاً لهداية البشرية، فأنزل معهم الكتب السماوية لهداية الناس ، والقانون الذي يحكم به بينالناس ، وهو ميزان العدل الإلهي ، ليتعاملوا بالعدل والحق في معاملاتهمفقال سبحانه : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ }(من الآية 25 الحديد) . وإقامةُ العدل والقسط كما ذكرنا يريح العباد ، ويشعرهم بالأمن والأمان .
وإمام الرسل محمد عليه الصلاة والسلام على رأس الانبياء الذين أمرهم الله بالعدل ، والحكم بالحق فقال : { آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ }(من الآية 15 الشورى) .
وتراه سبحانه يؤكد للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الدين الذي أنزله عليه كان لبيان الحق ونشر العدل ، وإحقاق الحق ، { الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ }(من الآية 17 الشورى) .
وعلى الرغم من أن اليهود يكرهون الإسلام ، ونبيّه ، وكتابه ،والمؤمنين فإن هذا كله لا يمنع أنهم إذا جاءوا يحتكمون إلى رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ أن يحكم بينهم ـ إذا رضي ذلك ـ بالعدل { فَإِنْجَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْعَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْبِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ }(من الآية 42 المائدة) .
ويأمر الله سبحانه وتعالى أن تكونوا ـ معشر المسلمين ـ . . 1ـ { قَوَّامِينَ لِلَّهِ 2ـ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ 3ـ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا 4ـ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى 5ـ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }(من الآية 8 المائدة) . . ـ ويقارن الله سبحانه وتعالى بين رجلين ، يضرب بهما مثلاً : أـ { أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ ب ـ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم }(من الآية 76 النحل) . إنّ مكانة من يحكم بالعدل ، ويأمر به ، ويتقي الله سبحانه ، مكانة عظيمة يندبنا الله تعالى إلى التسامي إليها ، والعمل لها .
ـ وتعال معي إلى ذلك الاهتمام الواضح بالمرأة ، والزواج بأكثر من واحدة ، وقضيّة الطلاق. كان العرب يتزوجون ثم يطلقون دون التقيد بعدد الطلقات ، وهذا استعبادللمرأة ، وقهر لها ، فحدد الله تعالى عددها ، ومنع أحداً أن يأكل مهرهافقال : { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًاإِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْأَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَاافْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) }(النحل). لكنْ إذا طلبت المرأة نفسها أن تفارق زوجها ، ولم تعد تطيق البقاء معه ، تخلّت عن مهرها ، وافتدت نفسها بذلك .
ـ وعلى الرغم من السماح بالتعدد ، فقد نبه القرآن أنه يسمح بالتعدد إذا عُدِل بين النساء ، وإلا فالواحدة أحسن { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً }(من الآية 3 النساء) . فإن اضطر الإنسان إلى التعدد ـ وهو مباح ـ ولم يستطيع العدل بين نسائه ولوحرص على ذلك ، فليتق الله سبحانه ، وليحاول جهده ألا يميل عن الحق ويجور ،فيترك بعض نسائه وكأنهن مطلقات ، ويميل إلى إحداهن { وَلَنْتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَاتَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ . . . }(من الآية 3 النساء) .
ـ وقد يحدث قتال بين المسلمين أنفسهم فتجور قبيلة على أختها ، فماذاعلى الحاكم أن يفعل؟ اقرأ الآية الرائعة التالية تجد عدلاً وحزماً ثم رحمة: أ ـ { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ب ـ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ جـ ـ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) }( الحجرات). وقد يحكم القاضي بين متخاصمَيْن ، أحدهما قريب له ، فهل يجوز أن يميل إليه في الحكم ، ويميت حقَّ صاحب الحقّ ؟ { وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى } (من الآية 152 الأنعام) ، فالقاعدة التي ينبغي للحاكم أن يسير عليها قوله تعالى : { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }(من الآية 58 النساء) ، فبالعدل نرضي ربنا ، فهو الحكم العادل . والأمثلة على توخّي العدل به وافرة في كتاب الله ، تحثنا على الحكم به ، والالتزام به ، لنكون خير أمة أخرجت للناس .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 1:43 pm | |
| من أساليب التربية في القرآن الكريم
الغفران والصفح
الدكتور عثمان قدري مكانسي يقال : غفر له ذنبه : غطّى عليه وعفى عنه . وصفح عن ذنبه : أعرض عنه . فالغفران أكثر تسامحاً وعفواً من الصفح ، وفي كلٍّ خيرٌ . والقرآن الكريم يعلمنا الصفح والغفران ، وأن لا نحمل لأحد في قلوبنا ضغينة، ولا في نفوسنا كشحاً ، فالدعاة إلى الله أسوتهم النبي ـ صلى الله عليهوسلم ـ الذي ما كان يغضب لنفسه أبداً ، وكان أبشَّ الناس وجهاً ، لا يقابلالإساءة بالإساءة ، بل يقابلها بالعفو والغفران ما لم تكن في جنب اللهسبحانه . 1ـ والله سبحانه وتعالى غفّار الذنوب وستار العيوب ، يعلمنا الغفران فيبدأ بنفسه ، وهو الذي لا يعجزه شيء ، لكنّه يحب أن يغفر لنا . يقول لنا سبحانه : { يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْرَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }(من الآية 53 الزمر) . وأمرنا أن نغفر للناس ، ونتشبّه به سبحانه فقال : { وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 14 التغابن) . 2ـ بل إنه سبحانه أمر ملائكته الكرام أن يستغفروا لنا ، وهذا من كرمه وفضله سبحانه ، فيقول : { الَّذِينَيَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْوَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَاوَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواوَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَاوَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْآَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُالْحَكِيمُ (8} (غافر) . ويقول سبحانه في استغفار الملائكة للمؤمنين أيضاً : {. . . . وَالْمَلَائِكَةُيُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِأَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآية 5 الشورى) . وهذا يعقوب عليه السلام يعتذر إليه أبناؤه لخطئهم في حقه ، وحق يوسف عليه السلام ، فيقول : { . . . . سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } (من الآيةـ98 يوسف) . وهذا سيدنا أبو بكر الصدّيق حين يرى مِسطحاً نال من السيدة عائشة رضي اللهعنها ، وكان يتصدق عليه ، فأقسم أن لا ينفعه بنافعة أبداً ، ولكنَّ اللهسبحانه يعلمنا أن نعفو ونغفر ، فينزل آية يَأمره وغيره أن يعفوَ ويصفحَ ،فهذا أولى بالمسلم : { وَلَايَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِيالْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِوَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُلَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22)} (النور) . فقال الصدّيق : بلى يارب ؛ أحب أن تغفر لي .
وفي معركة أحد خالف الرماة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فأمرهالله سبحانه أن يعفو عنهم ، ويستغفر لهم ، فهم بشر يخطئون ، والعفو عنهميجمعهم على حب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، والطاعة له ، وتصحيحأخطائهم { فَبِمَارَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَالْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْلَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . . } (من الآية 159ـ آل عمران) .
والإنسان إذا عفا عن أخيه ، وصفح عنه ، أحبّه أخوه ، وعظم في عينه ،وكذلك أُمِرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقبل بيعة النساء ،ويستغفر لهن إذا التزمن التوحيد ، وامتنعن عن السرقة والزنا ، وقتلالأولاد ـ حين تطرح المرأة جنينها أو تمنع نفسها فلا تحبل ـ ويمتنعن عنإلحاق لقيط برجل ليس أباه ، ويلزمن أنفسهن بطاعة رسول الله ـ صلى اللهعليه وسلم ـ قال تعالى: { . . . . فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } (من الآية 12ـ الممتحنة) . وسيدنا يوسف عليه السلام ، كان إخوته سبب بلائه ، وبُعدِه عن والده مدةأربعين سنة ، فلما كشف نفسه لهم ، ورأوا مكانته السامية في مصر ، اعتذرواله طالبين الصفح والغفران ، فعفا عنهم وسأل الله تعالى المغفرة لهم { قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91) قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)} (يوسف) . وما أجمل أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب ، ويسأل الله أن يغفر لهماويجمعهما على ما يحب ويرضى . . إنه الدين الذي جمع قلوب العباد : { وَالَّذِينَجَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَاوَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِيقُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (الحشر) . مجتمع فيه تآلف ومحبّة ، كل واحد يرجو فيه الخير له ولأخيه ، هو مجتمعجذوره ذاهبة في الأرض ثباتاً ، وذُراه ذاهبة في السماء سموّاً وعلوّاً . ـ حتى إن القرآن ليذهب أبعد من هذا ، فمن أساء إليك ، فلا تُسىء إليه إلابقدر إساءته لك ، والأفضل من هذا الصفحُ والعفوُ والصبرُ الغفران والصفحقال تعالى: { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ . . . (النحل) . ماذا تفعل مع إنسان أساء إليك ، وأنت تريد له الخير ، أتمنع الخير عنهوتقول لا بد من عقابه ، أم تتناسى إساءته ، وكأن شيئاً لم يكن ، أم تقابلإساءته بالإحسان إليه ؟ . لعل القرآن الكريم يريد لك أيها المسلم الداعية أن تكون أكبر من ردة الفعل، فلك هدف تصبو إليه . . هذا ما يريده القرآن ، ومنزل القرآن سبحانهوتعالى { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) )) (فصلت) . وجعل الله تعالى أخذ الحق أمراً لا يُلام الإنسان عليه ، لكنَّ العفو أمر يحبه الله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41)} (الشورى) . لكن حين نعلم أن الله تعالى أعدَّ جنة عرضها السماوات والأرض للمتقين نسأل عن سمات هؤلاء المتقين ، لعلنا نكون منهم : أ ـ { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ب ـ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ جـ ـ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ د ـ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) هـ ـ وَالَّذِينَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَفَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ و ـ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) زـ أُولَئِكَجَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)} (آل عمران)
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 1:51 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الالتزام بالوعد والعهد
الدكتور عثمان قدري مكانسي صفة إيجابيّة يؤديها من كان الصدق ديدنه ، والمروءة والشهامة عُدَّتَه . ويرفع الالتزام بالوعد صاحبه في أعين الناس ، ويقرّبُه إلى قلوبهم ونفوسهم ، فيعظم فيهم شأنه ، وتُعتمد عندهم كلِمتُه . وإذا كثر هذا في الناس اطمأنّت أفئدتهم ، وارتاحت نفوسهم . أما إذا أخلَّ الإنسان بعهده ، وضيّع وعده انقلب أمنه إلى توجُّس وحذرٍ ، وخاف الناس بعضهم بعضاً . ولذلك يحضنا المولى تبارك وتعالى على حفظ الأمانة وأدائها إلى أهلها { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } (من الآية 58 النساء) . ويأمرنا بإنفاذ العهد الذي قطعناه على أنفسنا ، قال سبحانه : { وَأَوْفُوابِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَتَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّاللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) }(النحل) . ويؤكد سبحانه وتعالى الوفاء بالعهد ـ أيضاً ـ في وصاياه في سورة الإسراء {. . . . وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } (من الآية 34) . أما المنافقون فلم يكونوا أهلاً لحفظ العهد مع الله سبحانه وتعالى ، فما هي عقوبتهم يا أخي الكريم ؟! لقد كان العقاب شديداً: { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْنِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوااللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}(التوبة) . وهل أشدُّ عقاباً من أن يعيش الإنسان منافقاً ، ويلقى الله منافقاً ؟ لقدوفـّى الله سبحانه لهم بما طلبوا حين آتاهم من فضله ، لكنّهم بخلواوأعرضوا عن الدين القويم ، وشاقـّوا الرسول الكريم ، فنالوا جزاءهم . ولأهمية إنفاذ العهد نرى الفكرة تتكرر مرة أخرى في قوله تعالى في حق المنافقين في غزوة الأحزاب : { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا (15)}(الأحزاب) . والكفار والمنافقون ـ على حد سواء ـ لا يَفون بالعهد . . لماذا ؟ لأن الذييفي بعهده عاقل لبيب ، يحترم نفسه ، وصادقٌ فيما يقول . . وهذه ليست منصفاتهم ، إنها صفات المؤمنين . فحين أرسل الله تعالى على فرعون وقومه الدمَ والضفادع َ والقمّل ، وعدواموسى أن يؤمنوا بالله إن كشف الله الضرّ عنهم ، وعاهدوه على ذلك ، فماذافعلوا حين كشف الله تعالى عنهم البلاء ؟ نقضوا العهد وأخلّوا به : { وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (50)}(الزخرف) والنكث بالعهد صفة المذمومين ومَنْ لا خلاقَ لهم . ولعلَّ سيدنا أيوب الذي مسّه الضرُّ وكان جسمه عليلاً مدّة طويلة من الزمن، وابتعد الناس عنه ، وتقزّزوا من رؤيته ، وما كان أحد يدخل عليه ، انشغلتزوجته ـ وهي الإنسان الوحيد الذي ما فارقه ـ فتأخّرت عنه مرة فأقسم لئنشوفي ليجلدنها مئة مرة . . فلما شفاه الله تعالى لم يطاوعه قلبه أن يعاقبزوجته الصابرة المخلصة ، لكنْ ماذا يفعل وكيف يبرّ بقسمه ؟ . وأراد الله سبحانه وتعالى أن يبرَّ أيوبُ بعهده ، دون أن يؤذي زوجته ،فأمره أن يجمع مئة عود فيضربها ضربة خفيفة ، تكون حلًّا لقسمه : { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}(ص) . والله سبحانه وتعالى حذّرنا من الشيطان وأحابيله ، وسماه الغَـَرور ،فَحَذِرَ منه المؤمنون فنجَوْا ، وتبعه الغاوون ، فكانوا معه في جهنم .كان في الدنيا يزيّن لهم المفاسد والأهواء فانغمسوا فيها ، وجرَوا وراءهايلهثون ، فلما التقوا معه في العذاب بانت الحقيقة ، ولكنْ بعد فوات الأوان{ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)}(إبراهيم) . وقد بايع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائدهم العظيم في صلح الحديبية ، فأعلمهم ربُّ العزة : أنَّ مبايعتهم نبيّهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبايعة لله سبحانه وتعالى ، وأن الذي يحافظ على البيعة له أجر كبير، أما الذي ينقض البيعة فقد أساء إلى نفسه وظلمها ، يقول الله عزّ وجلّ :{ إِنَّالَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًاعَظِيمًا (10) }(الفتح) . ويقول سبحانه أيضاً في سورة الفتح نفسها مادحاً المسلمين لالتزامهم بما عاهدوا الله عليه : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَعَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18) وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19) وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا . . . . }(الفتح) . وقد وعد الله تعالى المؤمنين الجنّة فقال : { هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآَبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53)}{ص} . وفي سورة الأحقاف نجد صورتين متناقضتين ، الأولى للمسلم المؤمن الذي يخاف الله ، ويحبه ، ويرجو ثوابه ، والثانية للكافر الفاسق . فماذا وعد الله المؤمن ؟ { أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِيكَانُوا يُوعَدُونَ (16) } (الأحقاف) . وبماذا وعد الكافر ؟ { أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْقَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18)}(الأحقاف) .
فمِنْ أي النوعين تريد أن تكون أيها الإنسان العاقل ؟ . ويوم القيامة ينبت الناس من الأرض كما ينبت البقل ، والمؤمنون متيقنون سابقاًولاحقاً أن الله سبحانه سيجمعهم يوم القيامة ، أما الكفار فإنهم يتساءلون خائفين : { قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (52)}(يس) . فوعد الله حق ، لأنه سبحانه هو الحق { وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا } (من الآية 122 النساء) ، { إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ } (من الآية 9 آل عمران) .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:10 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التحبب
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يقول الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا . . . . }(إبراهيم) .
هكذا تفعل الكلمة الطيبة في نفوس السامعين ، تدخل القلوب دون استئذان، ويتبوأ صاحبها المكانة المقبولة في نفوسهم ، ويستمعون له ، ويحبونه ،أما الكلمة الخبيثة ، فعلى العكس من ذلك تنفـّر الناس من صاحبها ، ويجدونهثقيلاً على أنفسهم ، ثقيلاً على قلوبهم .
فحين عاتب الله عزّ وجلّ نبيّه وحبيبه محمداً عليه الصلاة والسلامحين أذن للمنافقين أن لا يخرجوا معه في غزوة تبوك بدأه بكلمة يفيفة علىالنفس ، محببة لدى المخاطَب ، فقال سبحانه : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43)} (التوبة) فكان العفو قبل العتاب .
وحين عاتبه في أمر ابن أم مكتوم ، لم يخاطبه مباشرة بل حدّثه بضمير الغائب ، فقال : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}(عبس) ، ولم يقل عبستَ وتوليتَ أن جاءك الأعمى . . . فإذا كان رب العزّةيتحبب إلى خلقه ، ويتودد إليهم ـ وهو الودود الرحيم ـ أفلا ينبغي لنا أننسلك هذا الطريق الذلول لنصل إلى قلوب الناس ؟ ، والمؤمن ألوف مألوف .
والله سبحانه رؤوف بعباده حريص على إيمانهم ، يتحبب إليهم برفقٍ قائلاً : { قُلْيَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوامِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًاإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) }(الزمر) .
ويقول : { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56)}(العنكبوت) .
ويخاطب رسوله الكريم : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49)}(الحجر) ، { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 53 الإسراء) . وهل أروع من تحبب المولى إلى عباده؟!
ويخاطب موسى عليه السلام حين أمره أن يترك مصر إلى سيناء بالمؤمنين: { فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (23)}(الدخان) . فتجيب إلينا بكلمة { عبادي } .
وهذا لقمان الحكيم الذي أكرمه الله سبحانه وتعالى بالهداية ، فشكرهعلى نعمته ، فزاده منها ، يقول لولده متحبباً متقرباً ينصحه : { يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }(من الآية 13 لقمان) ، { يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِيصَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُإِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْبِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17)}(لقمان) . فكرَّرَ كلمة { يا بُنَيَّ } وهي كلمة لطيفة أنيسةٌ تدخل القلوب وتستقرّ بها .
وحين يأمرنا الله تعالى ببرّ الوالدين ، يتلطف معنا ، فلا يستعملصيغة الأمر كي لا يستثقله الإنسان فينفر منه ، بل يأتي بصيغة الماضيوالتذكير بالفضل : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ . . . } (من الآية 14 لقمان) ، { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا . . . . }(من الآية 15 الأحقاف) . { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا . . . . }(من الآية 8 العنكبوت) . وتراه سبحانه وتعالى كثيراً ما يستعيض عن الأمر بالوصية : een]ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }(من الآية 151 الأنعام) ، { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }(من الآية 152 الأنعام) ، { ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }(من الآية 153 الأنعام) ] .
ـ هذا يوسف عليه السلام يخاطب أباه بأدب ولطف وتحبب ، فيستعمل كلمة { أَبَتِ } { إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا . . . } (من الآية 4 يوسف) . { وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ . . . } (من الآية 100 يوسف) .
ـ وإبراهيم الخليل يتلفظ بالكلمة نفسها لأبيه الكافر ، متقرباً إليه، يدعوه إلى الإيمان ويتحبب مكرراً هذه الكلمة التي يعشقها الآباء ،ناصحاً وواعظاً : { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ أ ـ { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42)} ب ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)} . جـ ـ { يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)} . د ـ { يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)} (مريم) .
ـ وهذا ابنه إسماعيل الذبيح يخفف عن أبيه لواعجه ، ويساعده على الاستسلام لأمر الله ، وطاعته . { يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) . وهذه البنت الواعية ، الموقّرة لأبيها تعرض عليه بأدب أن يستأجر موسى عليه السلام بالكلمة نفسها . { يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }(من الآية 26 القصص) . والأمثلة في هذا الباب كثيرة .
كما أن الأنبياء عليهم الصلوات والسلام جميعاً ، على الرغم من أذىأقوامهم لهم ، وسوء معاملتهم إياهم ، تجدهم حين يخاطبونهم ، يتوددون إليهمويتقربون بقولهم : (( يا قوم )) ، وفي القرآن عشرات الأمثلة من هذا التوددمنها :
أ ـ قول موسى عليه السلام : { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20)}(المائدة) .
ب ـ قول إبراهيم عليه السلام : { فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ }(من الآية 78 الأنعام) .
جـ ـ قول نوح عليه السلام : { فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (من الآية 59 الأعراف) .
د ـ قول هود عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ } (من الآية 65 الأعراف) .
هـ ـ قول صالح عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ } (من الآية 73 الأعراف) .
و ـ قول شعيب عليه السلام : { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ . . }(من الآية 26 الأعراف) .
ز ـ الرجل الصالح في سورة يس : { وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) }(يس) .
حتى إنَّ فرعون ذلك المتكبر المتغطرس ، حين أراد أن يتقرب إلى الغوغاء من شعبه ليضلهم { قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ }(من الآية 51 الزخرف} .
فحريٌّ بنا أن نكون من أتباع الأنبياء ، محبين لقومنا ، ندعوهم إلى العودة إلى الله سبحانه وتعالى بلطف وتحبب .
وهذا ربُّ العزة يمدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً : ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم) ، { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّاغَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ }(من الآية 159 آل عمران) . ولنا فيه عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة ، وفي إخوانه عليهم الصلوات جميعاً .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:14 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
بذل المساعدة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه . . )) . هذه دعوة إلى الخير ، ومساعدة الناس ، لما في المساعدة من إغاثة للملهوف ،وتخفيفٍ عن المكروب ، وعونٍ للمحتاج . وهي تدل على الأخوّة الصادقة فيالمجتمع الموحّد . وعلى التماسك القوي بين أفراده ، واللّحمة المتينة بينأنسجته ، فتزيد أواصره قوّةً ، وروابطه شدة . والقرآن الكريم سرد لنا بعضاً من صور المساعدة الفردية ، والمساعدة الجماعية ، لتكون لنا قدوة ودافعاً إلى التكاتف والمحبة .
ـ فهذا سيدنا موسى عليه السلام يفرُّ هارباً من الظالمين الفراعنة ،ويسأل الله تعالى أن ينجيه منهم ، وينطلق متجهاً إلى الشام ، يرجو ربّه أنيهديه سواء السبيل ، فيصل آمناً إلى مدين ......{ وَلَمَّاوَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَوَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَاقَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌكَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}(القصص) . فشهامته على الرغم من خوفه ، وغربته ، وجوعه ، أبت أن يرى فتاتين تنزويانعن الرجال ، منتظرتين أن ينتهوا من سقاية أغنامهم ومواشيهم ، فتسقيان .وتعجَّب أن لا يكون لهما راعٍ ، فسألهما ، فعرف أنهما ابنتان لرجل هرم ،لا يقوى على السرح بالماشية ورعيها ، وليس في الأسرة رجال ، وليس فيالمقدور استئجار الرعيان ، فاضطرتا إلى فعل ذلك ، فتقدّم موسى فسقىالماشية بهمة وقوة ونشاط قبل الرعاة ، ودفع بها إلى الفتاتين ، فعادتامبكرتين على غير عادتهما ، فسألهما والدهما عن السبب ، فأخبرتاه بما جرى ،فاستدعاه وزوّجه إحداهما ، ليعمل عنده في رعي الغنم . . . ـ وبذل المساعدة تتأثر بها النفوس ، والتصرف الحكيم يعدّل الموازين ،فتصفو القلوب ، وتأرز الأفئدة لصانع المعروف ، وتنقلب العداوة قرباًوصداقة ، والبغض محبة ووداداً . . قال تعالى : أ ـ { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ب ـ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ جـ ـ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) د ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا هـ ـ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(فصلت) .
فالحسنة فعل تستحسنه النفوس وترجوه ، وتأنس إليه وتعظم صاحبه ،والسيئة فعل تستقبحه وتنفر منه ، وتكرهه وصاحبَه ، فإذا العدوّ القالييصبح صاحباً ، وحبيباً ، مما تقدم له من عون ، وصفح ، ووجه بشوش ،وابتسامة جذّابة .
ـ وهذا ذو القرنين ـ رضي الله عنه ـ مكّن الله له في الأرض ، شرقهاوغربها ، فلم يتكبر ويتجبّر ، إنما كان مثالاً يُحتذى في البرّ والخير ،فلما فرغ من نشر الدعوة في الشرق والغرب ، انطلق إلى الشمال ، حيث الجبالالشاهقة ، حتى إذا وصل إلى منطقة بين حاجزين عظيمين ، بمنقطع بلاد التركوجد قوماً متخلفين ، لا يكادون يعرفون لساناً غير لسانهم ، إلا بمشقة وعسر، لبعدهم عن مخالطة غيرهم ، ولم يفهم كلامهم إلا بترجمان ، ولعل اعتداءقبيلتي يأجوج مأجوج الدائم وتجبرهم كان يخيف هؤلاء فلما رأوا ذا القرنينقادماً بجيشه العظيم حسبوه غازيا متجبراً كتلكما القبيلتين فانعقد لسانالقوم من الخوف ابتداءً ، فلما اطمأنوا إليه أخبروه أن قبيلتي (( يأجوجومأجوج )) قوم مفسدون ، بالقتل والسلب والنهب ، يخرجون في الربيع فلايتركون أخضر إلا أكلوه ، ولا يابساً إلا احتملوه ، وسألوه أن يجعل بينهموبين يأجوج ومأجوج سداً يمنع غائلة المفسدين ، وأعلنوا أنهم سيتحملونالتكلفة . فلم يأخذ منهم شيئاً ، فالله تعالى بسط له القدرة والمال ، فما يحتاجهمإلا بالرجال العاملين ، وبنى لهم السدَّ الحصين العالي المتين من الحديدالمصهور ، والنحاس المذاب ، الذي صبه عليه فصار جبلاً صلداً ملتصقاً بعضهببعض ، فما استطاعوا نقبه لصلابته وثخانته ، ولا أن يعلوه ويتسوّروهلملاسته ونعومته ،قال تعالى: { ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوايَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِيالْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَاوَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِيزُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَانْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِقِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)}(الكهف) . إن الأمان بسط ألسنتهم وحرك بالتفكير عقولهم .
ـ وهؤلاء الأنصار أهل المدينة المنوّرة من الأوس والخزرج ـ رضي اللهعنهم ـ يحجون مكة ، ويؤمن العشرات منهم برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويبايعونه على نصرته ، ونصرة المؤمنين من أهل مكة وغيرهم ، إن أقبلإليهم . . وهكذا كان . . فانتقل الرسول الكريم وأصحابه إلى المدينة ،فاستقبلهم إخوانهم من أهلها إستقبالاً حسناً ، شهد به القرآن الكريمومدحهم بذلك ، فقد آمنوا بالله ورسوله ، وأكرموا المسلمين المهاجرينفأسكنوهم ديارهم ، وقاسموهم أموالهم ، وفضّلوهم في الغنائم على أنفسهم دونشحّ ، ولم يجدوا في أنفسهم غيظاً وحسداً مما أخذوا فاشتدت الألفة بينهم ،والحب والأخوة ، فأسسوا مجتمعاً طيباً ، ينتشر عبقه على مدى الدهور وكرَّالعصور { وَالَّذِينَتَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْهَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّاأُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌوَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)} (الحشر) .
ـ وقد أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بأداء زكاة أموالهم للمحتاجينمن إخوانهم ، وجعل أداءها ركناً من أركان الإسلام ، فأفاد أموراً كثيرةمنها : 1ـ بناء مجتمع متكامل متراحم ، تسوده مشاعر المحبّة والالفة . 2ـ مَحْوُ الضغائن من قلوب الفقراء نحو الأغنياء . . . 3ـ تقليص الهوّة بين أفراد المجتمع وطبقاتهم ، فلا يكون أغنياءُ مترفون ولا فقراءُ مُعْدَمون .
فأمر الله تعالى أن تدفع الزكاة في عديد من المصارف ، وحدّد الأهم فالأقل أهميّة لتحقّق وجود ذلك المجتمع المتجانس المتآلف { إِنَّمَاالصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَاوَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِيسَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُعَلِيمٌ حَكِيمٌ(60)}(التوبة) . وأمرنا أن نعطي الأقرب أولاً ـفالأقربون أولى بالمعروف ـ ثم المسكين ، فهو عفيف اليد واللسان ، لا يسألأحداً ، لكنَّ حياته ناطقة بمعاناته ، ثم ابن السبيل الذي انقطع عن بلدهولم يجد ما يبلّغه دياره ، قال تعالى : { فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ } ثم أعقبه بقوله : { ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (38)}(الروم) . وهذا الرجل الصالح معلم سيدنا موسى ، يساعد الناس بأمر من الله تعالى ،وبطريقة لا نعرفها ، فهو يخرق السفينة ، وأهلها لا يعرفون ، فحين تقع فييد الملك ، ويريد أخذها منهم يرى الخرق ، فتعافها نفسه ويتركها . ويقتل الغلام ، لأن الله يعلم أن هذا الفتى إن عاش وصار رجلاً فسيرهقأبويه طغياناً وكفراً ، فيبدلهما الله خيراً منه فتاة تصير زوجة نبي منأنبياء الله ، ثم يبني الجدار في القرية على الرغم من امتناع أهلها أن يَقْروهما لأنصاحبي هذا الجدار ما يزالان طفلين ، وقد ينهدم الجدار وتحته كنز لهما ،فيضيع هذا الكنز بأيدي الجشعين . ويبقى الجدار ويظل الكنز خبيئاً تحته ،حتى يكبرا ، ويشتد عودهما ، وينتفعا بالمال . . سبحان الله . . . (عد الىالقصة في سورة الكهف)
إن المسلم يبذل ما في جهده لمساعدة إخوانه في بقاع الأرض كلها ليحقق معنى الأخوّة الإسلامية .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:18 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
النصيحة والحضُّ
الدكتور عثمان قدري مكانسي
النصيحة ، الوعظ بودٍّ وإخلاص .. والحضُّ : الحمل على الشيء والإغراء به ، والحث عليه والقرآن الكريم حرص على النصيحة ، فهي أسلوب يدفع إلى فعل الخير ، وركوبالطريق الصحيح ، فعلاً كان أم تفكيراً ، بطريقة تدع المنصوح راغباً دونشعور بالمساءة . وللنصيحة والحضّ عليها أساليب عدة ، سلكها القرآن ، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر :
1ـ الشرط : قال تعالى : وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }(البقرة) ، وقال سبحانه : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (النساء) . فالقرآن في هاتين الآيتين الكريمتين ينبه إلى أن النفس العظيمة تطلب الشيءالنفيس الباقي ، وذلك باللجوء إلى الله تعالى وحده سبحانه ، والإيمان به ،وطلب الدار الآخرة . ونرى موسى عليه السلام ، ينصح قومه بالتوكل على الله : { إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ }(من الآية 84 يونس) ، وعلى هذا الأساس نرى الله سبحانه وتعالى يحضّ نبيه الكريم ، على التوكل على الله ، والاكتفاء به حسيباً : { فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} (التوبة ) . وأسلوب الشرط في إسداء النصيحة والحضّ على الخير كثير في القرآن الكريم .
2ـ لولا التحضيضيّة : { فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ }(من الآية 16 هود) . فهلاّ . . . ولكنْ كان أولئك بعيدين عن التعقل والفهم ، ولم يكن منهم أول ألباب وعقول . . . . وفي حديث الإفك ، حضّ على التفكير للوصول إلى معرفة الحقيقة : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12)} (النور) . وحضهم على التزام شرع الله في الوصول إلى الحق ، وعودة إلى أول السورة نجد أنه ينبغي المجيء بأربعة شهداء لإثبات زنا المرأة : { لَوْلَاجَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوابِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) }(النور) .
3ـ النداء والأمر والنهي : وقد تجتمع في كثير من الآيات ، بل في أكثرها . . ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}(البقرة) . فاليهود يقصدون من كلمة " راعنا " المسبّة ، والشتيمة ، كما أنها قد توهمالجفاء ، أو التنقيص في مقام يقتضي إظهار المودّة والتعظيم . ومن الأمثلة على ذلك أيضاً قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28)}(الأنفال) . وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21)}(الأنفال) . 4ـ ويجتمع النداء والنهي في القرآن كثيراً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْيَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْيَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَاتَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ }(من الآية 11 الحجرات) ، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ . . . }(من الآية 264 البقرة) .
5ـ ويجتمع النداء والأمر أيضاً : ومن أمثلة ذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172)}(البقرة) ، وقوله تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًاوَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌشِدَادٌ . .}(من الآية 6 التحريم} .
6ـ ونرى المقارنة والاستفهام مجتمعَيْن : كقوله تعالى : { مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (24)}(هود) ، وكأنه سبحانه يقول لأهل العقول : تذكروا وعوا . . . ومنها الاستفهام بـ (( هل )) كقوله تعالى : { فَإِنْلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِاللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) . ومنها الاستفهام بـ (( مَنْ )) كقوله تعالى : { مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً . . . . }(من الآية 245 البقرة) . ومنها الاستفهام بـ (( الهمزة )) كقوله تعالى : { أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}(المائدة) .
7ـ وقد نجد الأمر وحده : كقوله تعالى : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (238) }(البقرة) .
8ـ وقد نرى النهي والأمر معاً : كقوله تعالى : { إِنَّاأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِبِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106)}(النساء) .
9ـ الإخبار: في قصة السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت نجدالأفكار التالية التي يسمعها الرجل العاقل اللبيب فيمتنع أن يكون مثلأصحابها : أ ـ نبذ فريق من الذين أوتوا كتاب الله وراء ظهورهم . ب ـ جاءهم الحق ، فتناسوه كأنهم لا يعلمون . جـ ـ اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان . د ـ لم يكفر سليمان ، والشياطين كفروا . هـ ـ المتعامل بالسحر ما له في الآخرة من خلاق . فكان هذا الإخبار نصيحة وحضاً على التزام الطريق الصحيح . قال تعالى : { وَلَمَّاجَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَفَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوامَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَسُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَالسِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَوَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَانَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَايُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَبِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَايَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَالَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِأَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) }(البقرة) . وكذلك الإخبار في قوله تعالى : (( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92) ))(آل عمران) .
10ـ الوصية : وهي أسلوب رفيع في النصيحة والحضّ عليها . وقد ذكرت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثين مرة في صيغ عديدة فيها الأدب العالي والأخلاق الرفيعة . . فمن أمثلتها : أ ـ ما وصى به الأنبياء أولادهم في التزام التوحيد . . قال تعالى : { وَوَصَّىبِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَاصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(132)}(البقرة) .
ب ـ ما وصّى به الله تعالى أولي العزم من الرسل حين شرع لهم ، قال تعالى: { شَرَعَلَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْأَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ . . . }(من الآية 13 الشورى) .
جـ ـ وفي ثلاث آيات من سورة الأنعام نجد وصايا متتالية ، مصابيحَ هداية تنير للسالكين دروب الهداية ، وسبل النجاة ، قال تعالى : { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ 1ـ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا 2ـ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا 3ـ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ 4ـ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ 5ـ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151)} . 6ـ { وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ 7ـ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا 8ـ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى 9ـ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) } . 10ـ { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)} (الأنعام) .
وأساليب النصح في القرأن الكريم كثيرة ، كثيرة . . . بحسب اللبيب أنيراجع الآيات الكريمة بتفحص وإمعان ، ليجد فيها ما يساعده على الوصول إلىقلب السامع والمخاطب . . .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:22 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
المشورة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
لماذا يستشير أحدنا غيره ، وهل من فائدة في المشورة ؟ . إذا استشرت فقد طلبت النصح ، لتصل إلى وجه الصواب ، وتستنير برأي الآخرين . ففي الاستشارة ـ إذاً ـ فوائد كثيرة منها :
1ـ الاستنصاح للوصول إلى الوجه الأكثر كمالاً . 2ـ عدم الانفراد بالرأي ، فالانفراد يعدُّ خطلاً وضعفاً . 3ـ تحميل الآخرين مسؤولية اتخاذ القرار ، والمشاركة فيه . 4ـ بناء مجتمع متماسك ، يشعر كل واحد فيه أنه لبنة مفيدة .
والشورى ركن مهم من أركان المجتمع الإسلامي ، حضّ عليه ديننا العظيم ، فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ }(من الآية 38 الشورى) فلا ينفرد في القرار أحد ، ويتعاون الجميع على إنضاجه وإبرامه ، ليكون أكثر إحكاماً وسداداً .
ـ وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة المشورة لأصحابه ،في أمور الحياة سلمِها وحربها وقد مدح الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليهوسلم ـ ، باللطف في معاملة أصحابه ، فالتفّوا حوله واجتمعوا عليه ، علىالرغم من أخطاء الكثيرين منهم ، ولو لم يكن كذلك لتركوه ونفروا منه ، وقدأمره الله سبحانه ـ والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قدوتنا ـ أن يعفو عنهمويتجاوز عن إساءاتهم ، ويطلب لهم المغفرة من الله تعالى ، ويستشيرهم فيجميع أموره ، ليقتدي بفعله الناس { فَبِمَارَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَالْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْلَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَىاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}(آل عمران) .
ـ وكان التشاور ـ وما يزال ـ من شيم المجتمع الإسلامي حتى في الأمورالعادية ، فإن طلق رجل امرأته ، وله منها ولد ترضعه ، فاتفقا ـ ليذهب كلواحد في سبيله فتتزوج هذه المطلقة ـ على فطامه قبل انقضاء الحولين، ورأيافي ذلك مصلحة للولد بعد التشاور لم يكونا آثمين { فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا }(من الآية 233 البقرة) (الفصال:الفطام). فهذا مثال وإن كان مهماً فهو بالنسبة إلى غيره من الأمور يعتبر عادياً ، ومع ذلك فقد استحسن فيه التشاور ، فما خاب من استشار .
ـ والمشورة ترتفع بالمستوى الإنساني إلى درجة عالية ، لا ينفرد بهاالمسلمون فقط ، إنما هي سمة عامة بالمجتمع الذي يريد أفراده الحياة الطيبة، والوصول إلى المكانة اللائقة ، والطريق الصحيح الموصل إلى الغايةالصحيحة . فهذه ملكة سبأ ، يأتيها من سليمان عليه السلام ، كتاب يلقيه عليها الهدهد، ففتحه فإذا أوله بسم الله الرحمن الرحيم ، ومضمونه دعوة إلى توحيد اللهوالانقياد لأمره وطرح التكبر ، والسفر إلى الشام مع وجهاء قومها مسلمينطائعين موحدين فجمعت كبار قومها وأهل الرأي والمشورة قائلة : { يَا أَيُّهَا الْمَلَؤُاْ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ }(من الآية 32 النمل). فبغير حضورهم ومشورتهم لا تقطع بأمر ، ولا تقضي بتصرف وعمل . قال القرطبي : ( أخذَتْ في حسن الأدب مع قومها ، ومشاورتهم في أمرها في كلما يعرض لها ، فراجعها الملأ بما يُقر عينها ، فأعلموها بقوتهم وبأسهم ،ثم سلموا الأمر بعد المشورة إليها ، وهذه محاورة حسنة من الجميع ) . قال الحسن البصري : ( فوضوا أمرهم إلى امرأة ـ نعم إلى امرأة ـ فلما قالوالها ما قالوا كانت هي أحزم منهم رأياً وعلماً ، فقالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ(34)}(النمل) وهكذا فعلت ثم رأت الحقَّ أحقَّ أن يُتبع ، فذهبت إليه ،وآمنت به ، وتزوجته ، فكانت من الناجين في الدنيا والآخرة ، وكانت فألاًحسناً لقومها ، وهادية لهم إلى الإيمان بحسن عملها .
ـ وفعل فرعون ما فعلت ملكة سبأ من المشورة ، لكنّه بجبروته وتكبّره حاد عن الطريق وسقط في الحضيض . فحين جاء موسى وهارون يدعوانه وقومَه وبني إسرائيل إلى الإيمان بالله ،جادلهما فرعون ، وحاول إرهابهما وتخويفهما ، فردّ عليه موسى ردّاًعقلانياً يدلُّ على الإيمان العميق بالرسالة التي كُلّف بها ، وقارعهالحجةَ بالحجة . فلما أفلس هدّدَه بالاعتقال والسجن . . فما كان من موسىإلا أن أظهر آيتيه اللتين زوّده الله تعالى بهما ـ إلقاء العصا ، فتنقلبحيّة تسعى ، وإدخال اليد في فتحة القميص وإخراجها بيضاء تلمع وتضيء ـ ،فلما رأى فرعون هاتين الآيتين بُهِتَ أول الأمر ، ثم استعان بالأعوان ، لاليدلّوه على الطريق الصحيح ، والدين القويم ، إنما ليعينوه بمكرهم ،ودهائهم على التصدي لهذا النبي الذي يملك سلاحاً قوياً كاد يعصف بفرعونوعرشه ، فلم يقل ما قالته ملكة سبأ : { أَفْتُونِي فِي أَمْرِي } ، طالبةالنصح والرشاد بل أعلن كفره بموسى ابتداءً ، فحرّض هؤلاء عليه حين قال : {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35)}(الشعراء)، فكان كما أراد فرعون ، فقد فهموا أنّه لا يريد نصيحة حين أوهم أنهيستشيرهم ، وعرفوا مرماه ، وكانوا كما قال تعالى ذامّاً إياهم : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54)}(الزخرف) ، فقالوا له ما وافقه وأرضاه وزاد في طغيانه وضلاله { قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37)}(الشعراء) . وكانت النتيجة أن الله سبحانه وتعالى أغرقه وجنوده في اليم ، جزاءً وفاقاً على كفره وطغيانه وفساده { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40)}(الذاريات) ، فآمن ساعة لا ينفع الإيمان ، آمن وهو يغرق { حَتَّىإِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّاالَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) فكان من الهالكين . . .
ـ وهذان سيّدانا إبراهيم وإسماعيل يضربان المثل الأعلى ، في الاستشارة وإن لم تكن استشارة حقيقية . . . فكيف ؟ . لما ترعرع إسماعيل وشبَّ وبلغ السنّ الذي يمكنه أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه قال له حين أُمر في المنام بذبحه : { يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى }(من الآية 102 الصافات) . ورؤيا الأنبياء وحيٌ فعيونهم تنام ، ولا تنام قلوبهم ، فلما سأل إبراهيمابنه : ما رأيك في الذي رأيت ، لم يكن يشاوره ليرجع إلى رأيه فهذا أمرٌحتمٌ من الله وما سأله إلا ليعلم ما عنده ، فيثبت قلبه ، ويوطن نفسه علىالصبر ، فأجابه ابنه بأحسن جواب : { قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ }(من الآية 102 الصافات) . وهذا جواب أولي الحلم والصبر والامتثال إلى أمر الله والرضا بقضاء الله . .
جعلنا الله تعالى من أهل هؤلاء الكرام لتفوز برضا الله سبحانه وننجو من عذابه ، بل قل : لنكون من أهل الله .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:26 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التلطُّف والاعتذار
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يستطيع الإنسان أن يأخذ باللطف ما لا يستطيع أخذه بالعنفوان . وبالكلمة الطيبة ، والابتسامة اللطيفة ، يصل الإنسان إلى مأربه .
والله سبحانه وتعالى خلق سيدنا محمداً عليه الصلاة والسلام ليناًهيناً مع الناس ليكون نموذجاً حسناً حياً للدعاة ، ولو كان عصبياً سريعالغضب ما ألفوه وتبعوه { فَبِمَارَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَالْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْلَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ . . . }(من الآية 159 آل عمران) .
وأمره سبحانه أن يقبل من الناس ما عفا وتيسَّر من أخلاقهم ، وأنيحضَّ على فعل ما هو حسن ، وأن يتناسى جفاء الجاهلين ذوي القلوب القاسية {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}(الأعراف) .
بل إنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يستغفر للمنافقين ، وظلَّ على هذا إلى أن نهاه ربه عن ذلك ، حين قال سبحانه : { اسْتَغْفِرْلَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَمَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوابِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)}(التوبة) .
وأمره سبحانه وتعالى أن يتلطف في الدعوة إلى الله سبحانه : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 125 النحل) . فالإنسان عقل وكتلة مشاعر ، يحسن بالداعية أن يراعيها ويدخل إلى أصحابها من الباب المفتوح والطريق السهلة . ـ وحين شعر إخوة يوسف بضعف موقفهم ، حين استُخْرِجَتِ السقايةُ من رحلأخيه وأخذه ـ ظاهرياً ـ رقيقاً بشرع يعقوب ، فالسارق يُستعبد ، جاءوه بطرفمنكسر ، ولطف حزين ، فقالوا يستعطفونه ويتزلفون إليه : {. . . يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78)}(يوسف) . وما عكموا حين رأوا أباهم عمي من شدة حزنه على يوسف من قبل ، وبنيامين منبعد ، إلا أن أعادوا الكرة ودخلوا على يوسف مستعطفين بما وصلت إليه حالأبيهم وبفقرهم { فَلَمَّادَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَاالضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَوَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)} (يوسف) . وحين سقط في أيديهم وانكشفوا أمام أبيهم ، وكانوا قد انكشفوا أمام أخيهم ، فسامحهم ، قالوا لأبيهم معتذرين : {. . . . يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ(97)}(يوسف) . فنسي الأب أو تناسى إساءتهم - والأب عطوف رحيم بأبنائه - سامحهم فوراً فـ {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)}(يوسف) . ـ وهذا سيدنا موسى يقابل الرجل الصالح ، الذي آتاه الله تعالى رحمة منعنده ، وعلّمه من لدنه علماً . فيسأله أن يرافقه ليتعلّم منه ما علمه الله، فيشترط عليه الرجل الصالح أن لا يسأله عن شيء حتى يخبره هو به ، فلماركبا في السفينة وخرقها أنكر عليه موسى فعلته ، إذ كيف يبادي خيرهم بشرٍّ؟ !! ، فذكّره الرجل الصالح بما اشترط فقال موسى معتذراً : { ..لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (73)}(الكهف) ، فالاعتذار تعبير عما في النفس من شعور بالذنب ، والكريم يغفر للكريم . ـ ودخل رجل على الخليفة هارون الرشيد ينصحه ، ويذكره بالآخرة ، فكان فينصحه عنفٌ ، فقال له هارون : لقد أرسل الله تعالى موسى وهارون ـ وهما خيرمنك ـ إلى فرعون ، وهو شرٌّ مني ، فقال لهما : { اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى(44)} (طه) فخجل الرجل من هارون الرشيد وانقلب الواعظ موعوظاً ، والموعوظواعظاً . . فالقول الهين اللين يفعل الكثير ويفتح مغاليق القلوب . ـ وحين عاد موسى إلى قومه بعد أن كلّمه ربـُّه تعالى وجد بعضهم يعبدونالعجل من دون الله ، ولم يستطع هارون أن يثنيهم ، فلم يكن قوياً ذا بأسكموسى فالتفت موسى إلى أخيه غاضباً ممسكاً بلحيته ورأسه و { قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (92) أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (93) قَالَيَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُأَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْقَوْلِي (94)}(طه) فناداه : { يا ابن أم } متلطفاً معتذراً ، فسكت عنه غضب موسى ، ثم حرّق العجل ونسفه نسفاً . ـ وهذه بلقيس زوجة سليمان عليه السلام يأتيها الهدهد برسالة منه يأمرها أنتسلم وتأتيه خاضعة ، فاستشارت أهل الرأي وأصحاب الحلّ والعقد من أهلمملكتها ، فقالوا لها : نحن أقوياء ، وأولو بأس شديد ، ونحن رهن أمرك ،فافعلي ما تشائين ، فما كان منها ـ وهي الذكية الأريبة ـ إلا أن قالت : { قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35)}(النمل)، وما إرسال الهدية إلا نوع من اللطف وحسن التصرف .
ـ وأخيراً نقف على اعتذار أصحاب الجنة الذين بخلوا على الفقراءفدّمرها الله تعالى جزاء وفاقاً فلما علم أصحابها أنهم أخطأوا لجأوا إلىالله سبحانه وتعالى يعتذرون وينيبون { قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)}(القلم) .
وهكذا نجد صدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين يقول : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ) (رواه مسلم) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ) (متفق عليه) . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف ، وما لا يعطي على سواه ) (رواه مسلم)
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 2:29 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
العتاب
الدكتور عثمان قدري مكانسي
عتب عليه وعاتبه : لامه وخاطبه مخاطبة الإدلال ، طالباً حُسْن مراجعته ، ومذكّراً إياه بما كرهه منه . ويقال : يُعاتَب مَنْ تـُرجَى عنده العتبى : مَنْ يرجى عنده الرجوع عنالذنب والإساءة . والعتاب الذي عوتب به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فيالقرآن الكريم يدل دلالة قاطعة ـ من ضمن الدلائل الأخرى ـ على أن هذاالكتاب العظيم من عند الله سبحانه وتعالى ـ { لمن كان له قلب أوألقى السمعوهو شهيد }( من الأية 37 ق )ـ وإلا فكيف يعاتب رسول الله ـ صلى الله عليهوسلم ـ إذا كان القرآن ـ كما يدّعي السفهاء ـ من عند رسول الله ؟! .
والعتاب أسلوب من أساليب التربية فيه :
1ـ إظهار عدم الرضا من تصرف ، كان غيره أولى أن يُتصرَّف به . 2ـ فيه مسحة كبيرة من حب واحترام صادرةٌ ممن عاتب . 3ـ فيه استمرار للعلاقة بين مَنْ عاتب ومن عوتب . 4ـ فيه رغبة في تصحيح الخطأ دون جرح مشاعر المعاتَب .
وسأقدّم إن شاء الله صوراً من عتاب الله تعالى نبيّه الكريم ـ صلىالله عليه وسلم ـ ثم صوراً من عتاب الله سبحانه المؤمنين الصالحين :
1ـ فقد قال الله سبحانه وتعالى معاتباً نبيّه الكريم متلطفاً في عتابه : { عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ (43) لَايَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِأَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌبِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَايَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ(45)}(التوبة) . ففي غزوة تبوك استثقل المنافقون الخروج معرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لبعد الشُقّة ، فقال أناس منهم :استأذنوا رسول الله فإن أذن لكم فاقعدوا ، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا . .فقد كانوا مصرّين على القعود عن الغزو ، وإن لم يؤذن لهم . . . وقدّم اللهتعالى العفو على العتاب إكراماً لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قائلاً: عفا الله عنك ، ثم قال : هلا تركتهم حتى يظهر لك الصادقُ منهم في عذرهمن الكاذب المنافق ، ولم أذنت لهؤلاء المنافقين في التخلف عن الخروجلمجرّد الاعتذار ؟ . ثم أكد الله سبحانه وتعالى أن الذي يستأذن كراهية الجهاد في سبيل الله ليسمؤمناً بالله واليوم الآخر ، فالمؤمن يجود بالنفس والنفيس في سبيل الله ،مخلص في إيمانه مُتقٍ للرحمن . ـ ويقول الله سبحانه وتعالى في قصة أسرى بدر حين اختلفت آراء المسلمين فيمصيرهم ، فقال بعضهم نقتلهم ، وكان منهم الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ حتىيعلم المشركون أنْ لا هوادة مع الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ، وقالبعض المسلمين ـ ومنهم الصديق رضي الله عنه ـ بل نـُبقي عليهم فيفتدونأنفسهم ، ولعلّ الله يهديهم إلى الدين القويم ، ويخرج من أصلابهم من يجاهدفي سبيل الله . وكان الرسول الكريم الرحيم بالناس مع الفريق الثاني ، ثم نزلت الآيات تعاتب الرسول صلى الله عليه وسلم لإبقائه على الأسرى : { مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِتُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُعَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(68) }(الأنفال) ، فلا ينبغي للنبي أن يأخذ الفداء من الأسرى إلا بعد أنيكثر القتل في المشركين ، ويبالغ فيهم ، فالفداء حطام الدنيا الزائل ،والله يريد لنا العز الباقي ، ثواب الآخرة . ولولا أن الله تعالى كتب علىنفسه أن لا يأخذ المجتهد في خطئه لمسَّ المسلمين عذابٌ أليم . وروي أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( لو نزل العذاب لما نجا منه غير عمر ) . ويقول الله تعالى مؤكداً ما سبق المعنى نفسَه في سورة القتال : { فَإِذالَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَاأَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّافِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا . .}((من الآية 4(محمد/القتال)) .
ـ جاء عبد الله بن أم مكتوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـيطلب منه أن يعلمه مما علمه الله ، ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـمشغول مع جماعة من كبراء قريش يدعوهم إلى الإسلام ، فعبس رسول الله ـ صلىالله عليه وسلم ـ وجهُهُ وأعرض عنه فنزل القرآن الكريم بالعتاب : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8 وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) . . . }(عبس) . وجاء الحديث بلغة الغائب تلطفاً برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنالأعمى ـ ابن أم مكتوم ـ حين جاءه وهو يحاور المشركين كره الرسول مجيئهحتى لا يقطع حديثاً كان يظن أن المشركين ـ من ورائه ـ يمكن أن يؤمنوا . وابن أم مكتوم كان يريد أن يتعلم ، ويتطهر من ذنوبه بما يتلقّاه من موعظةالرسول الكريم . ولعله يريد أن يتعظ بما يسمع فكان الأولى أن يلتفت النبيصلى الله عليه وسلم إليه ويهتم به ، أما الكفار فهؤلاء لا يريدون الإيمانوالتطهر من دنس الكفر والعصيان ، وليس الرسول صلى الله عليه وسلم مطالباًبهدايتهم إنما عليه البلاغ فقط .
2ـ وفي حديث الإفك يعاتب الله سبحانه وتعالى المؤمنين ، حين سمعواهذا الافتراء على الصدّيقة عائشة زوجة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـفلم ينفوا هذه التهمة ـ وكان أولى بهم أن يظنوا الخير فيها ـ وهي المرأةالحصان الطاهرة زوجة نبيهم ، وهلاّ قاسوا الأمر عليهم ؟ فهل يفعل الرجلالمسلم ما ظنوه في أخيهم صفوان بن المعطل ؟! وهل تفعل المرأة المسلمة ماظنوه في أمهم عائشة ؟!! . والله تعالى أمرهم أن لا ينشروا أمثال هذه الافتراءات ، بل عليهم أنيسألوا المفترين الطاعنين عن أربعة شهداء ، يشهدون أنهم رأوا رأي العين ماافترَوه على السيدة عائشة ، وإلا فهم كاذبون ، والله تعالى يشهد على كذبهم، قال تعالى : { لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَاجَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوابِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13)}(النور) .
وأترك للأخ القارىء أن يعود للآيات التي تلي الآيتين السابقتين ،ليرى ذلك العتاب الذي ساقه الله تعالى مرشداً وهادياً المسلمين أن لايتأثروا بالشائعات ، وأن يتحكموا بعاطفتهم وأن يحكّموا عقولهم قبل أنيُصدِروا آراءهم وينغمسوا فيما أراد المنافقون لهم من سوء .
ـ وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عير من الشام بطعام قدم بها ( دحية الكلبي ) وكان أصاب أهلَالمدينة جوعٌ وغلاء سِعْر ـ وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبلوالصياح سروراً بها ـ فلما دخلت العير كذلكَّ انفضَّ أهل المسجد إليها ،وتركوا رسول الله قائماً على المنبر ، لم يبقَ معه سوى اثني عشر رجلاً ،فنزلت الآية تدل على أن ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ، فليطلبواالرزق من الله وليبتغوا مرضاته :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا 1ـ إِذَانُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِاللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْتَعْلَمُونَ (9) 2ـ فَإِذَا قُضِيَتِالصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِوَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) 3ـ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا 4ـ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)}(الجمعة) . فكانت هذه الآيات عتاباً مرشداً ، وتأنيباً خفيفاً مناسباً ، يعلّم المسلمين ملازمة الخير الأبدي والفضل الدائم .
ـ نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهممن اليهود والنصارى. . . لما تطاول عليهم الزمن بدّلوا كتاب الله الذي بينأيديهم ، ونبذوه وراء ظهورهم واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دونالله ، فعند ذلك قست قلوبهم ، فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولاوعيد ، فعاتبهم قائلاً : أما حان للمؤمنين أن ترق قلوبهم وتلين لمواعظالله ، ولما نزل به الكتاب من الآيات الواضحة ؟ . . . { أَلَمْيَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِوَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْقُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)}(الحديد) . فقال المؤمنون الصادقون : (( لقد آنَ لنا يا رب لقد آنَ )) .
والعتاب من المحب للمحبوب يفتح القلوب للخير ، والأفئدة للصواب والعقول للحق ، دون استثارة أو حنق .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 3:24 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
عدم التدخّل فيما لا يعني
الدكتور عثمان قدري مكانسي
ما أبلغ القول : (( رحم الله امرأ عرف حدّه ، فوقف عنده )) . هذا دعاء لإنسان حفظ نفسه ، وُجودَه وغيبته ، وامتنع عن الخوض في أمر لايخصه ، فاستراح من تجريح الناس وانتقاداتهم ، سلبيّة كانت أم إيجابيّة ،ولم يترك لهم مجالاً ينفذون منه إليه . وقد قيل قديماً : ( من تدخّل فيما لا يعنيه وجد ما لا يرضيه ) . ولكننا هنا ـ أيضاً ـ نلفت النظر إلى آداب إسلامية ، وقيم إيمانيّة هي :
1ـ أن يفكر الإنسان فيما حوله ، ويتدبّر ما يراه دون أن يقحم نفسه في أمور لم تطلب منه ، ولا تعود بالنفع على مجتمعه . 2ـ أن ينأى بنفسه عن المواقف المحرجة ، فإن كان لا بد فاعلاً كأنْ يناط بهمهمّة ما ، فليتدخل بمقدار ما تسمح له الحاجة ، على أن يتسلح بالأسباب ،ويقدّم الأعذار التي توضح موقفه . 3ـ أن يوطن نفسه على ردود فعل قد تناله بما لا يسرّه ، فيتحمَّلُها بصبرويستوعبها بحكمة ، ويمتصها بوعي ، ثم يوجهها الوجهة المناسبة ، أو يتغاضىعنها كأْنْ لم تكنْ ، فهو إذ ذاك يمتلك الموقف مبرئاً نفسه أو موضحاًموقفه . وباب هذا الأسلوب القرآني التعليمي قوله تعالى : { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) . وقوله سبحانه : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَلَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُتُبْدَ لَكُمْ }(من الآية 101 المائدة) فكل شيء يأتي في الوقت المناسب للأمر المناسب . ولا ينبغي أن نفرض رأينا فيما لا نعرفه فهؤلاء المشركون استنكروا أن يكونسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً واقترحوا أحد هذين الرجلين ((الوليد بن المغيرة )) في مكة ، أو (( عروة بن مسعود الثقفي )) في الطائفرسولاً إليهم من ربهم فهما من كبار عظماء مكة والطائف ، ومحمد ـ صلى اللهعليه وسلم ـ فقير يتيم ، ظناً منهم أن العظيم ذو الجاه والمال ، وفاتهم أنالعظيم عند الله له مقاييس العظمة التي تؤهله لرضى الله سبحانه وتعالى منسموٍّ الروح ، وعظمة النفس ، وامتلاك نواصي الخير ، وليس لأحد أن يقترحالرجل الذي يريده ،قال تعالى : { وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْيَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍدَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَخَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (32)}(الزخرف) . وليس لأحد حتى الرسول عليه الصلاة والسلام أن يزيد فيما كلّف به أو يتقوّل ما لم يؤمر به { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)(الحاقة) . ولم يدّع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه يفعل ما يشاء ، أو يعلم الغيب فله حدود لا يتخطاها { قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ }(من الآية 50 الأنعام) ، { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ (69) إِنْ يُوحَى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (70)}(ص) . ولما كذّبوا بما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَوعدهم العذابَ ،فتحدَّوْه قائلين قل لربك يرسل علينا عذابه ، فكان جواب القرآن الكريم : {قُلْإِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَاتَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّوَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (58)}(الأنعام) . فليس لرسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ أن يحاسبهم ، أو يستعجل لهم العذاب، أو ينأى عنهم ويهجرهم ، فهو مرسل يفعل ما يؤمر ، وينفذ أوامر ربه ، قالتعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ . . }(من الآية 128 آل عمران) ، وقال سبحانه : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّاالْبَلَاغُ }(من الآية 48 الشورى) ، وقال سبحانه منبهاً رسوله أنه منذر ومبلغ فقط : { قُلْمَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَابِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّانَذِيرٌ مُبِينٌ (9)}(الأحقاف) . وما دور الرسول ـ صلى اللهعليه وسلم ـ إلا الإنذار فهو مرسل فقط لا يستطيع أن يفرض على الناسالإيمان ، فهو هبة من الله سبحانه وتعالى للناس ، قال تعالى : { فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)}(الغاشية) ، وقال سبحانه : { قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22)}(الجن) ، وقال سبحانه : { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ }(من الآية 6 الشورى) ، وقال تعالى: (( إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}(فاطر) . وحين رأى المشركون أن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذين آمنوابه ، من ضعفاء مكة وعبيدها قالوا له : اطردهم من مجلسك لنأتيك ، فنحن لانجلس مع هؤلاء !! فما كان من القرآن الكريم إلا أن أعلن عكس ما يريدونفقال سبحانه : { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ أ ـ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ب ـ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ جـ ـ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52)} (الأنعام) . بل إنه سبحانه عظّم هؤلاء المؤمنين وأمر رسوله الكريم أن يتباسط لهم ، ويكرمهم فقال : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ . . .}(من الآية 54 الأنعام) . وأمر الله رسوله ـ وهو قدوتنا وعلينا أن نفعل مثلما يفعل لنكون قريبين منهـ أن لا ينظر إلى متاع الدنيا وان لا يتمنّاه فهو فتنة فقال : (( وَلَاتَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْزَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَخَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}(طه) . وهؤلاء الناس تجادلوا في عددأهل الكهف ، وما يُجدي معرفة عددهم ؟ وهل ترفع هذه المعرفة صاحبها ؟ لا .. . ما هو إلا مراء لا غنىّ فيه (( سَيَقُولُونَثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْكَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْكَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّاقَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِفِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}(الكهف) . ولعلَّ من الإعظاملرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، أن ننوّه إلى أنه عليه الصلاةوالسلام كان حريصاً على إيمان الجميع ، خوفاً عليهم من نار جهنّم وراغباًأن يكونوا من أهل الجنّة فهو رؤوف بالمسلمين ، رحيم بهم { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)}(التوبة) . فتراه يهتم إن رآهم معرضين ، حزيناً كاسف البال ، فينبه الله سبحانه بلطفإلى أنه لن يؤمن إلا القليل ، فلا يهلك نفسه حزناً عليهم ، ولا يتحسرعليهم { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}(الكهف) ، { فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ }(من الآية 8 فاطر) .
وأعظِم بهذا الرسول الحبيب ، اللهم شفـّعه فينا واحشرنا تحت لوائه اللهم آمين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 3:32 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الكتمان والسرية
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يقولون : إذا ذاع السر بين اثنين فقد فشا . ويقولون : إذا لم تستطع حفظ سرك في صدرك ، فلا تلومنَّ على بثّه أحداً . والرسول عليه الصلاة والسلام يقول : (( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان )) . ولحفظ السر فوائد عديدة منها :
1ـ أن عدوّك لا يعرف ما نويته أو خططت له ، فهو منك دائماً على حذر . 2ـ أن أمرك يظل في يديك ما دمت تحفظ سرك فإن ذاع انكشفت . 3ـ أن أصدقاءك يأتمنونك على أسرارهم فأنت ثقة عندهم .
وفي القرآن الكريم عدة مواضع فها أمر بالكتمان ليظل الموقف سليماً مستوراً . فقد رأى يوسف في المنام رؤيا قصها على أبيه يعقوب . . فما هي ؟ { إِذْقَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَكَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ(4)}(يوسف) ، فعلم الأب أن يوسف سيكون نبياً ، يبلّغه الله مبلغ الحكمة ،ويجعله ممن اصطفاهم ، ويعلمه تفسير الأحلام ، وأن إخوته حين يعلمون أنهسيكون نبياً من دونهم سيحتالون لإهلاكه حسداً وغيرةً منه فـ { قَالَيَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَكَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) }(يوسف). وقد دعته امرأة العزيز وراودته عن نفسه فأبى ، فحاولت أن تكيد له فادّعتأنه هو الذي راودها ، فبرّأه من كيدها إن كان قميصه قُدَّ من دبر ، وأنّواحداً من أهلها شهد ببراءته ، وأن النساء قطَّعْنَ أيديهن دهشة لجماله ،وما عُدْنَ يصبرن عن لقائه ، فقال العزيز : نسجنه كتماناً للقصّة أن تشيعفي العامة { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35) }(يوسف) . وتمر الأيام وتنقضي السنون ، ويصير يوسف عليه السلام الوزير المؤتمن علىخزائن الأرض ، ويأتيه الناس من أصقاع الأرض للميرة ، ومن بينهم إخوتهأولادُ أبيه الذين أرادوا إهلاكه ، فأكرمهم ، لكنّه أخبرهم أنه لن يميرهمفي المرة القادمة إلا ومعهم أخوهم بنيامين ، وهو أخوه الشقيق ، واستعجالاًلعودتهم جعل ثمن البضاعة داخلها ، وكأنّه نسيها معهم فاضطروا للعودة ومعهمبنيامين بعد أن أخذ منهم أبوهم العهد أن يحافظوا عليه فلا يغدروا به . . {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِأَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْلَسَارِقُونَ (70)}(يوسف) فاستكتمه ، ذلك أنه أراد أن يعلّم إخوته أنهمأخطأوا في حقه . وقد أحسن يوسف إذ وصّى أخاه أن يكتم سرّهما ، فما علموا أن أخاهم سرق حتى افتروا على يوسف قائلين : { إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ.. }(يوسف من الآية 77) فهل أظهر يوسف لهم حقيقته يوبخهم ويعريهم بكذبهم هذا ؟ لا فما تزال القصة في أولها { ...فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ }( يوسف من الآية 77 ) وهذا يدل على فكر سديد وحكمة بالغة وصبر على المكاره .
ـ وهؤلاء أصحاب الكهف الذين فروا بدينهم إلى الله ينامون فيه ثلاثمئة وتسع سنوات ، وحين يأذن الله بيقظتهم يشعرون بالجوع ويقولون بعضهملبعض : { فَابْعَثُواأَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَاأَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَايُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)}(الكهف) . إذاً فللسرية والكتمان : 1ـ يرسلون واحداً فقط لشراء الطعام . 2ـ ويتلطف في دخول المدينة . 3ـ ويتصرف بهدوء وحكمة حتى لا يتعرف عليه أحد . وهكذا نجدهم حذرين ، راغبين أن لا يعرفهم أحد فيوصِل خبَرَهم إلى الملك الكافر المتجبر . ـ وحين وُلِد موسى خافت عليه أمه أن يقتله فرعون فأوحى الله تعالى إليهماأن ترضعه وتلقيه في اليم ، وهو سبحانه المتكفل بإرجاعه إليها . . فلما وقعبيد فرعون كاد يقتله لولا أن زوجة فرعون أحبته ، ورجته أن يكون قرّة عينلها ، وسمعت أم موسى بوصول الوليد إلى قصر فرعون ، فجزعت خوفاً وشفقة علىابنها وكادت تبوح بأنها أمه ، لكن الله تعالى ثبَّتها وألهمها الصبر ،وهذا نوع من أنواع الكتمان وحفظ السر{ وَأَصْبَحَفُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْرَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)}(القصص) . وتتبعه أخته على الشاطىء الآخر ، تقص أثره مستخفيةً ، فرأته اتجه إلى قصرفرعون ، وعُرِضَتْ على موسى المراضع فأباهن ، فلما خرج الخدم يبحثون عنمرضع له خارج القصر دلّتهم أخته على أمه ، فجاءت ، فلما وجد ريح أمه أقبلعلى ثديها فقال فرعون : مَن أنتِ فقد أبى كل ثديٍ إلا ثديك ؟ فكتمت سرّهاوقالت : إني امرأة طيّبة الريح ، طيّبة اللبن ، لا أكاد أوتى بصبي إلاقبلني . فدفعه إليها ، فرجعت إلى بيتها ومعها ابنها { وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11)}(القصص) .
ـ أما المنافقون في المدينة فقد كان كان رسول الله ـ صلى الله عليهوسلم ـ وحده يعرفهم بأعيانهم ، أمة بقية الصحابة والمسلمين فكانوا يشعرونبهم غير متأكدين منهم ، يشعرون بهم من تصرفاتهم المريبة ونشرهم للأراجيف ،والأكاذيب لبلبلة الأفكار ، وخلخلة الصفوف ، ونشر أخبار السوء ، وينضم إلىهؤلاء المنافقين ضعافُ الإيمان ، أصحابُ الفجور . فهل يترك هؤلاء يعيثون فساداً في مدينة الرسول الكريم ـ صلى الله عليهوسلم ـ ؟ لا . . فقد هددّهم الله بكشف خباياهم وفضحهم على الملأ ثمإخراجهم من المدينة ، وقتالهم لأنهم يظهرون الإيمان ، ويبطنون الكفر . . .لم يفضحهم الله عزَّ وجلَّ بل كتم حالتهم عساهم يؤمنون . . . والله بعبادهرحيم { لَئِنْلَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌوَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَايُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60)}(الأحزاب) .
والكتمان يدل على الإرادة الحازمة لصاحبه ، والقدرة على تحمل المسؤولية ، ومن ثمَّ التصرف السليم في الأحوال العادية والعصيبة .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 3:42 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
المعاملة بالمثل
الدكتور عثمان قدري مكانسي
لن تكون ظالماً إذا عاملت المسيء بمثل ما عاملك به من سوء ، بل تكون عادلاً،قال تعالى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ }(من الآية 194 البقرة) . فإذا ما كلت له الصاع صاعين دونما حاجة إلى ذلك كنت ظالماً ، أما إذا نويتأن تردعه عن غيّه وفساده ، وزجَره عن إساءته فلا بأس في ذلك . أما إذا أحسن إليك أحدهم فرددت عليه إحسانه دونما زيادة كنت عادلاً كذلك ،فإن زدته في الخير وأكرمتَه كنت محسناً . . والإسلام يحثنا على ذلك : قالتعالى: { وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا }(من الآية 86 النساء) ، وقال سبحانه: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } (من الآية 26 يونس) . والقرآن الكريم مليء بكثير من هذه الآيات التي تدعو الإنسان أن يتفكرويتدبّر ، فلا يقدم على الإساءة إلى نفسه والآخرين كيلا يرى جزاءً وفاقاًلما قدَّمت يداه ، وليقدم على الإيمان وفعل الخير والإحسان لينال الفضلوالرضوان . قال تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا }(من الآية 20 المزمل) . وقال سبحانه : { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38)}(المدثر) ، فإن كسبت خيراً لقيت خيراً وإن كسبت شراً لقيت شراً ، وقال سبحانه : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19)}(الأحقاف) .
وتأمل هاتين الآيتين الكريمتين ، تصف الأولى المنافقين والمنافقاتونسيانهم الحقَّ ، وتصف الثانية المؤمنين والمؤمنات وعملهم الذي يثابونعليه : 1ـ { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ جـ ـ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ د ـ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ هـ ـ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67)}(التوبة) . إذاً نسي المنافقون الله فنسيهم . . . ووعدهم النار ولعنهم فهم مقيمون فيها خالدين . 2ـ { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أ ـ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ب ـ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ جـ ـ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ د ـ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ هـ ـ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَاللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَاالْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِعَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُالْعَظِيمُ (72)}(التوبة) .
إذاً فالمؤمنين أولياء لله سبحانه يطيعونه وهو سبحانه سيرحمهم . . .ووعدهم الجنات الرائعة والمساكن الطيبة بالإضافة إلى ما هو أكبر من ذلك .. رضوان الله سبحانه . وهل هناك أعظم من هذا الفوز ؟ لا والله ، فلكلٍجزاؤه حسب عمله . . .
وهاتان الآيتان صريحتان في مبدأ المعاملة بالمثل . قال تعالى : { وَمَنْيَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌفَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا (124)}(النساء) فلماذا ؟ . . لأن الله تعالى العادل الذي لا يظلم أحداً قرّر ، وأمره نافذ : أ ـ { أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) ب ـ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) جـ ـ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) د ـ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41)}(النجم) . وإليك الأمثلة تترى : قال تعالى : { مَنْيَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْشَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا (85)}(النساء) . وقال سبحانه : { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}(الأنعام) .
إنَّ الذين يمكرون بالمؤمنين ، ويكذبون دين الله ورسله يهددهم اللهسبحانه أن يكون عقابهم شديداً ، بل قد يكون متنوعاً على قدر سوء أعمالهمسواءً بسواء . قال تعالى : { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أ ـ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ب ـ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) جـ ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) د ـ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47)}(النحل) . وهذا ذو القرنين حين خيّره الله سبحانه وتعالى تعذيب من قاتله أو الإحسان إليهم سار على القاعدة نفسها ، قال تعالى: { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}(الكهف) . فهناك إذاً إكرامان : في الدنيا القول الحسن وما يناسب ، وفي الآخرة الجنةوالحسنى . وعذابان : في الدنيا عذابٌ بيد المؤمنين ، وفي الآخرة عذاب اللهتعالى .
ـ ماذا حلَّ بمن خالف نبيَّ الله صالحاً عليه السلام ، فكفر به ،وقتل الناقة ، وتآمر على قتل النبي نفسه وأهله . . إنه الجزاء من جنسالعمل : { وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (48) قَالُواتَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّلِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (49) وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (51) فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52) وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (53)} (النمل) . فقد أصر هؤلاء المجرمون على : أ ـ قتل النبي وآله . ب ـ وإنكار فعلتهم الشنيعة . فماذا كان من أمرهم ؟ . . . هم يدبرون والله تعالى يدبّر وينفّذ ويحمي رسوله الكريم صالحاً وأهله المؤمنين . أرسل على ثمود صيحة قويّة دمّرتهم جميعاً ، وما تزال بيوتهم خاوية تشهدعلى ظلمهم أنفسهم ، وعلى قدرة الله فيما يريد . . ولا رادَّ لقضائه .
ويقول سبحانه : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آَمِنُونَ (89) وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (90)}(النمل) .
فصاحب الحسنة : 1ـ يأخذ أفضل مما عمل . 2ـ لا يخاف العذاب يوم الآخرة حين يخاف الناس .
وصاحب السيئة : 1ـ يلقى في النار على وجهه خائباً خاسراً . 2ـ يوبّخ على سيئته ويقرّعُ عليها .
وقال تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15)}(الجاثية) . وقال سبحانه : { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}(الشورى) فهو الغفور الرحيم .
ـ وحادثة الإفك مشهورة تولّى كبرَها المنافقُ عبد الله بن أبي بنسلول الأب ، كبيرُ المنافقين ، حين قال كلمته الفاسقة عن زوجة رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ ، تلك الزوجة الطاهرة الصديقة بنت الصديق عائشة بنتأبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ وعن الصحابي الفاضل صفوان بن المعطل ، وكلمَنْ خاض في هذه الحادثة له نصيب مما فعل . . وقد كانت درساً كبيراً تعلمفيه المسلمون أن يعتقدوا الخير في الرسول وآله ، والخيرَ في المسلمين عامةوأن يمحِّصوا كلَّ ما يسمعون قبل إذاعته . . قال تعالى : { إِنَّالَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّالَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَمِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌعَظِيمٌ (11)}(النور) . أما اليهود أخزاهم الله تعالى فقدأكرمهم الله عزّ وجل ، فأرسل إليهم سيدنا موسى عليه السلام وأخرجهم منالذل الذي كانوا فيه عند الفراعنة في مصر ، وهيألهم دخول القدس ، وبذل لهممن نعمائه الشيء الكثير فما كانوا ليؤمنوا ، فعاقبهم بما يستحقون .
وعودة إلى سورة الأعراف الآيات [ 160 ـ 165 ] تجد هذه النعم الكريمةالوافرة التي وهبهم الله تعالى إياها ، فما رعوها حقَّ رعايتها فعاقبهمبما يستحقون ، قال عز وجل: { وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }(من الآية 160 الأعراف) . { فَبَدَّلَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْفَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوايَظْلِمُونَ (162)}(الأعراف) . { . . . . كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ } (الأعراف) ، { فَلَمَّانَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِالسُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوايَفْسُقُونَ (165)} (الأعراف) .
وأخيراً يأمرنا الله تعالى إذا عاقبنا أن يكون العقاب مساوياًللجريمة ، وينبهنا إلى أن العفو خير وأجدى ، ولأنّ الله سبحانه يجزيالصابرين الأجر الجزيل ، ويعوض العافين الخير الوفير . أ ـ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ب ـ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) جـ ـ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ د ـ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) هـ ـ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)}(النحل) . فالعفو عند المقدرة شيء رائع فهو :
1ـ استعلاء على تفاهات الحياة . 2ـ تعظيم للمسلم في أعين الناس . 3ـ تشجيع للآخرين أن يكونوا مثله ويتبعوه . ولكنْ لا تثريب عليك أن تعامل الآخرين بالمثل .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 3:48 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الترغيب والترهيب
الدكتور عثمان قدري مكانسي القرآن الكريم كتاب ربنا سبحانه وتعالىإلينا ، يهدينا بما فيه من حقٍ ووضوح إلى صراط الله المستقيم ، ويفتح لنابفضله وكرمه آفاق الحياة على نهج مضيء ، وسبيل واضح . في الإنسان بذرة خير إن تعهدها بالعناية والرعاية زكت ونمت ، فأضفت على صاحبها من حوله الأمن والأمان والسعادة والهناء . وفيه بذرة شر إن أهملها ، ولم يلق إليها بالاً ، زاحمت بذرة الخيرودافعتها ، فإذا ساعدتها نوازع فاسدة ، كامنة في حنايا الإنسان اشتدتواستفحلت ، وبدا خطرها على صاحبها ومَنْ حوله ، فدبت الفوضى وضربت أطنابهافي المجتمع . ومن طبْع الإنسان أن يعمل الخير ، لأن الله تعالى فطره على الهدى والصلاح ، ودله على طريقه . ومن طبعه أن يقع في الخطأ والتفلت والتهاون ، لأن الله تعالى خلقه من عجل ، وخلقه ضعيفاً يصيب الذنوب والآثام . لذلك كانت الجنة للتائبين العائدين إلى ربهم ، والنارُ للعاصين المتنكبين سبيل الهدى والرشاد. ونرى القرآن العظيم يستعمل أسلوب الترغيب والترهيب بمقدار ما يقوّم سلوكالإنسان ، فيمضي به إلى ما يرضي الله تعالى ، حتى إذا لقيه أجزل له الثواب، ونجّاه من العقاب . وليس في القرآن ـ على الأغلب الأعم ـ آية ترغيب إلا تبعها ما فيه ترهيب ، وما من آية فيها ترهيب إلا تبعها ما فيه ترغيب . فالترغيب والترهيب متلازمان ، والحكمة في ذلك : 1ـ التذكير الدائم بالثواب والعقاب ليظل الإنسان حريصاً على نيل المثوبة والبعد عن العقوبة . 2ـ أن مَنْ لا يؤثر فيه الترغيب وثوابُه ، يؤثر فيه الترهيب وعقابُه . وإني لأعجب ممن يدعون الباع الطويل في التربية ، والخبرة المديدة فيمضمارها أنهم يرفضون الترهيب أسلوباً للتربية ، ويكتفون بالترغيب زاعمينأن الخوف من العقاب يجعل صاحبه يلتزم ما يؤمر به ، وينتهي عما نهى عنهبالإكراه ، فإذا زال سبب الخوف تصلّف وعاد سيرته الأولى ، فهم ـ لذلك ـيدأبون على نوع واحد من التربية هو الترغيب ، ويقولون إن الترهيب يخلقجيلاً جباناً معقداً . . . والردّ عليهم بسيط لأنه جواب الفطرة : أولاً : إن الله تعالى أعلم بالإنسان وما يقوّمه ، فهو الذي خلقه فقدّره ،يعلم ما يصلحه ، والقرآن الكريم الذي أنزله مَنْ يعلم السرَّ وأخفى مليءبالترغيب والترهيب . ثانياً : التربية غير محددة بزمان ولا مكان حتى نقول : إذا زال الخوفتفلّت وعاد سيرته الأولى ، فهما مستمرّان إلى آخر يوم من حياة الإنسان . كما أن الترغيب والترهيب لا ينبغي أن يكونا طارئين على حياة الإنسان ،إنما يجب أن يكونا من مكوّنات نفسه يصحبانه في حياته ، ويكونان دافعاًذاتياً إلى الخير ، وكابحاً ضمنيّاً عن الشرّ . ثالثاً : إن الواقع ليكذَّب ادعاءاتهم ، فالحوافز ذات تأثير كبير في بذل الجهد للوصول إلى الهدف . لكنَّ الخوف من الوقوع في المحظور أكبر تأثيراً ، فقد تجد أناساً يبذلونالجهد ، ويسعَوْن بخطا حثيثة للوصول إلى الأحسن ، لكنك ترى عامّة الناسيبذلون الجهد ويثابرون على أمرٍ ما خوفَ الانتكاسة والعودة إلى الوراء ،والسقوطِ فيما يحذرونه ويتجنّبونه . فالترهيب كالترغيب تأثيراً ، والقرآن الكريم يتناولهما بمقدار يناسبالمطلوب ، لأنهما كجرعة الدواء ، ينفع إذا استعمل بحكمةٍ ، ويضرُ إن زادعن الحد . ـ فمن الأمثلة عليهما ، قوله تعالى مخاطباً الكفار الزاعمين أن القرآن مفترى : { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا أ ـ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ب ـ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) جـ ـ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24) }(البقرة) . فهم لا يستطيعون إيجاد سورة واحدة تشابه صور القرآن الكريم ، ولو استعانوابكل المخلوقات إنسهم وجنّهم . ولما كانوا ـ هكذا ـ عاجزين فليعلموا أنالقرآن منزل من رب العالمين ، أما جزاء الكافرين فنار الله التي تأكلالحجارة لقوتها وشدتها ، فضلاً عن المجرمين الكافرين ، الذين عصوا اللهورسوله . ونعوذ بالله من عصيانه ، نشهد أنه الملك الجبار ، الواحد الأحد ،الفرد الصمد . . . إنها كلمات تهزّ أرباب النهى وأصحاب العقول . فإذا ما أحسَّ الإنسان تلك الرعدة في قلبه جسمه ، وعلم أنه عاجز ضعيف التجأ إلى القوي العزيز فسمعه يقول : { وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أ ـ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ب ـ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ جـ ـ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا د ـ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ هـ ـ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25)}(البقرة) . فالآية : فيها بشرى للمؤمنين الذين يعملون الصالحات . وهذه البشرى جنات ، وليست جنَّة واحدة ، فيها الماء الكثيرُ الزلالُ ،ثمارها تشبه في الصورة ثمار الدنيا ، ولكنَّ طعمها ولذّتها لا يعدِلُهماشيء . لهم في هذه الجنات نساء طاهرات زاكيات ، لسن كنساء الدنيا المرهقاتبمطالبهن ، الكثيرات في إيذائهن حاشا الصالحات منهنّ. وليس في الجنة موت ، بل نعيم خالدٌ ، وحياة رغيدة تدوم أبد الآبدين ،وتزداد خيراً وفضلاً . . نسأل الله أن يجعلنا من أهلها . فحين تعتري الإنسان هزة الخوف ، ويرتعد من عذاب الله إن كفر وضلَّ يجد السكينة والأمان في الإيمان بالله ، والعمل على مرضاته . ترغيب وترهيب يصوغان فكر الإنسان ، ويدفعانه للصواب والرشاد . ـ وتأمل معي التمازج الرائع بين الترغيب والترهيب في هذه الآيات الكريمة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}(آل عمران) . فالجملة الأولى تحذير ، الثانية ترغيب والثالثة تحذير والرابعة ترغيب.تتابع الجمل محذرة ومرغّبة ، فتندمج الرغبة والرهبة في نفس المتلقيلتكوّن في ذبذباتها الصاعدة الهابطة انفعالاً في النفس المؤمنة ، فيتولدالحذر من سوء العاقبة ، والأمل في مآل طيّب حميد . ـ وقارن معي هاتين الآيتين في الوعد والجزاء : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10)} (المائدة) . أ ـ فالذين آمنوا يقابلهم الذين كفروا . ب ـ والذين عملوا الصالحات يقابلهم الذين كذّبوا بآياتنا . جـ ـ والذين نالوا المغفرة والأجر العظيم يقابلهم أصحاب الجحيم . فاختر لنفسك ما يناسبك أيها الإنسان . ـ وانظر معي إلى هذا البيان الإلهي الدويّ : { اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)} (المائدة) .
هل جاءكم هذا البيـان ؟ * وهل سمـعتُم الأذانْ ؟ إمــا عـــقــاب مـا حـقٌ * مـا بـيـن نـار ودخـانْ أو رحمة لمـَن أطـاع * الله في روض الجنـان * ـ ومن الأمثلة في الترغيب والترهيب قوله تعالى : { قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ أ ـ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ب ـ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا جـ ـ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104)}(الأنعام) . والبصيرة هنا القلبُ المستنير والعقلُ المدرك تأتيه الآيات البينات من ربهفَمَنْ آمن بها وعمل بتعاليمها أفاد نفسه ونجا ، ومن ضلَّ عنها وأنكرهاخاب وخسر . . . وما على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا البلاغ . ـ ونجد في المعنى نفسه قول الله تعالى : { وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ أ ـ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ( 8 ) ب ـ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)} (الأعراف) . وهل أشد خسارة من أن يخسر الإنسان نفسه في جهنّم خالداً فيها . . ؟ !!.
ـ وتعال معي أيها الإنسان ـ إن كنت لبيباً ـ إلى هذه الصورة ذات الشقين المختلفين : الصورة الأولى : { وَنَزَعْنَامَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُوَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّالِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُرَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَابِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (43)} (الأعراف) . هذه صورة النعيم للمؤمنين الذين أطاعوا الله ورسوله ، فما صورة الكافرين ؟! . الصورة الثانية : { وَنَادَىأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَاوَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّاقَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِعَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ كَافِرُونَ (45)} (الأعراف) . فمن صد عن سبيل الله لعنه الله ، ومن لعنه الله كان من الخاسرين . . .
ـ ومن الأمثلة الشديدة الوضوح قوله تعالى : أ ـ { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ب ـ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ جـ ـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)
أ ـ وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا ب ـ وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا جـ ـ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)} (يونس) . فمن أي الفريقين أنت أيها القارىء الذكي ؟ !! .
ـ والأشقياء مأواهم النار لهم من شدة كربهم زفيرٌ لا يخرج من نفوسهمإلا بشدة ، وقال بعض المفسرين : إن صراخ الكافرين في جهنم وأصواتهم صوتالحمير أوّله زفير وآخره شهيق ـ والعياذ بالله ـ قال تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) } (هود) . والسعداء ـ جعلنا الله منهم ـ خالدون في جنة يأخذون ما آتاهم ربهم من فضلوعطاء يتزايدان . . وعطاء الله لأوليائه يستمر أبد الآبدين . { وَأَمَّاالَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِالسَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَمَجْذُوذٍ (108)} (هود) . ـ وفي سورة الرعد مقدَّمةُترهيب وترغيب ثم ذكرُ أسباب دخول الجنّة ، ثم بيانٌ لعذاب أهل النار ممايجعل أهل الألباب يسارعون إلى مرضاة الله . . ولكنْ إذا ضيّع الناس عقولهمما يصنعون ؟ إنهم يقتدون بكل شيء دون فائدة . { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًاوَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِوَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) أ ـ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) ب ـ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ جـ ـ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ د ـ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) هـ ـ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ و ـ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ ز ـ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ح ـ وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُعَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْوَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّبَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24) }(الرعد) .
أ ـ { وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ ب ـ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ جـ ـ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}(الرعد) .
فلينظر أحدنا أيُّ الصفات تنطبق عليه ؟ وليعملْ لما ينجيه من عذاب الله .
ـ ونسمع هنا صوت المولى عزَّ وجلَّ ـ نسمعه بأسماع القلوب الحساسةوالأفئدة الصافية ـ يطلب إلى رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يخبرعباده بقدرته على العفو والمغفرة ـ لمن آمن واتقى ـ والعذاب والويل لمنكفر وطغى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50)}(الحجر) . جملتان قصيرتان في اللفظ مليئتان في المعنى . .
يــا ربّ فـاغـفــر ذنـبـنـا * أنــت الـكـريـــم الـغـافــر وارحــم إلــهـي ضـعـفنا * أنــت الـرحــيـــم الســاتر واهـد القـلـوب الحائرات * فـــأنـــت هـــــادٍ قـــــادر واكتـب لنا الجنات فضلاً * إن فــــضـــلــــك وافــــر واغـفـر بـحق المصطفى * ذنــبي فضعفي ظاهر* ـ يا أيها الإنسان إن كنت تريد الدنيا فقط فربما أعطيناك وربما منعناك ،وكنت من أهل النار تصلاها خاسئاً خائباً ، وإن كنت إنما تريد الآخرةوتعملُ لها بقلب مؤمن شكرنا لك همتك ، وأوصلناك إلى ما تريد ، قال تعالى: { مَنْكَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْنُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا(18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)} (الإسراء).
ـ وهذه صورة أخرى توضح خاتمة كلٍّ من الفريقين . ( فاختر لنفسك يا إنسان ما نفعا ) . { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)} (الكهف) .
ـ وافتح أيها الأخ الكريم شاشة العرض ، علك ترى فترعوي ، فليس راءٍكمن سمعا ، وتدبّر فأنت في دار الاختيار ، فاختر ما ينفعك في آخرتك ،وتعرّف على أحوال الكافرين ، وخذ العبرة منهم ، والتصق بالمؤمنين الأتقياءعسى الله أن يُلحِقَك بركبهم فتكون من المقبولين : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108)} (الكهف) . ـ وعاين أيها الأخ الحبيب مآل من كذّب باليوم الآخر ـ والعياذ بالله . أ ـ { بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ب ـ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) جـ ـ إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) د ـ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) هـ ـ لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14) }(الفرقان) فهم حين أنكروا يوم البعث والنشور لم يعملوا له ، وأهملوه فكانت النتيجة : أ ـ أن جهنّم صارت لهم مآلاً . ب ـ يسمعون غضبها وغليانها من بعد بعيد وهي تراهم وتتشوق إليهم وتنتظر الأمر بالتقاطهم . جـ ـ يدخلونها مصفدين ، أيديهم إلى أعناقهم . د ـ يلقون فيها في مكان ضيّق يخنقهم . هـ ـ يدعون على أنفسهم بالموت والهلاك دون فائدة . و ـ يسخر منهم الزبانية قائلين : ادعوا على أنفسكم كثيراً . { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)} (الفرقان) . فالمؤمنون نجوا من مصير الكفار المرعب ، وربحوا الجنّة وفيها ما لا عينرأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فكانوا أهلها ينالون كل مايتمنّون ، فالله تعالى وعد المؤمنين بها ، وكان حقاً عليه ما وعدهم إياهسبحانه وتعالى . اللهم اجعلنا من أهل خاصتك في الجنّة يا رب العالمين . ـ وفي سورة السجدة وصف للمؤمنين يؤهلهم لجنات الله ورضوانه عسانا نكون منهم { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا أ ـ خَرُّوا سُجَّدًا ب ـ وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ جـ ـ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) د ـ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ هـ ـ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا و ـ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) .
وتعال إلى وصف أهل النار أعاذنا الله من مصيرهم { وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ أ ـ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ب ـ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) وَلَوْشِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُمِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}(السجدة) .
ـ ولفتة سريعة إلى صورة رائعة للمؤمنين في الجنة { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}(القيامة) .
ـ ولفتة سريعة أخرى إلى لوحة كئيبة مزرية للكافرين في النار { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)} (القيامة) .
الأولى : صورة الأبرار من أهل السعادة ، وجوهم مشرقة مضيئة من أثرالنعيم ، تنظر إلى جلال ربها ، وتهيم في جماله ، وهذا أعظم نعيم لأهلالجنة ، رؤية المولى جلّ وعلا بلا حجاب . . اللهم اجعلنا منهم ، فأنت ذوالفضل والكرم والعطاء والمنن . الثانية : صورة الكفرة ذوي الوجوه الكالحة العابسة ، وجوه الأشقياء من أهلالجحيم . يتوقعون أن تنزل بهم داهية عظمى ، تكسر فقار ظهورهم . . نسألالمولى النجاة من هذا المصير المرعب . وهكذا تتوالى آيات الترغيب والترهيب موضحةً نهاية كل من المؤمنين الصادقينوالكافرين الضالين . تنذر وتحذر ، وتبشر وترغّب . . أما أهل البصائر ومَنْهداهم الله فإلى رحمة الله ، وأما الآخرون ممن حقت عليهم كلمة العذاب ففيخسران : يــا رب إنـي مؤمـن * أجـوك أن تـغـفـر لـي أحـب أن تـعـفوَ عن * ما قـد بـدا مــن زلـلـي وحبُ طه واتباع الحـق * يـــحـــيـــي أمـــلــــي إنــي إلــيـه أنـتـمــي * فهبني حسن العمل** الهوامش:
* الأبيات للمؤلف ** من كتاب صور من تأذي الرسول في القرآن الكريم ص 87 | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 3:54 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
المديح
الدكتور عثمان قدري مكانسي تقول : مدحتُ فلاناً ، إذاً أثنيتَ عليه بما له من الصفات الحميدة . والمديح :
أ ـ تعبير عن الرضا بما يصدر من أعمال أو أقوال تسرُّوتُحمدُ . ب ـ صفات محمودة للعاقلين الواعين ذوي الهمم العالية . جـ ـ دفع يشجع الممدوح على التزام ما يرفعه في أعين الناس . د ـ يوحي للآخرين أن يكونوا مثل الممدوحين في هذه الصفات .
وقد مدح الله تعالى أنبياءه الكرام ذوي القدر العلي :
أ ـ مدح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم) . (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)}(النجم) . فزكّى لسانه وعقله وجليسه .
ب ـ ومدح إبراهيم عليه السلام : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122)}(النحل) .
جـ ـ ومدح نوحاً عليه السلام : { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)}(الصافات) وكذلك مدح إبراهيم وموسى وهارون وإلياس كمدحه نوحاً [سورة الصافات ، الآيات : ( 109 ـ 111 ) ، ( 120 ـ 122 ) ، ( 123 ـ 124 )] . ـ والقرآن الكريم يسجل للمؤمنين صفات منحتهم رضاه سبحانه وتعالى ، وجعلتهم أهلاً لجنته ورضوانه . والمنزلة الرفيعة ألوان بديعة ومنازل رفيعة ، منها :
ـ الصبر والتوكل على الله: { الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}(النحل) .
ـ التقوى والإحسان : { إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } (النحل) .
ـ التقرب إلى الله تعالى وإخلاص الدعاء له ، ورجاء رحمته ، وخوف عذابه : { أُولَئِكَالَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْأَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ }(من الآية 57 الإسراء) .
ـ العبودية لله تعالى : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }(من الآية 65 الإسراء) .
ـ السجود لله تعالى والبكاء من خشيته والخشوع له : { وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)} (الإسراء) .
ـ الإيمان بالله ، والهداية ، توحيدهم لله : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَاعَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًاشَطَطًا (14) (الكهف) .
ـ عَمَلُ الصالحات : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30)}(الكهف) .
ـ أئمة للهدى ، يفعلون الخيرات يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة : { وَجَعَلْنَاهُمْأَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَالْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ . . .}(من الآية 73 الأنبياء) . ـ الحكمة والعلم : { وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا }(من الآية 74 الأنبياء) .
ـ كلامهم طيب ، أهل الصراط المستقيم : { وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ (24)}(الحج) .
ـ معرضون عن اللغو ، حافظون لفروجهم ، راعون للأمانة والعهد : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) . . . . { وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ( 8 )}(المؤمنون) .
ـ ذاكرون لله دائماً ، مسبحون ، خائفون من عذاب يوم القيامة : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ (36) رِجَالٌلَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِالصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِالْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)}(النور) .
ـ مشيُهم هادىء ليس فيه تكبر ، فيهم حلم وسعة صدر ، يقومون الليل ، يتقونالله ، معتدلون في الإنفاق ، يحفظون حرمات الله تعالى ، ولا يزنون : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67)}(الفرقان) .
ـ يتوبون إلى الله ، لا يشهدون الزور : { وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)} (الفرقان) .
ـ تصديق كلام الله : { وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)} (القصص) .
ـ البراءة من الجاهلين : { . . . وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ }(من الآية 55 القصص) .
ـ الإيمان بيوم البعث : { وَقَالَ الَّذِينَأُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِإِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْلَا تَعْلَمُونَ (56)}(الروم) .
ـ تسبيح الله ، والتواضع ، قيام الليل ، ودفع الصدقات : { إِنَّمَايُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًاوَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16)}(السجدة) .
ـ باعوا أنفسهم لله : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ } (الفتح) .
ـ أشداء على الكفار ، رحماء بينهم : { رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (الفتح) . واقرأ معي هذا النسيج الرائع من الصفات الراقية من المديح : { إِنَّالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِوَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِوَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِوَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِوَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَكَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًاعَظِيمًا (35)} (الأحزاب) .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:00 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الذمُّ
الدكتور عثمان قدري مكانسي ذمَّ الرجلَ : عابه ولامه وأظهر معايبه ومثالبه . والذمُّ : أ ـ تعبير عن السخط وعدم الرضا . ب ـ نوع من الهجاء لمن لا ترتضي منه تصرفاتٍ وأقوالاً مذمومة . جـ ـ إظهار المعايب المنبوذة التي تسقط مروءة فاعلها كي : 1ـ يتجنبه الناس . 2ـ يتجنب الناس الوقوع بمثلها .
والقرآن الكريم يسجل للكافرين والمشركين والمنافقين صفات سببت لهم غضب المولى سبحانه نعوذ بالله أن نفعلها أو نكون من أهلها . منها :
ـ أنهم يزعمون لله سبحانه البنات ، مع أنهم يكرهونهنَّ ويئدوهنَّ وأنهم أهل شهوات : { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىمِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍأَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)}(النحل) .
ـ أنهم أولياء الشيطان : { تَاللَّهِلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُالشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْعَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}(النحل) .
ـ يفترون الكذب ، ولا يؤمنون بآيات الله ، ينشرح صدورهم للكفر ، فضَّلوا الدنيا على الآخرة ، وطُبعَ على قلوبهم ، فهم غافلون : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105) مَنْكَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُمُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًافَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108)}(الحجر) .
ـ ادّعوا لله سبحانه الولدَ : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93)}(مريم) .
ـ طاغُون : { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24)}(طه) . { اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (43)}(طه) { اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17)}(النازعات).
ـ مترددون ، يعبدون الأوثان ، ويجادلون من غير علم ولا هدى ، متكبرون ، ويضلون الناس : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ( 8 ) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9)}(الحج) ، { وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌاطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِخَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}(الحج) .
- يكذّبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظالمون ، يقولون الزور ، يصفون القرآن بالأساطير : { وَقَالَالَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُعَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}(الفرقان) .
- يدعون أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مسحور : { ...وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ( 8 )}(الفرقان) .
- يستهزئون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لا يهتدون كالأنعام ، ولا يؤمنون بالبعث والنشور : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41)}(الفرقان) . { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)}(الفرقان) .
- أعداء الله : { ويعبدون مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُهُمْ وَلَا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (55)} (الفرقان) .
- فاسقون ، يجعلون القرآن سحراً ، والرسولَ ساحراً ، جاحدون ، ظالمون ، ومستكبرون ، مفسدون ، يشكون بالآخرة ، عميان عن الحقيقة : { . . . . إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آَيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)}(النمل) . { بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآَخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ (66)} (النمل) .
ـ يؤذون الله ورسوله ، ويؤذون المسلمين : { إِنَّالَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِيالدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}(الأحزاب) .
ـ يتبعون الشيطان : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}(سبأ) .
ـ يعرضون عن الحق ، بخلاء : { وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (46) وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَكَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُأَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)}(يس) .
ـ يمارون في الساعة ، ويستعجلونها : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا... }(من الآية 18 الشورى) .
ـ أفّاكون آثمون ، يصرون على الكفر والاستكبار ، يصمون آذانهم عن الحق : { وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آَيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ( 8 ) }(الجاثية) .
ـ في قلوبهم مرض ، قاطعون للرحم : { . . . فَإِذَاأُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ(20)}(محمد) ، { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}(محمد) .
ـ لا يتدبرون القرآن : { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}(محمد) .
ـ فيهم حميّة الجاهلية : { إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ }(من الآية 26 الفتح) .
ـ هم خراصون ( شديدو الكذب) ، ساهون : { قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (10) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (11)}(الذريات).
ـ مترفون ، يصرون على الذنب العظيم " الشرك " : { إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46)}(الواقعة) .
ـ والمنافقون لا يعرفون الله ، فهم يخافون المسلمين أكثر من خوفهم من الله ، يؤاخون الكفار : { أَلَمْتَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَكَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّمَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْلَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11)}(الحشر) . { لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13)}(الحشر) .
ـ يمكرون بالمؤمنين : { وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22)}(نوح) .
ـ لا يصلّون ، يدفعون المساكين ، يخوضون في الباطل : { قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)}(المدثر) .
ـ يأكلون حقوق الناس : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)}(المطففين) .
ـ يضحكون من المؤمنين ، ويتغامزون بهم ، ويسعدون لاستخفافهم بالمسلمين ، ويصفونهم بالضلال : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (32)}(المطففين) .
ـ قال تعالى في حقِّ أبي لهب وزوجته : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (5)}(المسد) .
وأخيراً اقرأ معي سورة القلم لترى عديداً من صفات الكفار ، والعياذ بالله : { فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ( 8 ) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (9) وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (13) أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (14) إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آَيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (15)}(القلم) .
نسأل الله تعالى النجاة من النار ، اللهم آمين .
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:08 pm | |
| من أساليب التربية في القرآن الكريم
فضح المواقف
الدكتور عثمان قدري مكانسي
الأعداء نوعان : الأوّل : صريح العداء كاليهود والكفار والنصارى . والثاني : عدو باطني لكنّه أشد إيذاء ، وهم المنافقون . وقد تجد من العدو الصريح قدراً من التزام الحدود لأنّه مكشوف تحذر منه ،لكنه لا يفوّت فرصة تجعله ينال منك ويحاول جهده ـ إن كان ضعيفاً ـ إظهاراللباقة والموضوعية في صراعه معك ، وإن أحسَّ من نفسه القوة لم يرعَ عهداًولا ذمّة . . قال تعالى : { لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}(التوبة) . المنافق:
العدو الباطني ...إنه يظهر لك الودَّ والحبَّ ويختلط بك ، ويشاركك كثيراًمن عبادتك وأفكارك ، ويتعرف على أسرارك ودخائلك ، ويختلق الأعذار فيالتخلي عنك ، ويخذلك في الوقت المناسب ، ويذيع أسرارك ، ويوصلها للآخرين . فهو جراثيم تفتك بجسمك ، والانتصار عليه أو التخلص منه يحتاج إلى أضعاف كثيرة من الجهد الذي تبذله للعدو الظاهر . . والقرآن الكريم علمنا كيف يكون الدفاع الحقيقي عن حياض المجتمع الإسلامي ، إنّه الهجوم . . . فالهجوم أفضل وسيلة للدفاع . ومن سبل الهجوم فضح مواقف الأعداء . وقد يكون كشف عوراتهم قبل أن يقوموا بعمل عدائي وذلك : 1ـ لتحذير المسلمين منهم . 2ـ لإخافة الأعداء حين يعرفون أن تصرفاتهم وأقوالهم مكشوفة . وقد يكون ذلك بعد قيامهم بعمل عدائي قولاً وتصرفاً وذلك : 1ـ لعزلهم عن المجتمع الإسلامي فيمايزهم ويفاصلهم . 2ـ حتى لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين . وقد عرّى القرآن الكريم مواقف " اليهود ، والمنافقين والكفار ، والنصارى " ونذكر أمثلة مناسبة لكل فئة منهم :
اليهود :
فهم يحاولون تشكيك المسلمين بالرسول والرسالة بأسلوب خبيث ، ويوصىبعضهم بعضاً بالحذر من المسلمين ، وأكل أموالهم دون وازع من دين ، قالتعالى : { وَقَالَتْطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَىالَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْيَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّالِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَىأَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌعَلِيمٌ (73)}(آل عمران) . { وَمِنْأَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَوَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَإِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَعَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِالْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}(آل عمران) . كما أنّ اليهود يحرّفون كتبهم عن قصد . قال تعالى : { وَإِنَّمِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُمِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْعِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَىاللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}(آل عمران) . واليهود إضافة إلى أنهم يحرفون كلام الله ، فيحذفون ، ويزيدون ، يجهرونبالعصيان ، ويدعون على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويشتمونه ويطعنون فيالإسلام فهم ملعونون إلا من آمن منهم واتقى ، قال تعالى : { مِنَالَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ،وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَالَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواسَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْوَأَقْوَمَ ، وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَإِلَّا قَلِيلًا (46)}(النساء) . واليهود يهزأون بالإسلاموشعائره ويقلدون المسلمين في صلاتهم ، عابثين ساخرين ، ولا غرو فهم أبناءالقردة والخنازير . أهل غدر وعدوان يأكلون المال الخبيث ، ولا يعرفونالحلال من الحرام ، كما أن أحبارهم ورهبانهم مثلهم لا يعرفون لله حقاً .قال تعالى : { وإذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}(المائدة).فهم يسخرون من المصلين وصلاتهم . فقد غاب عن عقولهم – لو كان لهم عقول –أن الصلاة لقاء بين الله وعباده ن بين المحبين ومحبوبهم . (( قُلْهَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْلَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَوَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّعَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)}(المائدة) . فاستحقوا أن يكونوا قردة وخنازير لأنهم عبدوا الطغيان ، فكانوا مثالاً للشر ، وقادة في الضلال . وقال تعالى : { وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62) لَوْلَايَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَوَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (63)}(المائدة). يعتدون ويسارعون في الفتن وأكل المال الحرام دون رادع ، وشاركهم الإثمأحبارهم ورهبانهم ، فكانوا شركاءهم في الجريمة . بل إن فجورهم وكفرهموصل بهم إلى الاستكبار ومسِّ الذات الإلهية ، حين افتروا عليه ـ سبحانه ـفعاقبهم أن عادى بعضهم بعضاً وأبغضهم الناسُ جميعاً لفسادهم ، قال تعالى : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)}(المائدة) . أما قصتهم مع نبي الله موسى عليه السلام ، فسورة الأعراف تسجيل دقيقلخبثهم وفسادهم . فهم بعد أن نجاهم الله من فرعون ورأوا قوماً يعكفون علىأصنام لهم قالوا فوراً : { اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ }(من الآية 138الأعراف) . وصنعوا عجلاً من حليِّ نسائهم يعبدونه : { وَاتَّخَذَقَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُخُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْسَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148) }(الأعراف) . وحين أمروا بدخول القدس أباح الله تعالى لهم كلَّ ثمارها ، يأكلون ماشاءوا ، ومتى شاءوا ، وأمرهم نبيهم أن يقولوا : يا الله حُطَّ عنا ذنوبنا. فبدّلوا ذلك ، ودخلوا يزحفون على أستاههم بدل السجود لله والخشوع له ،وبدّلوا من حطة إلى حنطة استهزاء وسخرية ، قال تعالى : { وَإِذْقِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُشِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا نَغْفِرْلَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (161) فَبَدَّلَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْفَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوايَظْلِمُونَ (162) }(الأعراف) . وكان الرجز الطاعون الذي أباد منهم عشرات الآلاف جزاءً وفاقاً . وقصتهم في اصطياد السمك يوم السبت ، وقد نهاهم الله عن ذلك اختباراً لهممعروفة ، فلما احتالوا ورمَوا شباكهم في ذلك اليوم عاقبهم الله ، فجعلهمقردة خاسئين . . قال تعالى : { فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }(الأعراف) . وحين رفض هؤلاء اليهود الامتثال لأمر الله وتطبيقَ شريعته ، اقتلع اللهجبل الطور ورفعه فوق رؤوسهم يهددهم بإسقاطه عليهم فامتثلوا مكرهين لاقانعين ، شأنهم في كل الأمكنة والعصور . . قال تعالى : { وَإِذْنَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُوَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِلَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) }(الأعراف) . هذا غيض من فيض يدل على قبح مواقف اليهود وعتوّهم وكفرهم ، ليكون المسلمون على دراية بهم وبفسادهم ، فيظلوا منهم على حذر .
الكفار :
هؤلاء الذين آذوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه البررةالكرام لم يألوا جهداً في تجييش الجيوش وبذل المال لمحاربة الرسول الكريموإطفاء دين الله في الجزيرة ، ولكنَّ الله تعالى كان لهم بالمرصاد فأبطلمكرهم وجعل ما صرفوه حسرة في قلوبهم ، ثم مصيرهم إلى النار . قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) }(الأنفال) . أما الأصنام التي يعبدونها من دون الله فلن تنفعهم ، ضلَّ سعيهم في الدنيا، ويوم القيامة لهم النار بسبب كفرهم ، واستهزائهم بالمؤمنين ، قال تعالى : { أَفَحَسِبَالَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَإِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْأَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا(105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106)}(الكهف) . والكفّار يجتمعون ظاهراً على الأصنام ويعظم بعضهم أصنام بعض للحفاظ علىالمودة الظاهرة في الدنيا ، أما في الآخرة فسيكفر بعضهم ببعض ، ويتلاعنونومأواهم النار لا يخرجون منها ، قال تعالى : { وَقَالَإِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَبَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُبَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُالنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (25)}(العنكبوت) . وبعض هؤلاء الكفار من يخلف الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مجلسه، يحدث الناس عن رحلاته إلى بلاد فارس والروم ، فيشغلهم بترّهات الأمور عنالإيمان بالله والاستجابة لرسوله ، ويهزأ بآيات الله مستكبراً ، قال تعالى: { وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِاللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌمُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِآَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيأُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}(لقمان) .
وقال تعالى: { وَقَالُوا أ ـ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ب ـ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ جـ ـ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ د ـ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5)}(فصلت) . إنه إصرار عجيب على الكفر والعناد . وفي سورة نوح نلحظ ما يلي : { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6)}(نوح) الزهد الشديد في قبول الدعوة وعدم سماعها ، { وَإِنِّيكُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِيآَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوااسْتِكْبَارًا (7)}(نوح) ، الإصرار على رفضها ، والتكبر على سماعها . وقال تعالى: { قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ أ ـ عَصَوْنِي ب ـ وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) جـ ـ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) د ـ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) هـ ـ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا . . .(24) }(نوح) .
المنافقون :
يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولكنهم يتحاكمون إلى غير شرع الله ، مما يدلُّ فسادهم وكفرهم . قال تعالى يفضحهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ أ ـ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ب ـ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ جـ ـ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60)}(النساء) . { وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِرَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)}(النساء) . { فَكَيْفَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّجَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًاوَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ أ ـ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ب ـ وَعِظْهُمْ جـ ـ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63)}(النساء) . والمنافقون حين ارتدوا إلى الكفر بعد إسلامهم ضلوا وتاهوا ، وتمنّوا لوعاد إلى الكفر كل المسلمين حتى يكونوا مثلهم ، فهؤلاء لا حرمة لهم عندالمسلمين ولا كرامة . قال تعالى يوضح موقفهم : { فَمَالَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَاكَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْيُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (88) وَدُّوالَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلَا تَتَّخِذُوامِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْتَوَلَّوْا أ ـ فَخُذُوهُمْ ب ـ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ جـ ـ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (89)}(النساء) . { سَتَجِدُونَآَخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّمَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْيَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّواأَيْدِيَهُمْ أ ـ فَخُذُوهُمْ ب ـ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ جـ ـ وَأُولَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (91)}(النساء) . ويفضح الله مواقف المنافقين الذين يدَّعون الإيمان بالله وبالرسول ولا يتحاكمون إليه فيشنّع عليهم ، قال تعالى : { وَيَقُولُونَآَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌمِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) أ ـ وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) ب ـ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) 1ـ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ 2ـ أَمِ ارْتَابُوا 3ـ أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ 4ـ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50)}(النور) . ومن صفات المنافقين الكذب والتعلل بغير الحقيقة هرباً من القتال ، لأنهميظنون أن المسلمين إن قاتلوا هربوا أو قُتلوا ، هكذا ظنهم السيء ، قالتعالى : { سَيَقُولُلَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَاوَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَفِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْأَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُبِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (11) بَلْظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَىأَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّالسَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا (12)}(الفتح) . وقد وعدالله سبحانه المسلمين في صلح الحديبية أن غنائم خيبر لمن حضر هذا الصلح ،فمنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المنافقين أن يذهبوا معهم إلى حربخيبر ، فأظهروا الغيرة والحسد ، وألصقوهما بالمسلمين كذباً وافتراءً ، قالتعالى : { سَيَقُولُالْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَاذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْلَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَبَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}(الفتح) . ويعرّي الله سبحانه كذبهم حين يدّعون أنهم يؤمنون بالإسلام ، ويشهدون للرسول بالنبوة { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2)}(المنافقون) . والسورة كلها تسلط الضوء على مخازيهم ، قال تعالى : 1ـ { وَإِذَاقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْارُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) 2ـ سَوَاءٌعَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْيَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَالْفَاسِقِينَ (6) 3ـ هُمُ الَّذِينَيَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىيَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّالْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) 4ـ يَقُولُونَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَاالْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَوَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ( 8 )}(المنافقون) . وفي سورة التوبة تحليل دقيق للمنافقين ، وكشف لدخائلهم وسرائرهم التييحاولون إخفاءها ، ولكثرة الآيات في ذلك أذكر بعض المواقف ، وأحيل إلىمكانها في سياق الآيات : ـ يحلفون بالله كذباً أنهم لا يستطيعون الخروج ، ولو استطاعوا ما قصّروا ،والحقيقة أنهم رأوا تبوك بعيدة فاستنكفوا عن مصاحبة رسول الله ـ صلى اللهعليه وسلم ـ (1) . ـ لا يكون التردد والبقاء في المدينة إلا عن كفر بالله واليوم الآخر ، والبخل بالمال والنفس(2). ـ ولو خرج المنافقون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمين إلىتبوك لبذروا الفتنة في الناس ، وأسرعوا فيهم إلى الغيبة ، والنميمة ،وحاولوا إلقاء العداوة بينهم ، وفي المسلمين بعض ضعفاء الإيمان قد يستمعونإليهم ، فقد فعلوا ذلك في غزوة أحد وأغووا بني المصطلق (3) . ـ بعضهم ادعى أنه لا يصبر على الزنا إن رأى نساء بني الأصفر ، فاستأذن (4) . ـ يفرحون لمصاب المسلمين ويحزنون إن انتصروا ، ويتربصون بهم الدوائر (5) . ـ ينفقون كارهين للمراءاة فقط ، لذلك لا يقبل الله تعالى نفقاتهم ، لأنها غير خالصة لله ، ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى (6) . ـ يتجنبون القتال جبناً وخوفاً ، وألسنتهم سليطة ، تقف حين يأخذون منالصدقات ، ويلمزون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن منعهم (7) . ـ يعيبون الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويقولون ما لا يليق بجنابه ( . ـ يخافون المسلمين ، ولا يخافون الله ، فهم لا يعرفون الله (9) . ـ يحذرون أن ينزل الله آيات تفضحهم ، وتعرّيهم ، ويتحدثون بما لا يليق في حق الإسلام العظيم ، بحجة أنهم يلعبون ويلهون (10) . ـ المنافقون والمنافقات يأمرون بالمنكر ، وينهون عن المعروف ، ويبخلونفتقصر أيديهم عن فعل الخيرات . نسوا الله فلم يحسبوا حسابه ، وهؤلاء همالفاسقون أهل النار فيه مع الكفار في لعنة دائمة وعذاب مقيم (11).
النصارى :
هم الذين كان لهم في التاريخ دور مسيء إلى المسلمين في عهد الإسلامالأوّل وحاربوه في مؤتة وتبوك وأجنادين واليرموك . . . وهم الذين جاءوابقضّهم وقضيضهم في العصور الوسطى ، فاحتلوا البلاد الشامية ، وقتلواالمسلمين وذبحوهم ، وهم الآن يبتزون خيراتهم ويذيقونهم الهوان لماذا ؟تعالَ معي إلى بعض ما فعلوه . قال تعالى :{ وَمِنَالَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواحَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَوَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُبِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (14)}(المائدة) . واتخذوا عيسى عليه السلام ولداً لله ـ سبحانه وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً ـ قال تعالى : { وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ ..}(من الآية 115 البقرة) . { لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ..}(من الآية 4 الزمر) . وبعضهم جعل عيسى عليه السلام هو الله ـ تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً ـ : { لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ...}(من الآية 17 المائدة) . فلما جاء وفد نجران من النصارى يدّعون أن لله سبحانه ابناً ، وأصروا علىذلك أمام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمر الله تعالى رسوله أن يقول: { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}(الزخرف) . وأمره أن يباهل وفد النصارى هؤلاء ، قال تعالى : { الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْحَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْانَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْوَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَاللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}(آل عمران) . ولهذا أمرنا الله تعالى أن نتحاشى موالاتهم وموالاة اليهود والكفار ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىأَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْفَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}(المائدة) . فهل نرضى أن نكون من اليهود أو النصارى ؟!! . وهل نرضى أن نحشر إلى الله تعالى ظالمين ؟!! . إن في هذا لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
الهوامش: (1) انظر : سورة التوبة ، الآية : 42 . (2) انظر : سورة التوبة ، الآية : 45 . (3) انظر : سورة التوبة ، الآيتان : 47 ، 48 . (4) انظر : سورة التوبة ، الآية : 49 . (5) انظر : سورة التوبة ، الآيات : 50 ـ 52 . (6) انظر : سورة التوبة ، الآيتان : 53 ، 54 . (7) انظر : سورة التوبة ، الآيتان : 57 ، 58 . (8 انظر : سورة التوبة ، الآية : 61 . (9) انظر : سورة التوبة ، الآية : 62 . (10) انظر : سورة التوبة ، الآيتان : 64 ، 65 . (11) انظر : سورة التوبة ، الآيتان : 67 ، 68 .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:14 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التحدي
الدكتور عثمان قدري مكانسي
يقولون تحدّاه : نازعه في أمر ، وباراه فيه وغالبه ، ويقولون كذلك : تعمّد الشيء . ففي التحدي ثقة بالنفس وعلوّ في الهمة ، وإحساس بالاقتدار فوق ما يستطيعه الأخرون . وفي القرآن الكريم كثير من التحدي للناس على اختلاف أنواعهم ، وللكفارالمعاندين بشكل عام ، والمناوئين المعاندين بشكل خاص ، والمتقولينالزاعمين ما لا يستطيعونه بشكل أخص . وقد يكون التحدي للإعجاز ، وقد يكون للسخرية ، ولفضح الزاعمين . ولهذا الأسلوب إيجابيات كثيرة منها :
1ـ أن يقف المتخرصون عند حدودهم ، فلا يدّعوا ما ليس لهم . 2ـ أن لا يغتروا بأنفسهم فيحسبوا لكل شيء حسابه . 3ـ أن يتنبّه المخدوعون بهم فينفضّوا عنهم وينبذوهم . 4ـ أن يفكر هؤلاء وغيرهم تفكيراً منطقيّاً ينأى بهم عما يسيء إليهم . . .
ومن أمثلة ذلك : أن الكفار من الوثنيين وأهل الكتاب زعموا أن هذاالقرآن لم ينزل من عند الله بل " تقوّله " الرسول الكريم ـ صلى الله عليهوسلم ـ ، وحاشاه فهو الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى ، فيتحدّاهمالقرآن الكريم .
1ـ أن يأتوا بمثله : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَاالْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍظَهِيرًا (88)}(الإسراء) . 2ـ فلما عجزوا وهذا دأب الأفاكين تحدّاهم بأقلّ من ذلك فقال تعالى: { أَمْيَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِمُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْكُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِنْ لَمْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِوَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}(هود) . 3ـ فلما عجزوا ـ وسيعجزون لأنه كلام الله ـ تحداهم بأن يأتوا بأقل من ذلك فقال : { وَإِنْكُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْكُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}(البقرة) . وقال أيضاً : { أَمْيَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِاسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ . . . }(يونس) . لن يستطيع الإنس والجنّ مجتمعين أن يفعلوا ذلك ، وهاقد مرت إحدى وثلاثونعاماً وأربع مائة وألف عام ، وما زال التحدي قائماً فشتان ما بين القديروالضعيف . وقد حاول الأقزام المتنبئون فكان ما قالوه سخافة ، تدعو إلى السخرية والرثاء .
ـ وينكر الكفار أن يعودوا إلى الحياة بعدما أرمّوا ، فينبههم في الآيات التالية إلى أمرين اثنين : الأوّل : أن الله خلقهم ولم يكونوا شيئاً وسيعيدهم من شيء ، فأي الأمرينأشدَّ ؟! أليس الخلق أصعب ، وليس هناك مستحيل على الله سبحانه . الثاني : التنبيه إلى الخسارة المؤكدة لمن كفر . قال تعالى : { يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ (10) أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً (11) قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ (12) فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (14)}(النازعات) . وقال تعالى : { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}(يس) . وقال تعالى : { قُلْهَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِاللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34)}(يونس) . وقال تعالى : { وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْخَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَرُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51)}(الإسراء) . وقال تعالى : { زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَىاللَّهِ يَسِيرٌ (7)}(التغابن) .
ـ ويتحدى اليهود أن يتمنّوا الموت حين زعموا أنهم اولياء الله ولا يعذّبهم فقال : { قُلْيَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُلِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْصَادِقِينَ (6) وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (7) قُلْإِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَاكُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8}(الجمعة) . ـ لن يترك الله تعالىالإنسان يفعل ما يشاء ، ولا بدَّ من الحساب والعقاب ، أو الثواب ، واللهقادر على كل شيء ، يعيد الإنسان كما كان حتى بصمات أصابعه ، قال تعالى : {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4) }(القيامة) . وقال : { أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36)}(القيامة) .
ـ ومما نجد فيه تحدياً ساخراً إنفاق الكفار أموالهم ضدَّ المسلمين ، وخسارتهم في مكرهم هذا : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أ ـ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ب ـ فَسَيُنْفِقُونَهَا جـ ـ ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً د ـ ثُمَّ يُغْلَبُونَ هـ ـ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36)}(الأنفال) . أرأيت إلى هذا التعقيب الرائع الذي يصور المكر السيء الذي يحيق بأصحابه ؟ .
ـ وانظر معي إلى الهيمنة الإلهية القادرة الجبارة في قوله سبحانه : { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59)} (الأنفال) . وقوله : { أُولَئِكَلَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوايَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20)}(هود) . وقوله سبحانه : { يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ (21) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (22)} (العنكبوت) . فإلى أين يهربون وما لهم لا يحكمون ، وكيف يتجرأون على الله سبحانه من عظيم قدير .
ـ أما الإشراك بالله فهي مظاهر عدة يظهر فيه التحدي والغضب بآن وواحدفهم يجعلون لله ولداً ـ سبحانه أن يكون له ولد ـ فيأمر الله تعالى نبيّهأن يباهل نصارى نجران في ذلك فيأبون خوفاً من الحقيقة واعترافاً ضمنياًبها : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَاللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} (آل عمران) . ونرى الغضب يسح على النصارى الكاذبين سحّاً ، ويسيل سيلاً ، فما ينبغي لله ـ سبحانه ـ الكامل ، المطلق الكمال ـ أن يحتاج إلى ولد : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}(مريم) . والعجيب أنهم يزعمون أن إشراكهم بالله برضى منه ـ سبحانه ـ ومشيئته !! { سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَاآَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْقَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}(الأنعام) . إنّه بيَّنَ الحقَّ لكم وسبيله ، والباطل وطرقه الملتوية وودعكم تختارون فتنالون ما تستحقون إما ثواباً ، وإما عقاباً . ويدعي الكفار أن الجِنّة ـ والعياذ بالله ـ أنسباء الله سبحانه ، وقد نكح منهم ، فولدت له الملائكة فيخزيهم مبكتاً : { وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (158) سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (159)}(الصافات) وسيحاسب الله تعالى الجنّ يوم القيامة كما يحاسب البشر . وهل يحاسب أحدأنسباءه ؟ نعوذ بالله من الظلم والظلمات . وإذا كان لله شركاء وعندكمبيّنة على ذلك فهاتوها ، ووضحوا ما صنعته هذه الآلهة المزعومة ؟ أ ـ { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ ب ـ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (4) جـ ـ وَمَنْأَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) د ـ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}(الأحقاف) . ويطلب الله تعالى الدليل مرات ومرات من المشركين كي يثبت الحجة عليهم: { هَؤُلَاءِقَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِكَذِبًا (15)}(الكهف) وليس أظلم من المفتري الكذّاب . . . ـ ومن التحدي الذي يسرُّ المسلمين وبذهب حزنهم بشرى الله نعالى بنصرهمونصر دينهم رغم الكافرين المعاندين والمشركين الضالين ، يقول تعالى : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}(التوبة) . ويقول جلَّ شأنه : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (178) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (179)}(الصافات) .
نقف مليّاً في تحدّ عجيب غير التحدي الذي سقناه آنفاً ، فما مرَّ كانتحدياً من الله تعالى للكافرين المشركين ، أما السحرة الذين أعدّهم فرعونتحدياً لموسى عليه السلام فقد سارعوا إلى الحق والإيمان حين علم أن مايدعوهم إليه نبي الله عين الصواب ، وزبدة الحياة ، فتحدّوا فرعون وثبتواعلى إيمانهم على الرغم من ضعفهم أمام جبروته وطغيانه ، فمن ذاق الإيمانعرف ، ولم يرض بغيره ، وبذل روحه في سبيله . { وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِآَيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126)} (الأعراف) .
ـ وهذا سيدنا موسى يقف أمام فرعون ، معه سلاح الإيمان غير هياب ولاوجل ، يعلن كلمة التوحيد تصك أذن الجبار المتكبر ، فنرى ونسمع محاورة قويةبين فرعون الظالم وموسى المؤمن. من أقوى الأساليب الحوارية . { قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (18) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) قَالَفَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْلَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَالْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (22) قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (24) قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ (25) قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (26) قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (31)}(الشعراء) . { فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)} (الأعراف) . تحدّ كالجبال الراسيات يلقم فرعون الحجة تلو الأخرى . . ولا يكون التحدي إلا : 1ـ بالحجة الدامغة والدليل الواضح . 2ـ بالإيمان الصحيح الحقيق بما تحمله . 3ـ بالثقة في الله ، والقوة النفسيّة . وأخيراً ، فالتحدي قوة يجب أن يتسلح بها الداعية عن وعي وإدراك . إن الإخلاص لله سبحانه أقوى حجة وأبلغ دليل .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:32 pm | |
| من أساليب التربية في القرآن الكريم
التقريع والتوبيخ
الدكتور عثمان قدري مكانسي
التقريع : التعنيف ، . والتوبيخ : اللوم والتهديد والتعبير. وهذا الأسلوب دواء لمن أخطأ فأصرَّ على الخطأ ، يستوي فيه من أخطأ في موقف، وأصرَّ عليه غيرَ عارف بخطئه ، ومن عرف أنه مخطىء فأصرّ عليه معانداً ،وإن كان الثاني أشدَّ زلة ، إذاً فالتوبيخ والتقريع نتيجة لتكرار الخطأدون الرغبة في تركه إلى الصحيح من القول والفعل . وقد يكون هذا الأسلوب : 1 ـ للمصرّين على مواقفهم فكرةً وعملاً ـ وأنت تعلم أنهم لا يرعوون ـ لإقامة الحجة عليهم ، كي لا يتنصّلوا فيما بعد من مواقفهم هذه . 2 ـ لتتخذ العقوبة المناسبة في حقهم معتمداً على القاعدة التي تقول : ( قد أعذر من أنذر ) فيكون موقفهم في تذرّعهم ضعيفاً . 3 ـ لتنبّه الآخرين أن لا يقعوا فيما وقع فيه غيرهم من الأخطاء والتصرفات الذميمة . وهذا الأسلوب ـ عادة ـ يأتي بعد فضح المواقف التي اتسم بها من حاد عنالصواب ، فاستحق العقاب . واستحق الوصف الذي لا يرضاه أولو الألباب . ولا نقصد هنا بأسلوب التقريع والتوبيخ الأساليب البلاغية التي جاءت إنما نقصد إلى : أ ـ التعجب مما صدر عنهم من تصرفات . ب ـ إظهار التصرف الذي كان عليهم أن يلتزموه فخالفوه ، مثال ذلك قوله تعالى : { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)}(البقرة) . فالتعجب من أمرهم للناس بالبرّ والنأي عنه ، فحريٌّ بالعاقل أن يكون أولالناس في التزام ما يأمر به لأنه قدوة ، ولأنه يدلُّ على صدقه فيما يدعوإليه وصواب ما يفعله . وقوله تعالى : { وَإِذْقُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَارَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَاوَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَأَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوامِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُوَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْكَانُوا أ ـ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ب ـ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)} (البقرة) . وقوله جلّ شأنه : { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً 1 ـ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ 2 ـ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ 3 ـ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) } (البقرة) . وحين يظهرون الإيمان أمام المؤمنين خداعاً ، ويتواصون سرّاً أن يخفوا صفاترسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة ، فلا يظهروها للمسلمين كي لاتكون حجة للمسلمين عليهم ـ معشر اليهود ـ في عدم اتباعه صلى الله عليهوسلم ، يقول الله تعالى كاشفاً سترهم موبخاً إياهم موضحاً حقيقة الأمر : {أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) }(البقرة) . ومما استحق عليه اليهود التوبيخ والتعنيف ، ما أخبرنا به الله تعالى في كتابه قائلاً : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ أ ـ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ب ـ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}(البقرة) . { ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ أ ـ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ب ـ وَتُخْرِجُونَفَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِوَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَمُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِوَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْإِلَّا أ ـ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ب ـ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}(البقرة) . فهم يفعلون غير ما تأمرهم بهم الديانة اليهودية التي يزعمون أنهم ينتمون إليها . ومن صفات اليهود الفاضحة التي استحقوا عليها التوبيخ : أ ـ { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) }(البقرة) . ب ـ { وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)}(البقرة) . جـ ـ {. . . . فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}(البقرة) . الاستكبار على أنبيائهم ، وتكذيبهم وقتل الكثير منهم ، والتشدّق بفسادهم وكفرهم والجرأة على الله ، والكفر به . وحين دُعُوا إلى الإيمان بالرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ادَّعوْاأنهم يؤمنون فقط بما أنزل عليهم في التوراة ، ويؤمنون برسلهم فقط ، وهمكاذبون في دعواهم ، لأنهم كانوا يقتلون أنبياءهم ، ولو كانوا يؤمنون بهموبرسالتهم ما قتلوهم ، فيقول سبحانه موبخاً : (( فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}(البقرة) . وانظر معي إلى هذا النداء التوبيخيّ الفاضح ، وهذا الاستفهام الدامغ : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) }(آل عمران) . { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}(آل عمران).
وتأمل معي تفجير الموقف التوبيخي ، والأسباب التي سبقته فأدّت إليه . قال تعالى : أ ـ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (49) ب ـ انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (50) جـ ـ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ 1ـ بِالْجِبْتِ 2ـ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا سَبِيلًا (51) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)}(النساء) . والمنافقون قال الله تعالى فيهم : { ..فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}(النساء) . أتدري لماذا ؟ إنهم ادّعوا أن اتباعهم لرسول الله صلى اللهعليه وسلم يصيبهم بالبلاء والجهد ، مع أن الله سبحانه وتعالى جعل الحسنةوالسيئة والنعمة والنقمة كلها من عند الله {.. قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ (78)}(النساء). واقرأ معي هذه الصفات الخسيسة التي اتسم بها اليهود : { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ ( يقبلون كلام من لا يحضر مجلسك تكبّراً وعناداً وإفراطاً في العداوة والبغضاء ـ يهود خيبر ـ) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ ( إن أمركم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالجلد فاقبلوا) وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ...}(من الآية 41 المائدة) (إن أمركم بالرجم فلا تقبلوا) { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ ...}( من الآية 42 المائدة). (السحت : الحرام من الرشوة والربا ، وما شابه ذلك ) فهذه الصفات جعلتهم أهل فتنة ، قلوبهم فاسدة ، لهم خزي في الدنيا ، وعذاب في الآخرة . أما المنافقون الذين يسرعون إلى مرضاة اليهود والنصارى ـ وما أكثرهم هذهالأيام ـ فقد جعلوا أنفسهم منهم إذْ جعلوهم أولياء لهم ، فهؤلاء إذاًنفوسهم مريضة ، ضالّون ، ظالمون ، سيندمون حيث لا ينفع الندم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِفَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)}(المائدة) . وهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى يدعون أن لله ولداً ، فيقرعهم سبحانه ، ويصفهم بالكذب : { وَقَالَتِالْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَالَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)}(التوبة). (يضاهئون : يشابهون ويماثلون)، والعبودية اتّباع وتنفيذ ورضا ، فالرهبان والأحبار يحرفون الكلم من بعد مواضعه وأتباعهم ينفذون ما خططوه لهم ،قال تعالى: { اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ }(من الآية 31التوبة) . وهم { يُرِيدُونَأَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّاأَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) }(التوبة) . والله سبحانه { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33)}(التوبة) . فأشار الله سبحانه إلى الكفار من أهل الكتاب المناوئين لدينه موبخاً واصفاً إياهم بالشرك والكفر . وتدّبر معي هذا التوبيخ الشديد لمن نكث عهده فبخل وفسَد وأعرض : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْنِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوااللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)}(التوبة) . ويسخر المنافقون من صدقة قليلة دفعها رجل مؤمنٌ فقير ، فيسخر الله منهم { الَّذِينَيَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِوَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْسَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) }(التوبة) . وهؤلاء المنافقون لا يغفر الله لهم أبداً أبداً { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ...)) لماذا ؟! {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80) }(التوبة). إنها روعة في نفي المغفرة لهؤلاء مع بيان سبب شدة النفي ، وتهديد لمن تحدثه نفسه أن يكون مثلهم . ولما فرح المخلفون عن غزوة تبوك وقالوا لا تنفروا في الحرّ بيّن اللهتعالى لهم أن نار جهنم أشد حراً لكنهم لا يفقهون ثم وبخهم وقرَّعهم بقوةقائلاً : { فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) }(التوبة) . ونرى هنا توبيخاً لمن يذكر الله في الشدّة وينساه في الرخاء بل ينكر فضله متناسياً ما كان ، قال تعالى : { وَإِذَامَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْقَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَاإِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ (12)}(يونس) . أما فرعون المتأله المستكبر الذيسام بني إسرائيل سوء العذاب فإنه حين يغرقه الله وتغرغر روحه يقول : إنّهأسلم لله . . فكيف كان التوبيخ والتقريع ؟ قال تعالى : { وَجَاوَزْنَابِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُبَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آَمَنْتُأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَوَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90)}(يونس) . اعترف بإله بنيإسرائيل وأنكر ألوهيّة نفسه التي أضلَّ بها قومه ورعيّته ، وأقرَّ أنهواحد من المسلمين لا يزيد عنهم ولا ينقص . . وليته قالها قبل هذه اللحظة ،فلن ينفعه هذا الإيمان الذي جاء متأخراً : أ ـ { آَلْآَنَ ب ـ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ جـ ـ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92)}(يونس) . ( أتتوب في وقت لا تقبل فيه التوبة) .
وكفّار مكة لم يقدِّروا فضل الله عليهم إذ جعل حياتهم فيها آمنةًرغداً تحترمهم القبائل ، وتؤمُّ بيتهم الحرام وتحرس قوافلهم ، وجعل لهمرحلة الشتاء إلى اليمن ، ورحلة الصيف إلى الشام ، فجعلوا له شركاء ، وضلواعن سبيله . . { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (29) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (30)}(إبراهيم) .
ولم أر توبيخاً أشدُّ من توبيخ مَنْ جعل لله سبحانه ولداً ، اقرأ معيهذه الجمل التي تعصف بالقلوب ، وتزلزل البنيان من القواعد ، غضباً ممناعتدى على كمال الله وجلاله ، ووحدانيّة الله في ألوهيته : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) أ ـ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) ب ـ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) جـ ـ أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) د ـ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) هـ ـ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) ز ـ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) ح ـ وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)}(مريم) . ( إدّاً : منكراً فظيعاً) وتدبّر معي التضَجّر من الإشراك على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وممن يتخذون من دون الله آلهة : { أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67)}(الأنبياء) . حقاً إنهم لا يعقلون . لقد اعترفوا حين تحدثت الفطرة بأن هذه الآلهة المزعومة لا تعقل ، ولا تنطقفهم حين عبدوها كانوا أقلَّ منها عقلاً ، فكيف يعبد الإنسان شيئاً صنعهبيده ؟!! { قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)}(الأنبياء) . ويكون التوبيخ على أشده حين يفتري مَنْ يفتري دون برهان ، ولا دليل ولامزعة من ظنّ مقبول ، فهم حين يجعلون ملائكة الرحمن إناثاً يسألهم اللهموبخاً : { أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) }(الزخرف) . وحين ادّعوا أن الله تعالى أمرهم أن يعبدوا ملائكته ـ وحاشاه سبحانه ـ أن يأمرهم بذلك أقام عليهم الحجة { مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (20) }(الزخرف) . وحين سمّوا أصنامهم بما يحلو لهم وقالوا هي بنات الله سخر ـ سبحانه ـ منهم ووبخهم قائلاً : { أ َلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (22) إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)}(النجم) . وفي سورة الرحمن توبيخ يقرع أسماع أعداء الله ، يستمر من أوّل السورة إلىآخرها قرعاً مدوياً بترتيب متلاحق يخلع الأفئدة إحدى وثلاثين مرة : { فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (13) }(الرحمن) . . إنه تعنيف شديد وتهديد رهيب ، ولوم ما بعده لوم .
ولاحظ التوبيخ التصويري في قوله تعالى : { فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (36) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (37) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (39) فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (41) }(المعارج) . (مهطعين : مسرعين مادي أعناقهم ) ، فهؤلاء الكفار يتجمعون حول رسول الله ـصلى الله عليه وسلم ـ جماعات متفرقة ، يصيخون إليه مائلين رؤوسهم متعجبينمما يقول ، هؤلاء يجيبهم الله تعالى باستفهام إنكاري فيه تقريع وتوبيخ ،فلا يطمع أحدهم أن يدخله الله جنات النعيم بعد أن كذّب خاتم المرسلين ، ثميردعهم بقوله سبحانه { كَلَّآ} ، ليس الأمر كما يطمعون . لقد خلقهم الله من الأشياء المستقرة ، من نطفةثمّ من علقة ، ثم من مضغة ، فمِنْ أين يتشرّفون بدخول جنات النعيم علىشركهم وكفرهم ؟!! . وفي أول سورة المطففين توبيخ لمن يأخذ أكثر مما يستحق ، ويعطي أقل مما يجب أن يعيطه ، وهذه دونيّة الفساد ما بعدها دونيّة : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7)}(المطففين) .
والقرآن بأسلوبه العجيب يعطي هؤلاء المعاندين المستكبرين ما يستحقونهمن تحقير يناسب نفوسهم وجِبِلَّتَهُمْ الفاسدة ، نسأل الله العفو والعافية.
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:38 pm | |
| سلسلة من اساليب التربية في القرآن الكريم
الاستعلاء
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هو الشعور بالانتماء إلى الله العزيز العلي ، مما يولّدُ :
أ ـ الإحساس بالترفع عن سفساف الحياة الدنيا . ب ـ وتحمل الأذى والصبر عليه ابتغاء رضوان الله تعالى . جـ ـ والعزوف عن بهارج الحياة والرغبة في الآخرة . د ـ والثبات على المبدأ الصحيح ، والبذل في سبيله كل غال ورخيص . هـ ـ والنظر إلى طلاب الدنيا برحمة ، ومحاولة انتشالهم من شباكها . و ـ والتعامل معهم دون الخوض فيما هم فيه ، دون نبذهم والتكبر عليهم . وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تحمل هذه المفاهيم وتدعو إليها .
ـ فهؤلاء أصحاب الكهف فتية طاهرون ، آمنوا بالله سبحانه وتعالى ،ولجأوا إليه ، فقبلهم ، وزادهم منه هداية وتقوى ، وثبتهم على دين الحق ،فأعلنوا بإصرار وعزم عقيدتهم وتوحيدَهم لربهم ، مستعلين على ظلام الشركوالوثنية : { وَرَبَطْنَاعَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَقَدْ قُلْنَا إِذًاشَطَطًا (14)}(الكهف).
ـ وهذا يوسف عليه السلام راودته التي هو في بيتها ، فاستعصم ،واستعان بالله عليها . . فلما انتشر خبرها بين نساء المدينة استزارتهنلتلقمهنَّ حجرها ، وتضع بين أيديهن سبب رغبتها فيه فلما رأين جماله ـ عليهالسلام ـ وقعن فيما وقعت فيه ـ فدعونه إلى مسايرتهنّ جميعاً ، فأبى ،واستعلى ، فهددته بالسجن ـ فكان السجن ـ أحب إليه من الوقوع في الزنا :{ قَالَرَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّاتَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَالْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)}(يوسف) .
ـ وهؤلاء المنافقون يعودون إلى المدينة بعد غزوة بني المصطلق ،ويتشاجر على الماء ساقيان ، أحدهما لأنصاري ، والآخر لعمر بن الخطاب رضيالله عنه من المهاجرين ـ ويرى رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلولالفرصة مناسبة لخلخلة الصف المسلم ، فيقول : لا تنفقوا على المهاجرين حتىيتفرّقوا عن محمد ، ونسي أن خزائن السموات والأرض لله وحده . ثم ادّعى أنهالعزيز وأن المسلمين أذلاء ، ولئن وصلوا إلى المدينة ليمنعنّ العزيزُالذليلَ من دخول المدينة ، فسمع ابنه ـ وكان مؤمناً ـ ما قال أبوه ، فوقفعلى باب المدينة يمنع أباه من دخولها قائلاً : وراءك ، والله لا تدخلالمدينة أبداً حتى تقول : إن رسول الله هو الأعز وأنا الأذل ، فقالها ،وسجّلها الله تعالى آية في العالمين : { هُمُالَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِحَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِوَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَلَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَاالْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَوَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8}(المنافقون) .
ـ وقد ذَكَرْنا أن انتماء المسلم لله سبحانه الذي مجّد نفسه فقال : { فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ }(من الآية 114 طه)/(من الآية 116 المؤمنون) ، وقال أيضاً : { مَنْكَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ۚ إِلَيْهِيَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ۚوَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُأُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}(فاطر) ومحققاً : { كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)}(المجادلة) . فهذا سيدنا سليمان يرسل إلى ملكة سبأ ، يدعوها وقومها إلى عبادة الله وحده، فكانت عاقلة لبيبة ، ردّت عليه بالحكمة ، فبدأت بإرسال هدية مالية ضخمة، علّه يسكت عنها إن كان من أهل الدنيا ، فماذا كان ردّه عليه السلام ؟إنّه أعلن لمن جاءه وللحاضرين جميعاً أنّ المال ليس هدفاً وغاية يرمي إليهالإنسان { فَلَمَّاجَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُخَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36)}(النمل) .
ـ وتأمّل معي الجواب الواحد لنبيين عظيمين ، استعليا على الدنيا وما فيها . . أما الأول فخليل الرحمان سيدنا ابراهيم ، الذي ألقاه قومه في النار ،فأنقذه الله منها ، فانطلق معرضاً عن الدنيا ، راغباً في الله سبحانه : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)}(الصافات) . وأما الثاني ، فكليم الله موسى الذي خرج بقومه من مصر إلى بلاد الشام هرباً ، فلحق به فرعون وجنوده: { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)}(الشعراء) . أرأيت إلى المشكاة الواحدة التي قبس منها هذان النبيان العظيمان ، وإخوانهما من الأنبياء الكرام ؟ !! .
ـ وهذا سيدنا شعيب يفعل فعلهما ، فقومه يضيقون عليه وعلى المؤمنين ويقولون له : أ ـ { لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ب ـ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) ـ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا جـ ـ وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا ـ وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا د ـ عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا هـ ـ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ ـ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}(الأعراف) .
ـ ويجمع فرعون سحرَتَه ويستعين بهم على إرهاب موسى والناس ، ليضلّهمويفرض سلطانه عليهم دون حقٍ إلا سبيل القوة والخداع ، فألقى السحرة حبالهموعصيهم ، وسحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحرٍ عظيم ، فخاف موسى ممارأى . . . ولكن الله تعالى كان مع موسى ، ومن كان مع الله أفلح وانتصر .وصار أعداء الأمس أتباع اليوم . { فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}(طه) .
ـ وكما قال الله تعالى لموسى عليه السلام { إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} قالها للمؤمنين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد ، حيثأصابهم من المعركة ما أصابهم من قتلى وجرحى ـ وواساهم ورفع من معنوياتهم ،وأنّه سبحانه معهم :{ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُالْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}(آل عمران) . وقالها أيضاً لهم حين أمرهم أن يطيعوا الله ويطيعوا الرسول ، ولا يبطلوا أعمالهم: { ولا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)(محمد) .
ـ وهذا سيدنا إبراهيم ، ـ وسيدنا إبراهيم أمّةٌ وحده والخير أصلٌ فيه، ومنه نتعلم بما وهبه المولى سبحانه من كمال وسداد ـ يهدده أبوه المشركإن لم يترك دينه ويعدْ إلى الضلال أن يرجمه فماذا يقول له ؟ وبم يجيبه ؟إنّه عليه السلام دعاه إلى الإيمان فأبى ، ونصحه فرفض ، ووضح له فأصمَّأذنيه ، وأغلق عينيه عن رؤية الحق : { قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) } (مريم) إنه عليه السلام نأى بنفسه عن والده ، وسأل الله السلامة له وسار في ركب الهداية لا يحيد عنه .
ـ وعاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمسلمون إلى المدينة منحرب المشركين في غزوة أحد ، فسمعوا من المرجفين أنصار المشركين أن أهل مكةعادوا ليستأصلوهم ـ وخوّفهم هؤلاء المنافقون من المشركين ـ فقالوا لهم :عددهم كبير ، وأسلحتهم ماضية ، وهم عازمون على إنهاء وجودكم ، فلم يكن منالمسلمين الذين علَّمهم قائدهم الشجاع ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاستعلاءبالله والاستعانة به على كل مكروه إلا إن احتسبوا ذلك عند الله سبحانه ،وجعلوه ملجأهم ونصيرهم وتوكلوا عليه فرجعوا بنعمة السلامة ، وفضل الأجروالثواب : { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} (آل عمران) .
ـ وأخيراً نقف ملياً أمام صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) } ، { وَالَّذِينَلَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَالَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ }(من الآية 68) ، { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)} فهم : 1 ـ لا يتكبرون . 2 ـ يتلطّفون مع الناس ولا يردون الإساءة بالإساءة . 3 ـ يوحدون الله قولاً وعمل . 4 ـ وقافون عند حدود الله : أ ـ لا يقتلون لمجرّد القتل . ب ـ لا يزنون ولا يرتكبون الفواحش . جـ ـ يقولون الحق فقط . د ـ يعرضون عن اللغو وفارغ الكلام . هـ ـ يسمعون آيات ربهم بوعي وفهم . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 4:45 pm | |
| سلسلة من اساليب التربية في القرآن الكريم
الجزاء
الدكتور عثمان قدري مكانسي
هو أن ينال الإنسان حقّه لفعلٍ فَعَله ، أو قولٍ قاله إن خيراً فخيرٌ ، وإن شراً فشرّ ، وأن تقضيَه المِثْلَ المناسب . وكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا مِنْ خلفه أكّدَ على الجزاء :
1ـ لأنَّ فيه العدل ، ينصف المظلوم ، ويردع الظالم . 2ـ لأنّ الإنسانَ خُلِقَ يتنازعه الخير والشرُّ، فكان الجزاء مساعداً على كبح الشر،وإطلاق الخير . 3ـ لأنّه عنوان القوّة ، والحقّ بغير قوة يضيع فلا بدّ من الجزاء لنصرة الحق .
ـ قال الله سبحانه وتعالى مؤكداً على الحساب المؤدي إلى الجزاء بشقيه الثواب والعقاب { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8}(الزلزلة) . ونبّه إلى أن العمل يعود على صاحبه بالنفع والضرر ، فقال سبحانه : { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا . . .}(من الآية 46 فصلت) .وقال جلّ جلاله : { وجزاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ...}(من الآية 40 الشورى) ، وقال أيضاً : { هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)}(الرحمن) .
ـ والذي أقصده من الجزاء في هذا الباب الثواب والعقاب في الحياةالدنيا ، أما الآخرة وحسابها ثواباً وعقاباً ، فقد تناولته ضمن أبواب أخرى، وسوف أتناول هنا : 1ـ جزاء الأقوام الذين كذبوا أنبياءهم أو آمنوا بهم . 2ـ جزاء الأقوام الذين كفروا نعمة الله . 3ـ الجزاء الذي نال بعضَ الأفراد نعمةً ونقمةً ، من الله تعالى أو من البشر .
1ـ قصَّ علينا القرآن الكريم جزاء عديد من الأمم الذين كذبوا أنبياءهم .
ـ فهذا سيدنا نوح لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً ، يدعوهم إلىالله وحده ، فيأبون ذلك ، ويتواصون بتكذيبه ، فماذا كانت العقوبة ؟ قالتعالى يحددها : أ ـ { فَكَذَّبُوهُ ب ـ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ جـ ـ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ د ـ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا هـ ـ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73)}(يونس) .
ـ وهذا سيدنا هود أرسل إلى قوم عاد ، يأمرهم بعبادة الله وحده ،واستغفاره والاتكال عليه وحده ، فردوا عليه رداً قبيحاً ، واتهموهبالسَّفه ، فتبرأ منهم ، ولجأ إلى الله سبحانه وتعالى ، فعاقبهم اللهتعالى عقاباً شديداً { كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)}(القمر) .
ـ أما ثمود قوم صالح عليه السلام فلم يكونوا خيراً من أسلافهم ،فإنهم لما كذّبوه وقتلوا الناقة هددهم بالعذاب بعد ثلاثة أيام ، ثم بدأعذاب الخزي العظيم . . قال تعالى : { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّاجَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُبِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَالْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (68) }(هود) .
ـ وقوم لوط كانوا يعملون الفواحش ، وحين جاءته الملائكة أسرع إليههؤلاء المجرمون ليفعلوا فيهم ما اعتادوا من الفاحشة ، فكانت قاصمةَ الظهرإذ نجّى الله تعالى لوطاً وأهله إلا امرأته ، وكان موعد العذاب الصبح { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}(هود) . ـ وهذا سيدنا شعيب يدعو قومه إلى دعوة الأنبياء كلهم ـ التوحيد ـ وإيفاءالمكيال والميزان حقهما ، وعدم أكل حقوق الناس والبغي والفساد ، فاستهزؤوابه ، وسفّهوا رأيه وهدّدوه بالرجم ، فكيف نزل عليهم العذاب ؟ قال تعالى :{ وَلَمَّاجَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95)}(هود) .
ـ وفرعون ذلك المتألّه الجبار المتكبّر سام بني إسرائيل سوء العذاب ،ذبح أبناءهم ، واستحيا نساءهم ، وكفر بالله عزّ وجلّ ، ونادى متحدياً ،قال تعالى : { فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى(24)}(النازعات) فكيف أباده الله تعالى ؟! أمر الله تعالى موسى أن ينطلقليلاً إلى جهة الشرق ، حيث سيناء ، ثم بلاد الشام لينجو بقومه من شرّفرعون ، فتبعهم هذا الشيطان ليستأصلهم { فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62) فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآَخَرِينَ (64) وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (66)}(الشعراء) .
ـ إن الجزاء قد يكون ماحقاً للمدن وأهلها ، وقد تبقى هذه المدن شاهدةعلى استئصال أهلها ، فتبقى خالية منهم ليعتبر المارّون عليها { ذَلِكَمِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100)}(هود) . أما الذين آمنوا برسالات أنبيائهم ، وعرفوا الله فأسلموا له ـ سبحانه ـقيادهم فقد عاشوا في الدنيا حياة رغيدة ـ مثالهم قوم يونس عليه السلام إذقال الله تعالى يحدثنا عنه : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآَمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (148)}(الصافات) .
2ـ إن قوم سبأ لما كفروا نعمة الله خرّب الله ملكهم ، وشتت شملهم ، ومزّقهم شرَّ ممزّق ، وجعلهم عبرةً لمن يعتبر . فقد كانت قراهم متقاربة ، والأمان بينها وافراً والبساتين تظلل الطرقات ،فيسافر الإنسان من اليمن إلى بلاد الشام لا يحتاج للزاد ، فكفروا بأنعمالله ، فماذا كانت النتيجة ؟ { فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍمِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)} (سبأ) . إن الذي يُعْرِض عن ذكر الله يعاقبه ، فهؤلاء كما رأينا أرسل الله عليهمالطوفان فغرقت دورهم ، وخربت بساتينهم ، وانقلبت ثمارهم أشواكاً مرّةًوسدراً ، ولم يكتفوا بذلك بل سألوا الله أن تكون الأرض مفاوز وصحارى فيسفرهم ، حتى يشعروا بمشاق السفر . . وهذا تفكير سفيه عجيب . . . فعاقبهمالله على كفرهم النعمة بأن : 1 ـ باعد بين مدنهم . 2 ـ جعلهم أخباراً تروى دالة عى جحودهم . 3 ـ فرّقهم في البلاد شذر مذر ، ليكونوا عبرة لمن يعتبر . قال تعالى : { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةًوَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًاآَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْبَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَوَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّصَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}(سبأ) .
ـ ألم يقل الله سبحانه وتعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِيُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًاتَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28)}(الحديد) هكذا كان ذو القرنين ، يمشي على هدى من الله ونور ، جعلههادياً للناس في مشارق الأرض ومغاربها ، ومكّن له فيها ، وسهّل له مايساعده على نشر الدين في المعمورة ، فكان إذا مرَّ على قوم دعاهم إلى الله، فإن كفروا عذّبهم بالقتل ، وبعد القتل نار الله الحامية ، وإن آمنواأحسن إليهم ، فعاشوا في خير الدنيا وبركتها ، ثم يلقون عند الله سبحانهالجنّة ، ونعيمها . . ثوابان . . وعقابان { قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}(الكهف) .
3 ـ كان لرجل مسلم من أهل صنعاء بستان فيه أنواع النخيل والزروعوالثمار ، فإذا حان وقت جني الثمر أو الحصاد ، دعا الفقراء ، فأعطاهمنصيباً وافراً منه ، وأكرمهم غاية الإكرام ، فلما مات ورثه أبناؤه الثلاثة، فلم يكونوا مثله ، فعزموا على منع الفقراء ، وجني الثمر خفية في الصباح، وحلفوا على ذلك فماذا كانت العقوبة ؟ أرسل الله عليها ناراً في الليلأحرقت الأشجار ، وأتلفت الثمار فذهبوا إلى حديقتهم صباحاً فلم يروا فيهاشجراً ولا ثمراً ، فظنوا أوّل الأمر أنهم ضلوا الطريق ، ثم تبيّن لهم أنالله سبحانه عاقبهم بنيّتهم السيئة ، فندموا وتابوا على فعلتهم بعد فواتالأوان . وكان الله تعالى اختبر أهل مكة ، بدعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـحين كلفهم أن يشكروا ربهم فكفروا بنعمته فكان مثلهم كمثل أصحاب البستان { إ ِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32)}(القلم) . إن عقوبتهم رادعة ، تعلموا منها أن يكونوا كراماً وأن يساعدوا الفقراءليكون الله في عونهم ، فالله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .
- وما جزاء من يتهم الشريفات العفيفات بما لا يليق ، فيمتهنهنّ ويقذفأعراضهنّ ؟ إنه الجلد وإسقاط حقهم المدني ، ثم الجزاء الأخرويّ الشديد ،فهم في عداد الفاسقين : ـ { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ 1 ـ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً 2 ـ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا 3 ـ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)}(النور) . والعقوبة في هذه الآية ثلاثة أنواع : الأولى : عقوبة جسدية (( الجلد )) . الثانية : عقوبة معنوية لا تقبل لهم شهادة فحقوقهم المدنية ساقطة . الثالثة : عقوبة في الآخرة . . النار لأنهم فاسقون .
ـ حين دعت امرأة العزيز سيدنا يوسف إلى الزنا وارتكاب الفاحشة عصمهالله تعالى ، وبدل أن يكافئه المجتمع لطهره وعفافه فتكون هذه المكافئةدفعاً لشباب الأمة إلى سلوك مسلكه عوقب بالسجن !!! ليضيع في متاهات أقبيته، ويضيع الشباب في حمأة الرذيلة !! { قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْنَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)} (يوسف) . وفعلاً سجنوه!! { ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآَيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)}(يوسف) . والدلائل كلها تشير إلى براءته ، ولكنْ سهلٌ على كبار القوم أن يلفّقواالتهم إلى الشرفاء ، لينجوا بأنفسهم بصرف الأنظار إلى غيرهم . . . !! .
هذا عن العقوبة ، أما أمثلة الجزاء ثواباً . فإن يوسف عليهالسلام حين أوّل منام الملك ، ورفض الخروج من السجن ، إلا أن تظهر براءته، فاعترفت امرأة العزيز بالحقيقة ، سُرَّ الحاضرون لنزاهته { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)} (يوسف) فانتقل من السجن إلى الصدارة والوزارة .
وهذا موسى عليه السلام يصل إلى مدين ويسقي للفتاتين ويأوي إلى ظل شجرة ، فيدعو الله التيسير ، فتأتيه إحداهما قائلة : {... إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ...}(من الآية 25 القصص) . فيزوجه أبوها إياها ، ويعيش آمناً . والثواب على عمل الخير يدفع إلى الاستمرار فيه .
وليتنا نقف ملياً عند هذه الآيات التي تكررت في سورة الصافات في حقِّالأنبياء الكرام : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وهارون ، وآل ياسين { سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81)} (الصافات) . { سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)}(الصافات) . { سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ (120) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)} (الصافات) . { سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ (130) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}(الصافات) . فَذِكْرُهُمْ إلى آخر الزمان تقدير ، وتبجيل ، وتعظيم . . . أهناك أحسن منهذا الثواب العظيم المستمر إلى أبد الآبدين ؟ ولهم في الآخرة المكانالعالي والمكانة الرفيعة .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:19 pm | |
| سلسلة من اساليب التربية في القرآن الكريم
الحذر والحَيطة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
تعلمنا من آبائنا وأجدادنا أنّ درهم وقاية خير من قنطار علاج ، وسدّ الثغرات أسهل بكثير من إعادة بناءٍ أهملناه ، فانهدم . كما أن الحذر مطلوب في أيام السلم والحرب ، ومن الصديق والعدو ، ومنالأقارب والأباعد . والحذر كذلك مطلوب من عذاب الله ، وفتنة الشيطان ،والتصرف مع الآخرين بما لا يليق . وبشكل عام يجب الحذر وأخذ الحيطة دائماًومن كل شيء ، دون الوصول إلى التوهّم والتوجس الذي يزيد عن حده ، ولله درّالقائل : احــذر عـدوّك مــرّةً * واحذر صديقك ألف مره فلربما انقلب الصديق * فـكان أعلم بالمـضـرَّه
1ـ فهناك الحذر من العدو المتربص في كل زمان ومكان ، ينتظر حالةالغفلة والاسترخاء في الصف الإسلامي ، وهي حالة تتعارض مع حالة اليقظة . .إن العدو بارع بانتهاز الفرص التي تصنعها له حالة ُ الغفلة ، فماذا يفعلالعدو ، إنه يميل علينا ميلة لا تبقي ولا تذر ، تهلك الحرث والنسل ، وتهتكالعرض ، وتغتصب الأرض ، وتستولي على الديار ، وتتحكم بعباد الله بطغيان لامثيل له . قال تعالى : { وَلْيَأْخُذُواحِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَعَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةًوَاحِدَةً }(من الآية 102 النساء) . ويقول الله تعالى آمراً بالاحتراز من العدو والاستعداد له : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71)}(النساء). وقد أمر الله تعالى أن لا نتخذ الكافرين أولياء ، وأن لا نجالسهم إذااستهزؤوا بديننا ، ومَنْ استمرأ الجلوس معهم ، ومؤانستهم كان منهم ،وانتهى إلى مصيرهم فقال :{ وَقَدْنَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِيُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىيَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّاللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) }(النساء). { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَمِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِعَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)}(النساء) . ويؤكد الله سبحانه وتعالى المعنى حين يقول ناهياً عن مجالسة اليهود والنصارى وموالاتهم: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىأَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْفَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51)}(المائدة) . وسورة " المنافقون " كلها تحذير منهم . وإليك مثالاً واحداً ، فهم :
1ـ يدّعون أنهم آمنوا بمحمد نبياً ويشهدون بذلك . 2ـ الله سبحانه يؤكد نبوّة محمد عليه الصلاة والسلام ويشهد أن المنافقين يكذبون في شهادتهم . 3ـ والمنافقون يتخذون الأيمان سبيلاً إلى الإيهام بصدقهم . 4ـ يجب الحذر منهم لأنّهم لا يقرّون على قرار ، يؤمنون مرة ويكفرون أخرى . 5ـ لا يغرَّنّ منظرُهم وفخامةُ مظهرهم ، فهم خشب مسنّدة ظاهرها متين ، وجوفها فارغ . 6ـ يجب الحذرُ منهم ، فهم أشدَّ كرهاً للمسلمين ، وهم كذّابون . قال تعالى : { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3) وَإِذَارَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْلِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍعَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}(المنافقون) .
2ـ وهناك الحذر من الشيطان ، قال تعالى : {. . . . وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (142)}(الأنعام) . فالشيطان يأمر بالمفاسد ، والحذرُ من اتباعه واجب ، والاحتراس مطلوب : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚوَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُبِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۚ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْوَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَيُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}(النور) . وبما أن الشيطان عدو لنا ، فمن الواجب أن تتخذه عدواً ، فهو يورد من اتبعه النار ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُالْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (5) إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6)}(فاطر) . وعلى هذا الأساس كانت الاستعاذة بالله من الشيطان ، ومكره ، ووسواسه ، وتشكيكه بالحق! قال تعالى : { وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) }(الأعراف) .
3ـ وهناك الحذر من عذاب الله ، والفتنة ، وعدم الاستجابة للرسول الكريم . فالرسول الكريم يدعو إلى الله ودينه القويم ، فمن نأى وصدَّ صرف الله قلبهعن الإيمان ، وأصابته فتنة تودي به إلى قعر جهنّم ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَادَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَالْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) }(الأنفال) .
كما أنه لا يجوز خطبة امرأة في عدتها ، فمن فعل فقد أثم ، قال تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ . . . }(من الآية 235 البقرة) .
وينهانا الله تعالى عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حينيأمر بأمر ، فينسَلُّ بعضهم إلى الوراء خارجاً دون استئذان ، وهو الآن فيلقاء مع القائد والتزام الوجود من أدب اللقاء ، والاستئذان مشروع لمغادرةمكان الاجتماع ، ويحذرنا الله تعالى أن تعلو أصواتنا في حضرة النبي صلىالله عليه وسلم وأمام حجرته الشريفة ، فهذا من الأدب معه صلى الله عليهوسلم: { لَاتَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًاقَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًافَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْفِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)}(النور) . أما خيانة الله ، فبترك فرائضه ، وخيانة الرسول بترك سنته ، وخيانةالأمانة عدمُ تحمل مسؤولية العمل بكتاب الله وسنّة رسوله ، وترك الدعوةإلى الله سبحانه ، قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) }(الأنفال).
4ـ وهناك الحذر من الفتنة بأنواعها . فتنة الأموال ، والأولاد والزوج ، قال تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) }(الأنفال) . وقال أيضاً : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْعَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُواوَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)}(التغابن) . والله سبحانه وتعالى ، حذّر الرسول الكريم من الركون إلى الذين كفروا . .هؤلاء الذين يريدون منه عليه الصلاة والسلام أن ينصرف عن وحي الله تعالى ،أو أن يزيد على هذا الوحي ما يخالف الدين ، وحاشا رسولَ الله أن يفعل هذا، فهو الأمين المؤتمن ، ولكنّه درس لنا معشر المسلمين في الثبات على دينالله ، والدفاع عنه دون أن نهتمَّ بوعيد الكفار وتهديدهم ، أو إغرائهمللدعاة ، فالمؤمن وقاف على حدود الله :{ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75)}(الإسراء).
وانظر إلى حذر الوالد يعقوب ، ففي أكثر من مكان في سورة يوسف يظهرالحذر في حديثه مع أولاده ، فلما سألوه أن يرسل أخا يوسف ( بنيامين ) معهملأن يوسف منع عنهم الكيل إلا بحضوره ، قال تعالى : { قَالَهَلْ آَمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْقَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) }(يوسف) . ثم طلب منهم موثقاً على إعادته إن استطاعوا :{ قَالَلَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِلَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ ۖ فَلَمَّا آتَوْهُمَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)}(يوسف) . ثم أمرهم أن يدخلوا من أبواب متفرقة خوف العين الحاسدة ، وهو موقن أن الله يفعل ما يشاء . . وهذا موسى يستصرخه رجل من بني قومه على رجل من آل فرعون فيجيبه ، ويضربذلك الرجل فيقتله ، وهو لا يريد قتله ، فاستغفر ربه ، ووعده ألا يكونعوناً للمجرمين . . . وبعد أن قتله { فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ }(من الآية 18 القصص) والترقب : انتظار الطلب أن يدركه حتى إن الفتاتين اللتين كانتا مع الأنعام ابتعدتا عن الرجال لا تختلطان بهم ، وتنتظران حتى يفرغوا فتتقدّمان لسقي ماشيتهما { وَلَمَّاوَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَوَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَاقَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌكَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}(القصص) . وحين أُمر موسى عليه السلام بالذهاب إلى فرعون قال حاذراً طالباً مساعدة أخيه : { قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)}(القصص) . فالحذر في كل الأمور مطلوبٌ ، حتى ولو كان كل شيء معك . . فقد قيل : ( من مأمنه يؤتى الحذر ) . ويجب الحذر من تناقل الإشاعات أياً كانت ، فهي مغرضة مؤذية إذا تناقلها الناس دون تمحيصها { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍفَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَافَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}(الحجرات) . والحذر يأمرنا كذلك أن نردَّ كل ما نسمعه إلى المختصين كي لا نقع في المحذور الذي يحفره لنا الأعداء ، قال تعالى : { وَإِذَاجَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْرَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُالَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِعَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا (83)}(النساء). وتأمل معي حَذّرّ النملة التي رأت جيش سليمان عليه السلام قادماً إلىالوادي ، فحذَّرت النمل أن تبتعد عن الطريق كي لا ينالها الأذى { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّىإِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَاالنَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُوَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18)}(النمل) . أفلا يكون المسلم العاقل أشدَّ حذراً منها كي لا يقع في المحذور ؟!! .
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:25 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
أساليب القتال
الدكتور عثمان قدري مكانسي خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـمن المدينة إلى معركة أحد بجيش قوامه ألف مقاتل . ولما تراءى الجمعان عادعبد الله بن أبي سلول بثلاث مئة من المنافقين إلى المدينة غير راغبين فيالقتال . أما حجتهم فلأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يُصغِ إلى قولهمأن يتحصنوا في المدينة ،إنما استمع لقول الشباب ، فخرج بهم إلى ظاهرها ،أما الحقيقة فهي أن المنافقين جبناء كما ذكرنا ذلك في أسلوب " تطهير الصف" . ولماذا يقاتلون ، وهم يرون أن المشركين أقرب إليهم من المسلمين ،ويتمنون من كل قلوبهم أن ينتصر المشركون على المسلمين ! .
1ـ انتظام الصفوف : إذاً عاد ثلاث مئة ، وبقي المسلمون سبع مئة، والمشركون ثلاثة آلاف مقاتل ، فهم إذن أكثر من المسلمين بما ينوف علىأربعة أضعاف . كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحدد مكان المقاتلين ، ويصفُّهم لقتالعدوهم . وحين ساور الخوف قبيلتين مسلمتين هما : بنو سلمة وبنو الحارث ـفقد أهموا أن يعودوا لاعتقادهم أن العدد غير المكافىء لا يبشر بنصر ـجاءهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم يشجعهم ويثبتهم ، ويرفع من عزائمهم ،وهكذا كان . قال تعالى : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}(آل عمران) . فالقتال إذاً كان صفوفاً تثبتت في مكانها تصدُّ الهجوم ، ثم تنتقل إلى الهجوم . وهناك أيضاً ترتيب الأصناف ، كل مع جنسه قال تعالى: { وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17)}(النمل) . يوزعون : يوقف أوائلهم لتلحقهم أواخرهم . فلم تكن هناك فرجات بين الأنواع ، وإن كانت منفصلة يتبع بعضها بعضاً ، وقدبيَّن الله سبحانه وتعالى أنه يجب أن يكون المقاتلون لُحمة واحدة ، وصفاًمنضبطاً ، وحركة متتابعة { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (4)}(الصف) . والانتظام صفوفاً يورث الهيبة والجلال في نفس الناظر ، ففي يوم القيامةتنزل الملائكة من السماء صفوفاً متتابعة ، تبعث على الخوف ، والإجلال ،والرهبة ،قال تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38)}(النبأ) . { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22)}(الفجر) . والصفُّ المتراص دلالة على الوحدة والقوة ، فهذا فرعون يأمر السحرة أنيأتوا صفاً واحداً ليرهبوا بمنظرهم وحركتهم موسى عليه السلام ، وليزرعواالإعجاب والإكبار في نفوس عامة الشعب ، بل إن السحرة أنفسهم كانوا أصحابهذا الأسلوب،قال تعالى : { فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}(طه) .
2ـ القتال من وراء الحصون : ويكشف الله سبحانه وتعالى جبناليهود ، وهلعهم من لقاء المسلمين ، فهم لا يقاتلون وجهاً لوجه ، إنمايتتّرسون بالحصون العالية القوية ، والجُدُرِ السميكة المتينة ، يقول اللهسبحانه وتعالى : { لَايُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْوَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًاوَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14){(الحشر) . وهم الآن على قوتهم ، وكثرة سلاحهم لا يقاتلون مشاة هاجمة ، أو محمولة ،وإنما يقاتلون وهم داخل الدبابات ، ومن وراء الخنادق ، وداخل الملاجىءالسميكة ، والصواريخ العابرة والطائرات . . . صحيح أن هذا النوع من القتالالآن هو الأكثر فائدة ونجاة إلا أنهم لا يستطيعون مواجهة الجيش المعاديسفاحاً ، وأفضل سلاح لديهم وأفضل طريقة في القتال بث الفرقة بين المسلمين، وجعلهم أعداءً بعضهم لبعض . وحين يعرف المسلمون أنفسهم حق المعرفة ، ويتوحدون ، ويحكِّمون شرع اللهفيما بينهم تسقط أسطورة اليهود ، ويذوبون كما يذوب الجليد في الظهيرةالحارة . . .
3ـ الحرب الصاعقة السريعة تشل الحركة : وقد أكدت الآيات في القرآن الكريم على : قطع الرقاب وأصابع الأيدي كي لا تستطيع حمل السلاح . { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ 1ـ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ 2ـ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (12)}(الأنفال) . وهي ، الحرب النفسية الإيجابية للمسلمين ، والسلبية للأعداء ، وتكونالضربة القاضية بقطع الأعناق ، وشلّ الحركة بقطع الأصابع (( فَإِذالَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَاأَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّافِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا }(من الآية 4 محمد(القتال)).
4ـ الإثخان في القتل والاستئصال : وهنا ينبهنا الله تعالى أننشتد في قتل الأعداء ، حتى يعلموا أننا لا نرحمهم إن فكروا في الاعتداءعلينا ، فإذا كثر فيهم القتل ، وبلغت قلوبهم الحناجر ، واستسلموا جاز لناأن نأخذ منهم أسرى ، أما في بداية المعركة ووسطها فليس لنا إلا القتلوالاستئصال لأعداء الله كي تخنس نفوسهم وتذل ، فلا يفكّروا مستقبلاً فيإيذاء المسلمين والتصدي لهم، قال تعالى : { فإما تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) }(الأنفال) . ونجد الأمر بالإثخان ، وكثرة الإصابة في قوله تعالى : { مَا كَانَلِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِتُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُعَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }(الأنفال) . وذكر الله سبحانه وتعالى قُوّة موسى حين دخل المدينة على حين غفلة من أهلها : { فَوَجَدَفِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْعَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْعَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ }(من الآية 15 القصص) . والوكز : ضربة في الصدر بجمع الكف .
وفي السنَّة النبوية طرقٌ عديدة في القتال ، وليس في القرآن الكريمالكثير منها ، لأنه ـ كما نعلم ـ كتاب تشريع وكتاب حياة ـ التفصيل فيه فيالحياة المعيشية غير وارد .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:33 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
تطهير الصف
الدكتور عثمان قدري مكانسي المجتمعالإسلامي لا يمنع أن يعيش غير المسلمين فيه ، وليس فيه ما يسمى التطهيرالعرقي الذي تمارسه كثير من الدول ضد المسلمين في أصقاع العالم كله ،والتاريح الإسلامي شاهد على ذلك ، لكنّه يمنع أن يمارسوا ما يخالف الإسلام، ويفسد المسلمين . للآخرين أن يمارسوا طقوسهم وعاداتهم دون أن ينتجأثر سلبي على المسلمين فإذا حدث هذا منعوا من إقامتها ، لأن درهم وقايةخير من قنطار علاج ، وقد لا ينفع قناطير في تطهير هذا الأثر السلبي . كما أن المجتمع الإسلامي في مناسك العبادة ، والأجهزة المهمة التابعة لهلا يقبل وجود عنصر غريب عنه ليبقى نقياً صافياً من الشوائب التي قد تعطلمسيرته وتقلل من إيجابيّاته . وقد علم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن عامله على العراق أبا موسىالأشعري استعمل يهودياً على ديوان المحاسبة ، فأرسل إليه أن يصرفه عنالعمل ، لكن أبا موسى أرسل إليه : إننا لا نجد من يقوم مقامه ، فما كان منعمر رضي الله عنه إلا أن أرسل إليه يقول : (( مات اليهودي )) إنهما كلمتانواضحتان لا لبس فيهما . . فاضطر أبو موسى أن يصرفه . وفي القرآن الكريم ما يعضّدُ فعل عمر رضي الله عنه ، فالصف المسلم ينفي عنه ما يعوق تقدّمه ويثقل كاهله .
ـ فهذا طالوت ملك اليهود ينطلق بجيشه لقتال العماليق ، وقد علم أن فيجيشه كثيراً من الجبناء ، وضعفاء الإيمان ، وغير الملتزمين بالطاعةوالولاء ، وجيشٌ فيه أمثال هؤلاء يهرب من أوّل لقاء ، فأراد أن يتخلّصمنهم ، فمرَّ بهم على نهر،قال تعالى: { فَلَمَّافَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍفَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُمِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّاقَلِيلًا مِنْهُمْ ..} فتخلص من الكثير منهم وبقي بعضهم في جيشه ، وظل الباقون شوكة في القلب ، فانظر ما فعلوا حين التقى الجيشان { فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ..} فالخوف من الجهاد يورث الذل والهوان أما الإيمان بالله والاعتماد عليه فكان في جواب الربانيين حين قالوا : { ...قَالَالَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍقَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَالصَّابِرِينَ (249) وَلَمَّا بَرَزُوالِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًاوَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْبِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَوَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِالنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُوفَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) }(البقرة) . تخلص طالوت منالقسم الأكبر من جيشه ، فلا حاجة للعدد الكثير الضعيف ، ولا للمختلفين فيآرائهم ومشاربهم ، هؤلاء عبء متعب ، وضغث على إبّالة ، والعدد القليلالمؤمن المتجانس في الطاعة ، والولاء ، والإيمان خير وأقوى ، وهكذا كان .. فقد انتصرت القلة المؤمنة بإذن الله على العدد الكبير الكافر .
ـ وهذا سيدنا موسى يعود من لقاء ربه في جبل الطور ، فيرى قومه قدضلوا على الرغم من وجود هارون عليه السلام بينهم ، وكان السامري قد رأىجبريل جاء على فرس الحياة ، فألقى الشيطان في نفسه أن يقبض قبضة من أثرفرس جبريل ، فطرحها على طينٍ صنعه فكان له خوار ، فعبدوه لأن أصول الوثنيةفيهم كانت راسخة فماذا فعل موسى : 1ـ عاقب السامريَّ بأن طرده من المجتمع المسلم ، فلا مكان فيه لفاسد . 2ـ حرَّق إله الذي صنعه بنفسه وذرّ رماده في البحر . 3ـ بيّن لليهود أن الله تعالى هو الذي يستحق العبادة لا غيره . قال تعالى: { قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ (95) قَالَبَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِالرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (96) قَالَفَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ وَإِنَّلَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَعَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّنَسْفًا (97) إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (98) }(طه) . وكانت عقوبة السامري المفسد رائعة حين طرده موسى عليه السلام من المجتمع المؤمن .
ـ وفي حج العام التاسع للهجرة كان أميرَ الحج سيدُنا أبو بكر الصديق، ونزلت سورة براءة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فأمر علياً رضي اللهعنه أن يلتحق بالصديق ليقرأ هذه السورة على المسلمين ، ومنها هذه الآيةالكريمة : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَايَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْخِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) }(التوبة) . فمُنِعَالمشركين أن يحجوا اعتباراً من العام القادم ، فالإسلام دين الطهر ،والمسلمون طاهرون ، والشرك رجس نجس ، والمشركون كذلك ، فلا يسمح لهم أنيختلطوا بالمسلمين حين يؤدون المناسك ، وهكذا طهر البيت الحرام . ولئن كان المشركون يجلبون الأطعمة والتجارات في مواسم الحج ، لقد أبدلالله مكة رزقاً خيراً من ذلك ، لقد رزقها الغنائم والجزية ، وأموالالمسلمين الطاهرة .
ـ لم يكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلن عن وجهته إذا غزا إلاما كان في غزوة تبوك ، لأن المسافة بعيدة ، والمشاق كثيرة ، ولا بدَّ أنيعرف المسلمين وجهتهم ليجهزوا أنفسهم ، فأعلمهم بها ، فجاء المنافقونيستأذنونه في البقاء في المدينة بأعذار واهية ، فقبلها النبي ـ صلى اللهعليه وسلم ـ فهو لا يريد في المقاتلين ذوي أهواء ، مفسدين . لا يؤمنونبالله واليوم الآخر ، بخلاء . وعلم الله فيهم هذه المفاسد فثبطهم وحببإليهم القعود لأثرهم السلبي ، وحبهم للفتنة ، بينما يجب أن يكون الصفالإسلامي طاهراً من كل هذه الخبائث ليكون لحمة واحدة وصفاً متماسكاً قوياً، فالسفر طويل ، والعدو كثير العدد والعدّة ، ولا يستطيع تحمل الأمرين إلاالمؤمن التقيُّ النقيُّ ذو النيّة الخالصة لله سبحانه وتعالى المجاهدبنفسه وماله في سبيل الله . قال سبحانه: { لَايَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِأَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌبِالْمُتَّقِينَ (44) إِنَّمَايَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِالْآَخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ(45) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوالَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْوَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْخَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُواخِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْوَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (47) }(التوبة).
ــ ويؤكد القرآن الكريم على طهارة الصف المسلم فهذا الصف نظيف لا يعمل أفراده الفاحشة { الزَّانِيلَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَايَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَىالْمُؤْمِنِينَ (3)}(النور) .
ــ أما الذي يرمي المحصنات ، فله عقوبات ثلاث : الأولى عقوبة بَدَنية ،والثانية سحب الحق المدني ، فليس له ما للمسلمين ، والثالثة النار فيالآخرة لفسقه ،قال تعالى: { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ 1ـ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً 2ـ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا 3ـ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}(النور) . والملاحظ إذاً في الآية الآخيرة ، أن الذي أساء للمسلمات لا يعود إلى صف المسلمين إلا إذا تطهَّر بالتوبة ، وأصلح ما أفسده .
ــ وحادثة الإفك تبدأ بآية توضح بأن الذين خططوا لها كانوا يحسبونعلى المسلمين ، فلما تولّوا إفكها ، وتحملوا وزرها ، انكشفوا ، فبانالصالح من الطالح ، وتطَّهر الصف المسلم منهم حين عرفوا { إِنَّالَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّالَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَمِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ(7)}(النور) . فأما الذين أذاعوه دون تفكير ، فقد عوقبوا وتابوا إلى الله . أما المنافق الكبير ابن سلول ، فهذا مع الكفار في جهنم ، والعياذ بالله .وأمثاله في هذا الزمن الذي تكالب فيه المارقون على أم المؤمنين عائشة رضيالله عنها معه في الدرك الأسفل من النار.
وتعال معي نقرأ الآيتين اللتين تفضح المنافقين وتخرجهم من بوتقة المسلمين : { قَدْيَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَلِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّاقَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَاجَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْكَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُسَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَلَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَىاللَّهِ يَسِيرًا (19) }(الأحزاب) .
1ـ أمْرُ المنافقون المثبطين للعزائم معروف . 2ـ هؤلاء يعوّقون الناس عن الجهاد ، ويصدونهم عن القتال . 3ـ يقولون لإخوانهم في الكفر والنفاق تعالوا إلينا ، واتركوا محمداً ، وأصحابه يهلكوا ، ولا تقاتلوا معهم . 4ـ يحضرون القتال قليلاً سمعة ورياء ، وهذا غَرَضٌ خبيث يريدون به إيهام المسلمين أنهم معهم . 5ـ بخلاء بالمودّة ، والشفقة ، والنصح ، فهم لا يريدون للمسلمين النصح . 6ـ إذا حضر القتال رأيتهم في رعب شديد لا مثيل له ، فهم شديدو الجبن . 7ـ وإذا جاء وقت قسمة الغنائم ، فهم سليطو اللسان لا يرحمون المسلمين من ألسنتهم . 8ـ عملهم باطل لنفاقهم ، فهم حقيقةً لم يؤمنوا .
ـ وهذا سيدنا نوح حين غرق ابنه فيمن غرق ، وكان الله تعالى وعده أن ينجي أهله اتجه بقلبه إلى ربه { وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)}(هود) . ولا ننسَ رحمة الأب ببنيه ... فبم أجابه الله عزّ وجل ؟ : { يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَاتَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَمِنَ الْجَاهِلِينَ }(هود) . وهنا البراءة من الكافر ، ولو كان أقرب الناس إليك ، فما يجمعك معه إلا العمل الصالح والإيمان بالله تعالى .
ــ ونجد امرأة لوط كانت ممن أصابهم الموت ، والدمار مع أنها زوجة نبيالله ولكنْ لا بدَّ من تطهير الصف ليبقى نقياً صافياً ليس فيه معوقات { وَلَمَّاجَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوأَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَإِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَالَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَالْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْرُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَاتَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَكَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33)}(العنكبوت) . وهكذا لا يكون الصف سليماً ، ولا يستطيع أن ينهض بدعوته ، إلا إذا كانطاهراً من الأمراض سليماً من المعوّقات ، قوياً ليس فيه طفيليات تمتصنشاطه ، وسوس ينحر فيه .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:40 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التمايز والمفاصلة
الدكتور عثمان قدري مكانسي عرفنا من تطهير الصف أنه لا يجوز أنيكون في الجسم الإسلامي طفيليات تعوق مسيرته ، وتضعف قوّته ، بل يجب أنيتخلّص منها ليبقى نظيفاً سليماً معافى . لكنْ لا بدَّ من معايشة بعضالمجتمعات غير الإسلامية ، قد يكونون معنا ، وقد يكون جيراناً لنا ،نبايعهم ، ونشتري منهم ، ونتبادل معهم المنافع الدنيوية . . . هذا أمر لامفر منه ، أما الذي لا ينبغي أن يكون ، فهو الودّ لهم والولاء ، فهناالتمايز والمفاصلة والبراء . . . وهذ الذي نريده في هذا الباب . قال الله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)}(الكافرون). إننا والكفار على طرفي نقيض
ولقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه محمداً عليه الصلاة والسلام أنيتبع إبراهيم عليه السلام في عقيدته السليمة ، فماذا فعل إبراهيم ؟ قالسبحانه: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (122) ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (123)}(النحل) . وسيدنا إبراهيم هو الذي { . . . قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)}(الأنعام) . فكان موقفه غاية في الصراحة والبراءة من المشركين ، والتمايز عنهم . وهو الذي قال لقومه : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48)}(مريم) . فانفصل عنهم نفسياً وإن ظل بينهم يدعوهم إلى الله تعالى وإلى الدين الحق. وهو الذي صرح بعداوة الآلهة المزعومة التي يعبدها قومه { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) }(الشعراء) . وهو عليه السلام الذي توجّه إلى الله سبحانه وتعالى : { وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99)}(الصافات)
فالهداية من الله فقط .
وهو عليه السلام الذي أعلن براءته من عبادة غير الله وأمر أبناءه بذلك ،قال سبحانه : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28)}(الزخرف) . وهذا ما ينبغي أن نزرعه في قلوب أبنائنا منذ نعومة أظفارهم . ولذلك أعلنها النبي عليه الصلاة والسلام ، قال تعالى: { قُلْهَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِاتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)}(يوسف) . وحين شهد الكافرون أنّ مع الله آلهة أخرى زوراً وبهتاناً كان القول الفصل من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ البراءة منهم {. . . أَئِنَّكُمْلَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُقُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}(الأنعام) . { هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِلَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَلِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) }(غافر) . فكان التمايز بيننا وبينهم . ويعلن الله سبحانه وتعالى أن رسوله الكريم محمداً عليه الصلاة والسلامبريء من اليهود والنصارى ، الذين بَدّلوا دينهم ، وانقسموا شيعاً ،وأحزاباً : { إِنَّالَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِيشَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَاكَانُوا يَفْعَلُونَ (159) مَنْ جَاءَبِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِفَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْإِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًامِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) }(الأنعام) . إنها براءة من المشركين ، ومفاصلة تامة لمعتقداتهم ، وتمايزٌ عنهم ، فهمفي وادِ الكفر السحيق ، ونحن ـ معشر المسلمين ـ في ذرا النور والضياء .
وكما أننا نمايزهم في الدنيا فالله سبحانه يأمرهم بالابتعاد عنا يوم القيامة، قال سبحانه: { وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) }(يس) . والأنبياء الكرام كلهم أعلنوا براءتهم من المشركين ، فالدين واحد . هذا هود عليه السلام يعلن براءته من المشركين (( . . . قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّيتَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّاهُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56)}(هود). وهؤلاء أصحاب الكهف يعلنون توحيدهم لله سبحانه ، ويستنكرون شرك قومهم ، قال تعالى: { وَرَبَطْنَاعَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِوَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًاشَطَطًا (14) هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوامِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍفَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15)}(الكهف) . والله سبحانه وتعالى يأمرنا أن لا نعاشر من يتخذ ديننا لهواً ولعباً ،ويستهزىء بآيات الله خشية أن نأنس إليهم فنكون ـ والعياذ بالله ـ مثلهممنافقين ، أو كفاراً وأن لا نتخذهم أولياء ، فأولياؤنا يجب أن يكونوا مناـ معشر المسلمين ـ قال تعالى: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَيَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَأَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْنَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِيُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىيَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}(النساء) . ومن سمات المسلمين أنهم ينأون بأنفسهم عن اللغو واللهو { وَإِذَاسَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَاوَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55)}(القصص) فليسوا منا ، ولسنا منهم . وعلينا معشر الدعاة أن نتمايز عنهم ، فلا يكون الودُّ إلا للمؤمنين ، والحبُّ ، والأمان إلا لهم قال تعالى: { لَاتَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَمَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْأَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَفِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْجَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَاللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّحِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (22)}(المجادلة) . ويحذرنا الله سبحانه وتعالى من موالاة اليهود والنصارى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) }(المائدة). ويحذرنا مرة أخرى من الأهل إن كانوا كفاراً ، فلا نواليهم : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْأَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْإِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْوَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَكَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِوَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَاللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}(التوبة) . لكنَّ الله سبحانه لا يمنعنا أن نحسن إلى الكفار الذين لم يقاتلونا ، ولميؤذونا ، فالبر من سمات المسلمين ، والعدل من صفاتهم ، أما الذين قاتلوناوآذونا فهؤلاء لا ينبغي الإحسان إليهم ولا موالاتهم وإلا كنا ظالمينلأنفسنا ـ والعياذ بالله ـ قال تعالى: { لَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِوَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُواإِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8 إِنَّمَايَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِوَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْتَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9) }(الممتحنة) . ويؤكد ذلك في السورة نفسها " الممتحنة " ناهياً عن موالاة الكافرين: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُعَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْأَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) }(الممتحنة) . فلا تلاقيَمع الكفار أبداً فطريقنا غير طريقهم ، ومآلنا غير مآلهم ، ولا يجوز الركونإليهم ، واتخاذهم أولياء ، فليعِ المسلمون حقيقة أمرهم ، وليحذروا منهم . .
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:46 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية بالقرآن الكريم
الاعتراف بالخطأ
الدكتور عثمان قدري مكانسي هو فضيلة يفتقر إليها الكثير من الناس، بل إنه شجاعة يقدم عليها المنصف الجدير بالاحترام . فمن اعترف بخطئهأقرَّ بإنسانيته . فالإنسان خلق من عَجَل ، وفيه عنصر الخطأ ، ومن أقرَّبخطئه قمين أن يصلح ما أفسده . أما الذي يخطىء ، ويدعي العصمة ، ولا يقرُّبما اقترفَ ففيه لؤم ولا أمان له .
ـ فهذا أبونا آدم وأمنا حواء ، حين انجرّا وراء إبليس بعد أن أقسملهما أنه صادق ، فأكلا من الشجرة ، وبدت لهما سوءاتهما اعترفا بالخطأ ،فأقرّا بذنبهما ،قال تعالى: { قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)} (الأعراف) ، وقد عفا الله تعالى عنه وزوجته حين أقرا بالخطأ ،قال سبحانه: { فَأَكَلَامِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِعَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (122)}(طه) . ـ وهذه امرأة العزيز حين أبى يوسف عليه السلام أن يخرج من السجن إلا إذابُرِّئَت ساحتُه ، يستدعيها ، وصاحباتها الملكُ ويسألهن ،قال تعالى : { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَـصَ الْحَـقُّ أَنَارَاوَدْتُهُ عَـنْ نَفْـسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52) }(يوسف) . ـ هذا سيدنا موسى عليه السلام يستنجده اليهودي في خصامه مع القبطي ،قال سبحانه : { وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُالَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىفَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّمُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) }(القصص) . 1ـ علم موسى أنه أخطأ ، ولم يكن يقصد قتل القبطي . 2ـ نسب هذا الفعل إلى الشيطان ، ووسوسته . 3ـ استغفر ربه وأناب إليه ، فتاب الله عليه . 4ـ عاهد ربّه أن لا يعود إلى مثل هذه الأمور . وعلى هذا فإن موسى عليه السلام حين أتى فرعون يدعوه إلى عبادة الله وحدهاستنكر فرعون أن يكون القاتل نبياً ، وذكَّره بقتله القبطي ، قال تعالى :{وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (19) }(الشعراء)، فما كان من موسى عليه السلام أن اعترف بذلك ، قال سبحانه : { قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21)}(الشعراء) . ونسي فرعون ، أو تناسى أن موسى عليه السلام قتل المصري خطأ أمّا هو فطاغيةمجرم قتل عشرات الآلاف من المصريين ، واستعبد بني إسرائيل ، وكان يقتلالمواليد من الذكور لِحُلُم رآه ـ قتلهم عن قصد ـ لكنّ الإنسان لا يرىذنبه مهما كبر ، ويرى ذنب غيره مهما صغر . ـ وذهب موسى مع الرجل الصالح ليتعلم منه ( في قصة موسى مع الخضر في سورةالكهف ) فلما استعجل العلم مرتين ، مرّة في خرق السفينة ، ومرّة في قتلالغلام رأى في المرة الثالثة أنّه أخطأ ، قال تعالى : { قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا (76) }(الكهف) .
ـ والله سبحانه وتعالى وعد المخطئين الذين فعلوا ما فعلوه عن جهل ، وسوء تقدير ، ثم استدركوا ، فتابوا ، بالمغفرة والرحمة ، { ثُمَّإِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوامِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌرَحِيمٌ (119) }(النحل) .
ـ وهؤلاء أصحاب الجنة لم يكونوا كأبيهم كرماً ، وفضلاً ، وإحساناًفبخلوا على الفقراء أن يعطوهم نصيبهم ، فاتفقوا على قطف ثمارها وبيعها قبلمجيئهم ، فأحرق الله زرعها نكاية بهم ، وجزاء لهم على شحهم ، وبخلهم ، قالتعالى: { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) }(القلم). فاعترفوا بخطئهم ، وأنابوا إلى ربهم واستغفروه ، وأقروا بظلمهم المساكين ، وظلمهم أنفسَهم .
ـ هؤلاء أقروا بما فعلوا في الدنيا ، وما زال في الوقت متسع وإنأنابوا واستغفروا رضي الله عنهم ، ولكنْ في الآخرة لا ينفع الندم ، ولايفيد الاستغفار ، ففي الدنيا عمل ، وفي الآخرة حساب ، قال تعالى : { وَلَوْتَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْرَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّامُوقِنُونَ (12)}(السجدة) . فبماذا يجيبهم الله سبحانه وتعالى ؟ إنه سبحانه يعاقبهم ويوبخهم : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14)}(السجدة) . وهؤلاء المجرمون ، وهم في العذاب الشديد يدعون على أنفسهم ، فهم الذينأوقعوها في جهنّم ، فيخبرهم الله تعالى أنه يكرههم ، ويمقتهم أكثر ممايكرهون أنفسهم ويمقتونها : { إِنَّالَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْمَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ(10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِوَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىخُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) ذَلِكُمْ بِأَنَّهُإِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِتُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12)(غافر) .
ـ وتعالَ معي من قريب نلحظ هذه الصورة ، وهذا النقاش بين ملائكة العذاب ، والكفار الذين اعترفوا بما اقترفوا ، قال سبحانه : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (6) إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ (7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8 قَالُوابَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُمِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)}(الملك) . فالاعتراف إذاً بالخطأ وفي الوقت المناسب ينجي من اقترفه في الدنيا حينيسامحه من أساء إليهم أما الاعتراف في الآخرة ، فهو على نوعين : الأول : الخطأ في العقيدة كالكفر بالله والشرك به ، فهذا لا غفران له .
الثاني : الخطأ في التصرف ، فالله غفور رحيم نسأله أن يغفر لنا خطايانا أَنْ كنا من المؤمنين .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 5:53 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
التعريض والتلميح
الدكتور عثمان قدري مكانسي عرّضَ في حديثه : لم يبيّنْه ولم يصرّح به . وعرّضَ له وبه : قال قولاً وهو يعنيه ، ويريده ، ولم يصرّح به . ولمَّحَ إلى الشيء تلميحاً : أشار إليه ، وقديماً قالوا : ( ربّ تلميح أوقع من تصريح ) ، وقالوا كذلك : ( إياكِ أعني واسمعي يا جارة ) . وللتعريض فوائد عديدة ، منها :
1ـ التنبيهُ دون الاتهام والتجريح . 2ـ التراجع عن الشيء دون حرج " حفظ خط الرجعة " . 3ـ تقبّل النصيحة دون فضيحة . 4ـ إيصال الأمر مغلفاً باللطف والأدب . 5ـ التعميم في الحديث دون لفت النظر إلى المعنيّ به . 6ـ المديح والتعظيم للعمل الطيب وأصحابه . 7ـ الجهل بالفاعلين ، أو القائلين ، وإظهار الرضا ، أو الامتعاض . 8ـ الذمّ والتحقير . . وقد حرص القرآن الكريم ـ وهو يعلمنا ـ على هذا الأسلوب ، لما فيه من تلك الفوائد وغيرها .
ـ فهو على سبيل الجهل بالقائلين وذمّ مقالهم يحدثنا عن الكثير منالناس الذين لا يصل تفكيرهم أبعدَ من أرنبة أنوفهم ، فيطلبون الخير الزائل، والمكسب القليل النافد فقط ، وهم بذاك يقطعون على أنفسهم الفضل العميمالزائد المستمر ، وعلى نفسها جنت براقش ، قال تعالى: { .....فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)}(البقرة) . ويمدح مباشرةً أصحاب العقول الراجحة ، والنظرة الثاقبة الذين تتحرك قلوبهم، وأفئدتهم نحو النعيم المقيم ، والخير الأبدي ، إلى رضى الله وجنته : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) {(البقرة). لم يحدد الطرفين ، ولكنهم كثير { الناس } كمٌّ هائل ، ولفظ عام ينضوي فيه ابناء آدم إلى يوم القيامة .
ـ ومن الأمثلة على التعريض والتلميح في التوبيخ والذم قوله سبحانه : { الَّذِينَقَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْفَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوابِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوارِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}(آل عمران) . فقد أصاب المسلمين يوم أحد جراحات . . فما إن عادوا إلى المدينة حتى أرجف المنافقون فيها ـ وهم لفظ { الناس } الأول ،أما المشركون فلمّح إليهم لفظ { الناس } الثاتي ، وقد فكر المشركون أن يعودوا إلى المدينة ليستأصلوا المسلمين . . فماذا فعل المسلمون وماذا قالوا ؟ :
1ـ ازداد إيمانهم بالله لأنهم واثقون بنصره إياهم . 2ـ لجأوا إليه ، واعتمدوا عليه ، وتوكلوا عليه ، وهو سبحانه لا يخيِّبُهم . 3ـ ألقى الله تعالى الرعب في قلوب المشركين ، فانكفأوا عن المدينة إلى مكة ، وعاد المسلمون راضين مطمئنين . فالشيطان يخوّف أولياءه ، وليس له سلطان على أولياء الله تعالى . لكنَّ المسلمين جميعاً عرفوا المقصود من كلمة { الناس } الأولى ، وكلمة { الناس } الثانية ، وكذلك عرف المنافقون أنهم قد عُرِّضَ بهم ، فخنسوا وذلّوا . . . ـ ومن الأمثلة على التعريض دون التصريح في التحقير والذم قوله سبحانه : { وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُاللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) {(البقرة). فبعض المنافقين يروق للناس كلامهم ، ويثير إعجابهم بخلابة ألسنتهم وبلاغةبيانهم ، لكنَّ الله تعالى لا تجوز عليه سبحانه مثل هذه الأمور لأنه علامالغيوب ، المطلع على السرائر ، هؤلاء المنافقون يُشهِدون الله ـ زوراً ـعلى صلاحهم المزعوم وكلامهم المعسول ، فإذا انصرفوا عن المسلمين عاثوا فيالأرض فساداً ، فأحرقوا الزرع ، وأهلكوا النسل . وإذا وُعظ هؤلاء الفجرة الأفّاكون ، وقيل لهم : اتقوا الله ، وانزعوا عنأقوالكم وأفعالكم القبيحة حَمَلَتْهم الأنَفَةُ ، وحميّة الجاهلية علىالإغراق في الفساد ، والإمعان في العناد ، فعقوبتهم النار ، أعاذنا اللهمن عذابها .
ـ أما المؤمنون الأتقياء ، فهم بريئون ممّا يفعل أولئك ، بل إنهميبيعون نفوسهم لله سبحانه ، يرجون ثوابه ، ويبتغون مرضاته ، وهؤلاء همالذين سيرحمهم الله ، ويغفر لهم ، فهو الرؤوف الرحيم بحالهم ، نسأل اللهسبحانه وتعالى أن يجعلنا منهم ، { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) {(البقرة) . ـ ومن الأمثلة على التعريض يالمفسدين علماً بما يفعلون ، وتحذيراً منهم قوله تعالى : { وَمِنَالنَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِاللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌمُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِآَيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيأُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7)}(لقمان) . فكل من يشتري ما يلهي عن طاعة الله ، ويصد عن سبيله ، مما لا خير فيه ،ولا فائدة نحو السمر بالأساطير ، والتحدث بما يضحك ، وما لا ينبغي ، ليضلالناس عن طريق الهدى ، ويبعدهم عن دينه القويم بغير حجة ولا برهان ،ويستهزىء بكتاب الله له عذاب شديد مع الذلة والهوان . فإذا أفهمته ما يجب أن يفعل ليكون من عباد الله المتقين ، ونهيته عنمباذله ومفاسده صك أذنيه ، وأدبر متكبراً كأنه لم يسمعها ، ويتغافل عنها ،راغباً عنها ، فلهذا ولأمثاله عذاب أليم . والآيات التي استشهدنا بها بدأت كلها بقوله : { وَمِنَ النَّاسِ }دون أن يحددهم للأسباب التي ذكرناها . وأصحابها يعرفون أنفسهم ، فيغتاظون، والمسلمون يعرفونهم ، فيحذرونهم ، ويتجنبون الوقوع فيما وقع فيه هؤلاء .
ـ ومن الأمثلة على التعريض توبيخاً ، وذمّاً ، وتقريعاً قوله تعالى في المنافقين : { أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}(محمد) . فهؤلاء المنافقون يعتقدون أن الله تعالى لن يكشف للمؤمنين شكهم ونفاقهم ،وأنّه لن يظهر بغضهم وحقدهم على المسلمين . . بل إنه ـ سبحانه ـ فاضحهم ،وكاشفُ أمرهم ، ولو أراد الله سبحانه لعرَّف لرسوله عليهم بأشخاصهم ،وعلاماتهم . . كما أنهم يكشفون أنفسهم في طريقة كلامهم وأسلوب عرضهوتعريضهم بما يسيء للإسلام والمسلمين . والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوب عباده كلهم ، شاكرهم ، وعاصيهم ، مؤمنهم وفاجرهم ، وقوله : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } هو التعريض والتلميح نفسه ، فلحن القول عدم التصريح به .
يتبع
| |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 6:16 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
القصد والاعتدال
الدكتور عثمان قدري مكانسي
قالوا قديماً : ( خير الأمور أوسطها ) والوسطُ : الاعتدالُ ، فهو يأخذ من الطرفين المختلفين أحسن ما فيهما ، ويترك سيئهما ، فيجمع الخير منهما ، ويُسقط ما عدا ذلك . وقال رسول الله حاثّاً على التأنّي : ( ...فإن المنبَتّ لا أرضاً قطع ، ولا ظهراً أبقى ) (رواه جابر/الدرر السنية). وحين كلفنا الله سبحانه وتعالى لم يطلب منا سوى ما نستطيعه ، فقال سبحانه : { َاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ...(16)}(التغابن) ، فلم يرهقنا ، ولم يأمرنا بما يقصم الظهر ، ويهدُّ الكاهل ، بل ما نقدر عليه لنقوم بفروض الطاعة وقد قيل : ( إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع ) . وحين نزلت الآية : { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (284) }(البقرة) جثا المسلمون على ركبهم ، وأكل الخوف قلوبهم ، فما من أحد إلا والأفكارتساوره من كل مكان ، ويخطر على بال أحدهم ما يُسْلِمُ عنقه للقطع ، ولايبوح بما خطر على باله ، فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم : سمعنا وعصينا ؟ ، بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) (أبو هريرة /صحيح مسلم)، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله تعالى قوله : { آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِوَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}(البقرة) . فارتاحت قلوب المسلمين ، وهدأت نفوسهم ، ورجوا من ربهم التيسير ، فنزلت الآية الأخيرة من سورة البقرة : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}(البقرة). ـ والقصد في كلِّ شيء عنوان المسلم ، فلا يذهب يميناً ، ولا يذهب شمالاً ،بل يكون معتدلاً في كل تصرف من تصرّفاته . . قال تعالى على لسان لقمان يعظابنه : { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}(لقمان) . ـ وقال الله سبحانه في سورة الإسراء : { وَلَاتَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّالْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُالرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًابَصِيرًا (30)}(الإسراء ) . { وَلَاتَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْقُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَايُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىيَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَمَسْئُولًا (34)}(الإسراء) . { وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38) }(الإسراء).
1ـ لا ينبغي للمسلم أن يكون بخيلاً شحيحاً ، ولا مبذراً مسرفاً : { إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }(الإسراء) ، والتبذير في معصية الله والباطل يجعل صاحبه مثل الشيطان . 2ـ فمن بخل ، أو أسرف صار مذموماً من الخالق والخلق ، منقطعاً من المال . 3ـ وأنّ القتل إجرامٌ حرّمه الله ، وعاقب عليه أشدَّ العقاب ، ولا يكون القتل إلا في ثلاثة مواضع معروفة ، أوجبها الله . 4ـ وأنّ من قُتل ظلماً بغير حق يوجب قتله ، فقد جعل الله لوارثه سلطة علىالقاتل بالقصاص منه ، أو أخذ الدية ، أو العفو ، فلا يتجاوز الحد المشروعبأن يقتل غير القاتل ، أو يمثل به ، أو يقتل اثنين بواحد فِعْلَ أهلالجاهليّة ، وحسبه أن الله نصره على خصمه ، فلا يتجاوز حدّ القصد ،والاعتدال . 5ـ وأن التصرف الحسن بمال اليتيم تثميره وحفظه ، أما أكله فهو ظلم كبير: {... وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}(النساء) . { وَابْتَلُواالْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْرُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ . . .(6)}(النساء)، فجاز الأكل من مال اليتيم بالقدر القليل ، فلا يفنيه أو يأكل منه كثيراً . 6ـ وأن السير الذي يرتضيه الله تعالى ما ليس فيه فخر ، ولا كبرياء ، ولا تعاظم ، ولا مباهاة . ـ كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام رسول يبلغ رسالة ربّه ، ويدعو إلىالإيمان به والعمل بما يرضيه ، وهناك من يؤمن به ، فيفرح وترتاح نفسه ،وهناك مَنْ يكفر به ، ويأبى الإيمان ، فيحزن الرسول الكريم ، ويتألملإعراضهم ، ويشتد حزنه ، فينبهه الله تعالى أن لا يشغل باله فيهم كثيراً ،ويهلك نفسه لإعراضهم : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}(الكهف) . { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (3)}(الشعراء) . {... فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ....(8}(فاطر) . فالحزن إذاً من شيمة المسلم الحساس ، وهذا أمر إيجابي ولكنْ حين يزيد عن حده يصبح سلباً . . فالاعتدال مطلوب .
ـ وكل أمر يفعله الله تعالى حكمة واعتدال { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)}(القمر)، حتى الرزق ينزله بقدر كي لا يطغى الناس ويفسدوا ، وهو – سبحانه - الذي يعرفهم لأنّه الذي خلقهم ، فلا يفتح عليهم ما يزيدهم طغياناً ، { وَلَوْبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْيُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}(الشورى) .
ـ وهذا قارون ازداد ماله فبغى وطغى ، وهو مثال للإنسان الذي يكثر ماله ، فيرى نفسه فوق الجميع : { إِنَّقَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَالْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِيالْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَايُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي…(78 )}(القصص) . فقارون : 1ـ بغى على قومه ، وكان حريّاً به أن يكون عوناً لهم . 2ـ ونصحه قومه خمس نصائح : أ ـ أن يتخلى عن الكبر والبطر ، وينقلب إلى شكر النعمة ، والاعتراف بفضل الله عز وجل . ب ـ أن يوظف أمواله في خدمة دين الله وابتغاء الآخرة . جـ ـ والإسلام - كما علِمْنا - دينُ الاعتدال ، فلا ينسَ نصيبه من الدنيا . د ـ أن يحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليه { ... لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ . . . (7)}(إبراهيم) . هـ ـ أن لا يتطاول على الناس بهذا المال ، ويفسد ضعفاءهم ، فيشتري ذممهم بالمال . 3ـ ادّعى قارون ـ وهو كاذب مدّع ـ أنّه كسب المال بذكائه ، ونبوغه ، وعبقريته . ويرى مَن تدبّر هذه الآية أنَّ فيها دعوة إلى الحق ، والقصدَ في التصرف . ـ وقد تكون النعمة نقمة حين يفرح الإنسان بها ، والفرح كما مرَّ معنا فيالآية السابقة ، البطر والأشر والتعالي على الناس والتطاول ، والنعمُ قدتكون صحة وغنى وأمناً .
ـ وحين يقترف الناس الآثام يصيبهم جزاءَ ما اقترفوه جدبٌ ونقمةٌوبلاء وشدة ، فيبالغون في الجحود والنكران والكفران . أما المؤمن فإنه إنأعطيَ شكر ، وإن مُنع صبر ، فكان له الخير في الأمرين {. . . وَإِنَّاإِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْتُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَكَفُورٌ (48)}(الشورى)} .
ـ ولماذا يقول الله سبحانه وتعالى مهدداً المطففين { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}(المطففين). التهديد سببه أنهم لا وسطيّة عندهم ، والوسطيّة إعطاء كل ذي حق حقّه ،والتصرف مع الناس بما يرتضونه لأنفسهم ، ولا يلتزمون الحد الشرعي ولاالحدَّ المنطقي ، فقدوا العدل والاعتدال والقصد وتاهوا في الضلال . ـ وعاتب الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم في منع نفسه ما أحلَّ الله له من النساء لأن زوجتيه غاضبتاه : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)}(التحريم) . ولاحِظِ الخطاب المشعرَ بالتوقير والتعظيم ، والتنويه بمقامه الشريف حينخاطبه بلفظ النبوَّة لا باسمه كما خاطب بقيّة الأنبياء بأسمائهم . . .فقال له متلطفاً لماذا تمنع نفسك ما أحلَّ الله لك ، وتضيّق على نفسك فيمرضاة أزواجك ، وهنّ أَحْرى أن يُتبعن أنفسهن في مرضاتك ، فأرحْ نفسك منهذا العناء . وكان قد امتنع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ماريّة ـ ولقاء المرأةأنس ومتعة ـ ليرضي خاطر بعض أزواجه ، وكان له أن لا يمتنع عنها . . . وهذه اللفتة الإلهية الكريمة تدعو إلى الوسطيّة في التصرف ، والابتعاد عن الإعنات .
ـ وأخيراً ، يقول الله تعالى : { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ .. . .(6) }(الطلاق) ، فالله تعالى يأمر المسلمين الذين يطلقون زوجاتهم أنيسكنوهن في بعض مساكنهم التي يسكنونها ، وإن كان فقيراً فعلى قدر الطاقة .. فلا يكلفهم الله سبحانه وتعالى إلا ما يستطيعون . . . فالقصدَ القصدَ في المعاملة ، والاعتدالَ الاعتدالَ . | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 6:31 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
أسلوب الحكيم
الدكتور عثمان قدري مكانسي قد يسأل أحدهم سؤالاً ، فتجيبه بغير ما يترقبه إما بترك سؤاله ، والإجابةعن سؤال لم يسأله ، وإما بحمل كلامه على غير ما كان يقصِده إشارةً إلى أنهكان ينبغي له أن يسأل هذا السؤال ، أو يقصد هذا المعنى .
ـ من ذلك قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ }(من الآية 189 البقرة) . هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم يسألون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـعن الأهلّة ، لِمَ تبدو صغيرةً ثم تزداد حتى يتكامل نورها ، ثم تتضاءل حتىلا ترى ، وهذه مسألة من مسائل علم الفلك ، يُحتاج في فهمها إلى دراسةدقيقة طويلة ، فصرفـَهم إلى بيان الحكمة من الأهلّة ، وكأنّه يقول : كانالأولى بكم أن تسألوا عن حكمة خلق الأهلّة ، لا عن سبب تزايدها في أولالشهر وتناقصها في آخره ، فهي وسائل للتوقيت في المعاملات ، والعبادات .
ـ ومن ذلك قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَمَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِوَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ }(من الآية 215 البقرة) . سأل الصحابةُ عن بيان ما ينفقوه ـ ما الذي ينفقونه ـ فأجابهم ببيانالمصارف ، تنبيهاً على أن المهم هو السؤال عنها ، لأن النفقة لا يُعتدُّبها إلا أن تقع موقعها . وكل ما فيه خيرٌ فهو صالح للنفقة . . فالمال ينفقمنه ، والطعام كذلك ينفق منه ، ومساعدتك الآخرين في أمورهم وتفريج كروبهمنفقة ، وتبسمك في وجه أخيك صدقة . . إذاً ليس المهم ماذا تنفق فهو كثير ،ومتنوّع ، وشامل إنما الأهم معرفة المواطن التي يجب أن يكون الإنفاق فيها . ـ ومن ذلك قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَعَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌوَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِوَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُأَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ }(من الآية 217 البقرة) فقد سألالصحابة رضوان الله عليهم رسولهم الكريم : أيجوز القتال في الشهر الحرام ؟وهل يحلُّ ذلك ؟ إننا نحسب ذلك حراماً ، ومَنْ فعله أخطأ خطأً ذريعاً .فنبّه القرآن إلى أن القتال فيه ، وإن كان خطأً جسيماً ووزراً عظيماً ،إلا أن هناك ما هو أعظم وأخطر ، إنه الصدُّ عن سبيل الله ، وكفرٌ بالله ،ومنع المؤمنين عن دين الله ، وإخراجهم من مكة . . كلُّ هذا أعظم وزراً ،وذنباً عند الله من قتل من قتلتُم من المشركين في هذا الشهر الحرام ، فإناستعظم المشركون قتالكم لهم في الشهر الحرام ، فليعلموا أن ما ارتكبوه فيحق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والمؤمنين أعظم وأشنع .
ـ ومن أسلوب الحكيم كذلك قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَعَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِوَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّمِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَوَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}(البقرة) . فالصحابةيسألونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن سبب حيضة المرأة، فينبههم الله تعالىإلى أمور عدةٍ غير ما سألوه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه فأخبرهم أن الحيض : أولاً : أذىً يصيب الزوجين لأنّه شيء مستقذر ، فاجتنبوا النساء فيه مدَّة حيضهِنَّ . ثانياً : فإن طَهُر المكان ، وصار نظيفاً حقَّ للرجال معاشرة أزواجهنّ ،والتمتع بهنّ ، وقد كانت العادة عند اليهود أن المرأة إذا حاضت عندهمنبذوها ، فلم يجالسوها ولم يؤاكلوها فنبّههم القرآن أن الغرض عدم المعاشرةالزوجية فقط ، فالنساء شقائق الرجال . ثالثاً : فإذا طهُرَتِ المرأة ، فأتوهنَّ في المكان الذي أحله الله لكم ،وهو مكان النسل والولدِ ، القُبُلُ لا الدُّبُرُ ، فالله يحب التوابين منالذنوب المنزهين عن الفواحش والأقذار . ـ ومن ذلك قوله تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (61)}(التوبة) .
فالمنافقون يبسطون ألسنتهم في أذيّة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ،ويقولون : إن عاتَبَنا حلفنا له أننا ما قلنا في حقّه ما يسيء ، فيقبلهمنا ، فإنّه أذنٌ سامعةٌ يصدق كلَّ ما يقال له !! وهذا سوء أدب منهم فيحقّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ! ولكنَّ الرسول الذكي الأديب الأريب الذيرباه ربه ، فأحسن تربيته ، ووصفه بالخلق العظيم يستمع للصادق في صدقه ،حتى إذا فرغ شيّعه بالدعاء ، وبشَّ في وجهه ، ويستمع للكاذب في كذبه حتىإذا فرغ لم يجبه ، بل شيّعه بكلمات تعلمه الأدب دون أن يجرح نفسه لأنهالمربي . . القدوة . . وأصحاب الأدب يحمدون له هذه الصفة ، فلا يُجلّالكريم إلا الكريم . . أما اللئام فيحسبون ـ لخساسة نفوسهم وسوء طبعهم ـأن الرسول الكريم سمّاع لكل قول . . يصدق كلَّ إنسان ، يجوز عليه الكذبوالخداع ، لا يفطن إلى زور القول وغشّه ، من حلف له صدّقه ، ومن دسَّ عليهقولاً قبله . فيردُّ القرآن معلماً ، ومنبهاً ، فيقول : إن رسول الله ـ صلى الله عليهوسلم ـ أذنٌ . . نعم . . ولكنّه أذن خير للمسلمين يبلغهم رسالة ربهم التيفيها الخير والفلاح ، وأذن خير للمنافقين ، يستمع إليهم ، ويعلم أنهمكاذبون ، فلا يجْبَهُهم بخداعهم ونفاقهم ، ولا يصدقهم فيما يقولون فاللهأرسله رحمةً للعالمين ، أما الذين يؤذون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فحسبهم الذلة في الدنيا ، والعذاب الأليم في الآخرة .
ـ ومن أسلوب الحكيم كذلك قوله تعالى : { وَيَقُولُونَلَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُلِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}(يونس) . فهؤلاء الكفرة المعاندون يقولون معاجزين ـ وكأن الأمر بيد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يفعل ما يشاء ـ هلّا أنزل على محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزةمن ربّه كما كان للأنبياء من قبلُ من الناقة ، والعصا ، واليد ، وما إلىذلك من المعجزات . . . فينبّه القرآن هؤلاء المجرمين إلى أن أمر الغيب للهوحده ، ولا يأتي بالآيات إلا الله سبحانه . أما الرسول ـ صلى الله عليهوسلم ـ فيبلّغ ما أمره الله تعالى به ، وينتظر قضاء الله ُ فيما يريد ،وما على الرسول إلى البلاغ المبين أفلا ترونه بشراً مثلكم يأكل مما تأكلونويشرب مما تشربون ؟!! .
ـ ومن أسلوب الحكيم كذك قوله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}(الإسراء) . جاء الكفار يسألون رسول الله ـ صلى الله عيه وسلم ـ عن ماهية الروح ، وكيفتدخل الأجسام ، ولماذا تخرج منها . . . فنّبههم القرآن الكريم ، أنّه كانعليهم أن يعرفوا حدود علمهم ، وأن يسألوا عما يهمهم ويفيدهم في أمرأُخراهم ، لا أن يسألوا عن أمور لن يصلوا إلى فهمها بعلمهم القليل الضحل ،فالروح من أمر الله تعالى ، وأسراره ، وما أُوتي الإنسان من العلم إلاالقليل . .
ـ ومن أسلوب الحكيم في القرآن الحكيم قول الله تبارك وتعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فقل يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا (106) لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا (107)}(طه) . هؤلاء الكفار يميّعون القضيّة ، فيسألون عن خلق الجبال ، وارتفاعها ،وعظمتها ، فينبّه القرآن في جوابه إلى أنّ عليهم أن يعلموا أمرين ،حدوثُهما خطير : الأول : أن هذه الجبال الشاهقة المتسامقة علوّاً ، التي تناطح السحاببكلكلها ، الضاربةِ في أعماق الأرض أوتادها . . إذا جاء يوم القيامةينسفها الله تعالى نسفاً ، فيفتتها كالرمل ، فيتركها ملساء مستوية لا نباتفيها ، ولا بناء ، ولا انخفاض ، ولا ارتفاع . . إنه ليوم عظيم هائل لابدَّ قادم . الثاني : أن الناس في هذا اليوم ينطلقون سراعاً إلى أرض المحشر لا يزيغون، ولا ينحرفون ، ذليلةً لِهيبة الله تعالى ساكنة أصواتُهم ، لا يتكلمونإلا من أذن له الله تعالى في القول . إنه لـَيوم رهيب . على العاقل أنيسأل عنه ويؤمن به ويعمل له ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى اللهبقلب سليم ، ونيّة خالصة . . .
إن أسلوب الحكيم أَخْذٌ بيد السائل إلى الاهتمام بما ينفع ليصل بهإلى بر الأمان وشاطىء السلامة . . وقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ المعلم الرائع في أحاديثه الشريفة ، يسير على هدي القرآن وينير بهذاالأسلوب العظيم درب الإنسان . . . . فهلّا كنا تلاميذ له نُجباء ..؟!!.
يتبع | |
|
| |
اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: رد: سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم الخميس أكتوبر 21, 2010 6:42 pm | |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم
الحكمة
الدكتور عثمان قدري مكانسي
تعريفها :
1ـ الوصول إلى أفضل الأهداف ، بأفضل الطرق ، وأنسبها . 2ـ وهي ـ أيضاً ـ العلم والحِلْم ، وصواب الأمر وسدادُه ، والكلامُ الموافق للحق . وبما أن السنّة النبوية المطهرة توافق التعريف الثاني ، فقد وردت الحكمة بهذا المعنى في قوله تعالى : { كَمَاأَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَاوَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْمَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151)}(البقرة) . ووردت كذلك في قوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}(آل عمران) . وتأتي الحكمة في القرآن الكريم في معاني كثيرة منها :
1ـ العلم النافع المؤدي إلى العمل الصالح كقوله تعالى : { يُؤْتِيالْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَخَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) }(البقرة) .
2ـ السداد في القول ، والعمل كما في قوله تعالى يمدح عيسى عليه السلام : { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}(آل عمران) .
3ـ اللين والرفق ، والأسلوب الحكيم المؤثر كما في قوله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }(من الآية 125 النحل). وليس هناك أحسن من التلطف والهدوء ، والحجة ، والبرهان الواضح المقنع دون تشنّج ، وعصبيّة .
ـ ومن الأمثلة الموافقة للتعريف الأوّل في الدعوة إلى الله تعالى قوله سبحانه : 1ـ { لَايَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِالْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍإِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُوَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}(آل عمران) . أ ـ فالقاعدة أنه لا ينبغي موالاة الكافرين . ب ـ ومن والاهم تعرّض للطرد من جماعة المسلمين ، فلا يلتقي كفر وإيمان . جـ ـ وقد يكون هناك حكمة من ملاينة الكافرين ، ومتابعتهم أحياناً لسبب ما: تقاةً منهم ودرءاً للمخاطر ، وجلباً للمنافع ، فلا بأس إذ ذاك من إظهارغير ما نبطن ، والحذر مطلوب ، لكن دون المساس بالقواعد الإيمانية والأصولالإسلامية . 2ـ وقوله سبحانه على لسان أهل الكهف : { فَابْعَثُواأَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَاأَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَايُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا (20)}(الكهف) . أـ فقد شعروا بالجوع بعد أن استيقظوا من سباتهم الطويل ، وهم يحسبون أنهم ناموا يوماً ، أو بعض يوم . ب ـ أرسلوا أحدهم ليأتيهم بطعام طيب ، وأمروه بالتستر والملاطفة كي لايظنوا به الظنون ، فينكشف أمره ، ويدل على أصحابه ، فتكون العاقبة أليمة . 3ـ وقوله سبحانه في التزام مَنْ كان سباقاً إلى الإسلام : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}(الكهف) . فالكفار حين دعاهم الرسل صلوات الله عليهم إلى الإيمان تذرّعوا بأعذاركثيرة واهية ، منها : أنهم لن يؤمنوا بهم ، فلا يكونون وضعفاء المسلمينسواء بسواء فقالوا : { قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ (111)}(الشعراء) . فكان جواب القرآن الكريم : { إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ (113) وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)}(الشعراء) . وهؤلاء الكفار غير صادقين ، والمؤمنون الضعفاء سبّاقون إلى الإسلام ، باعوا أنفسهم لله ، واستبعادهم ولو قليلاً يؤدي إلى : أ ـ إيذاء مشاعرهم ، وصدمهم صدمة عنيفة تفسد عليهم دينهم . ب ـ طمس فضلهم في خدمة الإسلام ، وسبقِهم إلى الإيمان ، وهذا إجحاف بهم ، وظلمٌ نفَّرَ الإسلامُ منهم فكيف يؤصلّه ؟!! . جـ ـ خسارة مزدوجة ـ لا سمح الله ـ فهؤلاء لن يؤمنوا ، أما الذي آمن ورأى الظلم ما زال واقعاً عليه ، فسيرتد ، أو يضعف إيمانه . ولذلك أردف الله سبحانه تلك الآية بقوله مهدداً الكفار واعداً إياهم بالعذاب الشديد : { وَقُلِالْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَفَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)}(الكهف) . وأتبعها بما يثلج صدور المؤمنين السابقين إلى الإيمان فقال : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}(الكهف) . وأكد هذا بقوله سبحانه : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ . . (54 )}(الأنعام) . فالحكمة من هذا التلطف الاعتراف إلى الإسلام ، وتثبيت الإيمان في نفوس السابقين إليه ، ورفع درجاتهم . 4ـ ومن الأمثلة على الوصول إلى أفضل الأهداف بأفضل الوسائل قوله تعالى علىلسان إبراهيم عليه السلام مخاطباً أباه يدعوه إلى الإيمان : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45)}(مريم). فهو يحب أباه ويريد له الخير . . فكيف خاطبه ؟ : أ ـ تلطف إليه بقوله : { يا أبت } ليدخل إلى قلبه المتحجر . ب ـ نبهه إلى خطئه في عبادة الأصنام ، وهوّن من شانها . جـ ـ أعلمه ان الله وهبه علماً نافعاً ، وهو يريد لوالده الهداية . د ـ حذره من اتباع الشيطان المؤدي إلى المهالك . هـ ـ خوّفه من عذاب الله . و ـ كرّر كلمة { يا أبت } ليخفف عليه وطأة التغيير ، وليمتص غضبه . فالحديث مع الأب والأم وذي المكانة في نفس المتكلم يستدعي التلطف ، واللين، والرفق ، وهذا من الأسلوب الحكيم الذي يدخل فيه الإنسان إلى قلوب الناس، أو يحيّدهم على الأقل ويستل الضغينة من نفوسهم . 5ـ ومن الأمثلة أيضاً : التعريض والتلميح في العتاب خاصة لمن تحبُّ ، مع إظهار الحب والودّ. وألطف ما رأيت ذلك العتاب الرفيق ، والتحبب الرقيق من سيد الكائناتوخالقها لحبيبه سيد المخلوقات . . سبحان الله . . والصلاة على رسول الله .. . وذلك في قوله سبحانه : { طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3)}(طه) . وذلك حين قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الليالي مع أصحابه في مكةصلاةً وقراءةً ، وتدبراً ، فقال الكافرون : ما أنزل الله هذا القرآن علىمحمد إلا ليشقى !!! وكأن لقاء الله ، ومناجاته عذاب وشقاء !! كبرت كلمةتخرج من أفواههم !! . وفي قوله : { عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2)}(عبس) ، فلم يقل الله تعالى لنبيه عبستَ ، وتوليتَ أن جاءك الأعمى . . بل جعله في صيغة الغائب ، وهذه حكمة الله في تعليم نبيّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ففي الآيات الأولى من سورة طه كان الحديث مباشرةً لأن فيها دفعاً للأقاويل ، وتشجيعاً على المثابرة في قيام الليل . وفي الآيتين الأوليين من سورة عبس عتاب رقيق استجوب التعريض ، والتلميح ،فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اجتهد حين جاء ابن ابن أم مكتوم يسأله، وعنده رجالات من قريش يأمل أن يؤمنوا به وبرسالته ، فاستأخره حتى ينتهيمن لقائهم . ـ ومن الأمثلة أيضاً في الحكمة المُشاكلة والمُشاكهة : فقوم فرعون كانوا ماهرين في أعمال السحر ، فكان من الحكمة ـ والله أعلم ـأن تكون معجزات سيدنا موسى ، العصا التي صارت حيّة ، وإخراج اليد من الجيب، فتلمع بيضاء من غير سوء ، وضمها إلى جنبه ، فيذهب عنه الخوف إن شاء الله، ويثبت جنانه . . قال تعالى : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32)}(القصص) . فكانت معجزات موسى عليه الصلاة والسلام مناسبة لجو السحر الذي كان قومه يحسنونه . والأمثلة على التصرف المناسب لكل موقف أياً كان ، والحكمة في معالجةالأمور كثيرة ، تدل على حكمة العليم القدير الذي علَّمنا ما لم نكن نعلم . وأخيراً ، يقول الله تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)}(فصلت) . 1ـ فقد يسيء أحدهم ، وينتظر منك أن ترد على إساءته بإساءة مثلها ، أو أشد منها ، فهو متوثب حذر . 2ـ فإذا بك تتغاضى عن إساءته ، أو تسامحه ، أو تتقدم إليه متحبباً ناصحاً متودداً . 3ـ يشعر أنّه أخطأ نحوك ، فتنقلب عداوته لك شعوراً بالذنب ، ورغبةً في تصحيح موقفه . 4ـ يتقرّب إليك ، ويحبّك بإخلاص وودٍّ . فهل هناك أعظم انتصاراً مما فعلتَ . أ ـ انتصرت على نفسك الأمارة بالسوء . ب ـ انتصرت على الخلاف بينكما فمحوته . جـ ـ انتصرت على كيد الشيطان . د ـ اكتسبت أخاً محباً مخلصاً . 5ـ وكل ذلك بالصبر والمصابرة ، وما يستطيع كل إنسان ذلك ، إنما يفعل ذلك من كان ذا حظ عظيم ، وأخلاق رائعة .
عدل سابقا من قبل اسد البراري في الخميس أكتوبر 21, 2010 7:02 pm عدل 1 مرات | |
|
| |
| سلسلة من أساليب التربية في القرآن الكريم | |
|