اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: قصص سورة التوبة- 1. قصة الهجرة النبوية المباركة الخميس أكتوبر 28, 2010 7:14 am | |
| قصص سورة التوبة- 1. قصة الهجرة النبوية المباركة قصص سورة التوبة وردت في سورة التوبة ثلاث قصص كريمة هي على التوالي:1- قصة الهجرة النبوية المباركة2- قصة المخلفين الثلاثة3- قصة مسجد الضرار 1- قصة الهجرة النبوية المباركة الى المدينة المنورة وردت هذه القصة في الآية رقم 40 بقوله تبارك وتعالى: الا تنصروه فقد نصره الله ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ قال لصاحبه لا تحزن انّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيدّه بجنود لم تروها وجعل كلمةالذين كفروا السفلى, وكلمة الله هي العليا, والله عزيز حكيم بعدالضربة القاضية التي أنزلها نبوخذ نصّر (بختنصّر) باليهود في العهد القديم تفرقوا شيعا في كافة أنحاء العالم, وكانت جماعة منهم قد سكنت شبه الجزيرةالعربية واتخذت من المدينة المنورة مركزا لها, ولأنهم أصحاب كتاب سماوي فقد كانوا يتفاخرون على من حولهم به, وكما وصفهم القرآن الكريم بأنهم قومغدر وخيانة فقد كانت هذه وسيلتهم للعيش بين الشعوب, حتى اذا غدا لهم مكانةبين القبائل وأمسكوا بزمام الأمور بهدف السيطرة على كل شيء, الأمر الذي تمكنوا فيه من أن يوقعوا الفتنة بقبيلتين كبيرتين من قبائل المدينة هما قبيلتي الأوس والخزرج , وان يجعلوا الخزرجحليفهم ضد الأوس, الأمر الذي جعل الحقد والكراهية قائمة بين قبيلتي الأوسوالخزرج, وبقي الحال على ما هو بينهما الى أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام المدينة المنورة مهاجرين اليها ليمحو كل ضغينة عالقةبين القبيليتين واعادتهما الى ماكانا عليه قبل الدس اليهودي.
كان هذا موجز القصة وسآتي على تفصيلها بالسطور القليلة التالية.
كان الأوس والخزرج من جذر تاريخي واحد, وقد وفدوا الى المدينة من اليمن بعدسيل العرم وتفرّق أهل سبأ, الا أنّ الدسّ اليهودي بينهما أدى الى أنالتفريق بينهما , ولأنّ الخزرج أكثر مالا وعددا ونفوذا من الأوس فقد تمكناليهود من جذبهم اليهم وعقد تحالف بينهما ضد الأوس الأمر الذي جعل الأوس يبحثون عن حليفا ونصيرا لهم من بين قبائل العرب بهدف الدفاع عن أنفسهم, فما كان منهم الا أن استعانوا بقريش, ومما ساعدهم في تحقيق هدفهم أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم قد ظهرت وان كانت في الخفاء, وما أنسمع النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم وفد من الأوس الى مكة حتى قابلهم وجلساليهم, وما أن حدثهم وحاورهم حتى عرف صلى الله عليه وسلم ما قدموا لأجله فقال لهم : هل لكم في خير مما جئتم له؟ قالوا: وما ذاك؟ قال عليه الصلاة والسلام: أنا رسول الله, بعثني الله الى العباد أدعوهم الى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا, , أنزل عليّ الكتاب,ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم آيات من الذكر الحكيم , وبدأ عليه الصلاة والسلام يحدثهم عن الاسلام, فقال اياس وقد كان غلاما حدثا: أيقوم! هذا والله خير ما جئتم له, ولكن رأي أياس لم يرق لأبو الحسير ممادفعه لأن يأخذ بحفنة تراب ويعفر بها وجهه الغض, قائلا له: مالذي تقوله ياأياس؟ ألأجل هذا نحن جئنا؟ فصمت اياس ولم ينبس ببنت شفة , الأمر الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقوم عنهم.
دخول الخزرج في الاسلام وتمرالآيام ويتمكن النبي صلى الله عليه وسلم من الالتقاء بفوج من الخزرج,وعندما علم عليه الصلاة والسلام أنهم يوالون اليهود طلب عليه الصلاةوالسلام مقابلتهم , وعندما لم يعترضوا رغبته عرض عليهم الاسلام وما أن تلاعليهم ما تيسر له من آيات الذكر الحكيم حتى نظر بعضهم الى بعض وقالوا:والله انه للنبي الذي توّعدكم به اليهود فلا يسبقنكم اليه أحد, ثم استجابوا لدعوته صلى الله عليه وسلم وصدّقوه فيما بلغ, وقبلوا منه ما عرضه عليهم من الاسلام وعاهدوه أن يعرضوا أمره على قومهم, وهكذا شرح اللهصدورهم للايمان لدرجة أنه لم يبق بيتا في المدينة الا ودخله نور الله تعالى, الا وفيه ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أنتداب أول سفير للاسلام
وتدورالأيام كما قدّر الله عزوجل العزيز الحكيم لها, وما أن حل الموسم التالي حتى يفد الى مكة وفدا من الأوس والخزرج قدّر عددهم باثني عشرة رجلا, اثنان من الأوس وعشرة من الخزرج والتقوا النبي صلى الله عليه وسلم وبايعوه على ألا يشركوا بالله شيئا ولا يزنون ولا يقتلوا أولادهم, ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم, ولا يعصوا الله في معروف, فاذا وفوا فلهم الجنة, وان غشوا من ذلك شيئا فأمرهم الى الله, ان شاء عذبهم وان شاء عفا وغفر, وعاهدهم على كتمان أمرهم عن قريش, وواعدهم على اللقاء في عام قابل, وأرسل معهم مصعب بن عمير رضي الله عنه كأول سفير من سفراء الاسلام العظيم ليفقهم في دينهم ويعملهم القرآن الكريم.
التأليف بين القلوب
وتشاء قدرة الله عزوجل في تمكين عباده في الأرض, ويحقق رضي الله عنه مهمته على أكمل وجه ويؤلف الله عزوجل بين القلوب المتشاحنة , لتزول الأحقاد من القلوب والضغائن من النفوس وتصفو القلوب بفضل الله تعالى الحنان المنان ذوالجلال والاكرام القائل في سورة الأنفال 63: وألف بين قلوبهم, لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألف بينهم, انه عزيز حكيم.
بيعة العقبة الأولى
وبتوالى النور في نشر أشعته على أرض الجزيرة العربية , وفي موسم العام التالي يعود مصعب رضي الله عنه الى مكة وبصحبته سبعين رجل من مسلمي الأوس والخزرج وامرأتان, ويلتقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس رضي الله عنه رغم أنه لا يزال على دين آباءه. ويقف العباس رضي الله عنه فيهم خطيبافيقول: يا معشر الخزرجّ! انّ محمدا (صلى الله عليه وسلم) منا حيث قد علمتم, وقد منعناه من قومنا ممّن هو على مثل رأينافيه, فهو في عزة من قومه, ومنعة في بلده, وانه قد أبى الا الانحياز اليكم,فان كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج اليكم, فمن الآن فدعوه... ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم وتلا القرآن, ودعا الى الله تعالى ثم قال: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم.
فقام البراء بن مغرور رضي الله عنه وقال: نعم, فوالذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع منه أزرنا (نساءنا وابناءنا) فبايعنا يا رسول الله, فنحن والله أبناء الحروب ورثناها كابرا عن كابر, فقام أبو الهيثم بن النبهان رضي الله عنه وقال: يا معشر الخزرج!هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا: نعم, قال: انكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس, فان كنتم ترون أنكم اذا أنهكت أموالكم مصيبة, وذهبت أشرافكم قتلا أسلمتوموه فمن الآن, فهو والله ان فعلتم خزي في الدنيا والآخرة, وان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه, فو الله خير الدنيا والآخرة, فقالوا: انا نأخذه على مصيبة الأموال وقتل الأشراف, فما لك يا رسول الله! ان نحن وفينا؟ أجابهم عليه الصلاة والسلام: الجنة, فقالوا: ابسط يدك نبايعك, ثمّ بايعوه صلى الله عليه وسلم.فوقف أبو الهيثم بن النبهان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! انّ بيننا وبين القوم (يعني اليهود) حبالا, وانا قاطعوها, فهل عسيت ان فعلنا ذلك, ثم أظهرك الله أن ترجع الى قومك وتدعنا؟ فتبسّم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: بل الدم الدم, والهدم الهدم (أي دمي دمكم وهدمي هدمكم) أنا منكم وأنتم مني, أحارب من حاربكم, وأسالم من سالمكم. ثم قال عليه الصلاة والسلام: أخرجوا اليّ اثني عشر نقيبا, ثلاثة من الأوس, وتسعة من الخزرج, وقال للنقباء: أنتم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى- عليه السلام- وأنا كفيل على قومي.
تآلب المشركين على المسلمين
وسرعان ما شاع خبر بيعة العقبة الأولى بين اهل المدينة ومكة الأمر الذي جعلهم ينصبون العداء للنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن معه من الأوس والخزرج,وبدؤوا يحاربون دعوة الاسلام من خلال ضعفاءهم يؤذونهم ويعذبونهم أمثال صهيب وبلال وآل ياسر وغيرهم كثير رضي الله عنهم أجمعين, ونتيجة حتمية لتضييق المشركين على المسلمين حياتهم , يحثهم النبي صلى الله عليه وسلم للفرار بدينهم بالهجرة الى الحبشة خاصة بعدما علم أنّ فيها ملكا يدعى النجاشي رضي الله عنه وأنه لا يزال على عهده بعيسى عليه الصلاة والسلام.
هجرة المسلمين الى الحبشة
ويهاجرالمسلمون الى الحبشة فارين بدينهم تاركين أوطانهم وديارهم واموالهم, وهناك يلقى المسلمون من النجاشي رضي الله عنهم ملك الحبشة كل الترحيب, وبقي المسلمون في حماية النجاشي رضي الله عنه الى أن أذن الله عزوجل للمسلمين بالهجرة الى المدينة يتتابعون نحوالمدينة بحذر شديد حتى لا تطالهم أيدي مشركي قريش, وهناك الأنصار استقبلوااخوانهم من المهاجرين استقبالا حسنا وأنزلوهم في قلوبهم قبل مساكنهم ليسجلوا بذلك التلاحم صورة من أعظم ما سجّل التاريخ البشري على امتداده تعاونا وحبا ولقاء وترحيبا واكراما. وماأن وفد على سمع مشركي قريش هجرة المسلمين الى المدينة حتى ارتعدت فرائصهم, الأمر الذي دعاهم لعقد اجتماعا طارئا ظانين أنه من خلاله ربما يجدونمنفذا يوقففون من خلاله هذا المد العظيم الذي هو تمهيد لانطفاءشعلتهم, وما أن لمس أحدهم أنهم على وشك الاختلاف في الرأي حتى قال: أيهاالسادة! اعلموا قبل أن تختلفوا بالآراء أننا قد فتناه بأنواع الأذىفوجدناه صابرا جلدا, وبلونا أصحابه بألوان الأذى والمحن وما زادهم بلاءنا الا عزما وتصميما, وما هدأت نفوسنا وارتاحت الا بخذلانه من بني حنيفة ومالقيه من أذى أهل الطائف ومن بني ثقيف, وما تنفسنا الصعداءالا حين مات أبوطالب ولم يعد له ظهيرا ولا وليا, وها هم أصحابه قد فروا الى أشقائهم الأوسوالخزرج وهرعوا اليهم ولاذوا بهم فازدادوا بهم قوة ومنعة, واكثر الظن أنّمحمدا (صلى الله عليه وسلم) سيلحقبهم, عندئذ تكون المصيبة أشد, والخطب أنكى وأعظم, وما نأمن أن يثب علينا,لأجل ذلك يجب أن تتخذوا قراركم وتحسموا موقفكم وتجمعوا كلمتكم, فقام أبوالبحتري بن هشام ليدلي برأيه فقال في النبي صلى الله عليه وسلم : احبسوهفي الحديد, وغلقوا عليه الأبواب حتى يصيبه ما أصاب غيره من الشعراء.
فقال أبو الأسود ربيعة بن عمرو: نخرجه من بين أظهرنا, وننفيه من بلادنا, فاذا خرج عنا فو الله ما نبالي أين ذهب ولا حيث وقع. قالوا: والله! ما هذا برأي, ألم تروا حسن حديثه, وحلاوة منطقه, وغلبه على قلوب الرجال بما يأتي به, والله لو فعلتم ذلك ما أمنتمأن يحل عل حيّ من العرب, فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يبايعوهعليه, ثمّ يسير بهم اليكم حتى يطأكم بهم فيأخذ أمركم من أيديكم ثم يفعلبكم ما أراد, أديروا فيه رأيا غير هذا. فقام أبوجهل عمرو بن هشام فقال:والله انّ لي فيه رأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد, أر أن نأخذ من كل قبيلةفتى شابا جلدا, نسيبا وسيطا فينا, ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما, ثميعمد هؤلاء اليه فيضربوه بها ضربة رجل واحد فيقتلوه فنستريح منه, فانهم انفعلوا ذلك تفرّق دمه في القبائل فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهمجميعا: ثم يرضوا منا بالعقل (الدية) فنعقل لهم.فقام رجل من بينهم لا يعرفونه فقال:القول والرأي ما قل شيخكم أبو الحكم, فاتفقوا عليه واعملوا به, فقالوا:ومن أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد أهمّه أمركم, أراد أن يعينكم بالرأي السديدويقف الى جانبكم ومعكم. (وفي حقيقة الأمر لم يكن هذا الشيخ النجدي الا الشيطان بعينه كان قد تقمّص شخصية شيخ)
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم
وبعدأن تم اتفاق المشركين جميعا على فكرة أبو جهل, يوحي الله عزوجل الى نبيه صلى الله عليه وسلم ما أجمع عليه القوم من مكيدة ومكر, ويطمئن الله عزوجلنبيه صلى الله عليه وسلم بنصره المؤزر على من يعاديه, ويثبت فؤاده الشريف, ويأمره بأن يستعد للرحيل والهجرة الى المدينة, وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم في سورة الأنفال : واذ يمكر بك الذي كفروا ليثبتوك أو يخرجوك, ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ويتوجه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من ساعته الى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ويقول له: يا ابا بكر! انّ الله قد أذن لي في الخروج والهجرة, فقال له أبو بكر رضي الله عنه: الصحبة يا رسول الله, فأجابه صلى الله عليه وسلم: الصحبة يا أبا بكر,وواعده في العتمة, وفرح أبو بكر رضي الله عنه وراح يهيء الراحلتين, وعادالنبي صلى الله عليه وسلم الى داره وقد علم أنّ القوم يحيطون به وفيأيديهم سلاحهم, وبين جوانحهم يحملون قلوبا سوداء مليئة بالحقدوالكيدوالمكر والحسد الدفين, وجاء القوم وتربصوا ينتظرون خروجه صلى اللهعليه وسلم لينقضوا عليه ويضربوه ضربة رجل واحد كما أشار أبو جهل لعنهالله, الا أنه صلى الله عليه وسلم لم يعبأ بهم ولم يبال بجمعهم لأنه يعلمأنّ الله تعالى سيعمي قلوبهم وبصيرتهم عنه, ولما انتصف الليل أمر النبيصلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب رضي الله عنه أن ينام في فراشهويتسجّى ببرده الحضرمي, ثم خرج عليه الصلاة والسلام عليهم وهو يتلو قولهعزوجل سورة يس: وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون, ولم يتنبهوا ولم يحسوا لخروجه صلى الله عليه وسلم, وقصد عليه الصلاة والسلام الى دار أبي بكر رضيالله عنه وخرجا معا من خوخة هناك( باب صغير يشبه النافذة) وسارا حتى بلغاغار ثور وهو عبارة عن جبل يقع في الجنوب الغربي لمكة وكان عامر بنفهيرة مولى أبو بكر رضي الله عنهما يتبعهما بقطيع من الغنم كي يمحو آثارأقدامهم. غار ثور
وحين أراد النبي صى الله عليه وسلم أن يدخل الغار تقدمه أبو بكر رضي الله عنه ليطمئن الى خلوه من السبع والحية والعقرب وما الى ذلك, فأخذ يتفقد حفرالغار حفرة حفرة ويضع قدميه في كل حفرة كي اذا كان هناك شيء يؤذي ,فليؤذيه هو ولا يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم, هكذا الصديق رضي الله عنه كان يخاف على النبي صلى الله عليه وسلم, اما القوم فظلوا حتى الصباح وهم يرقبون خروجه صلى الله عليه وسلم من داره ليقتلوه, الا أن شيطانهم خدعهم حين كشف لهم ضوء النهار واشراق الصباح دون أن يعلموا أنهم قضوا الليل كله وهم يحرسون عليا رضي الله عنه, فهرعوا الى أسيادهم ينقلون لهم الخبر, وماأن علموا زعماء قريش بالحيلة حتى أصابتهم الحيرة وعلاهم الوجوم, عندها ذهب أبو جهل الى بيت أبو بكر رضي الله عنه يسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه, وعندما أجابته أسماء ابنة الصديق رضيالله عنهما بأنها لا تعلم أين أباها, لطمها على وجهها لطمة قوية أسقطت قرطها, فلم تجزع ولم تفزع وظلت متمسكة بردها السلبي رغم علمها بكل شيء رضيالله عنها وأرضاها. ثم أرسل أبو جهل عليه اللعنه الى يوم الدين, القادة والزعماء الرواد ومتتبعي الأثر يرصدون الأماكن والمسارب والطرقات حتى اذا بلغوا باب الغار ووجدوا على بابه شجرة غطته وأغلقته ونسجت عليه خيوط العنكبوت وباضت في أغصان الشجرة يمامتان بريتان, فقال قائلهم: لعلّ هذه الشجرة أقدم من ميلاد محمدصلى الله عليه وسلم وكذلك نسج العنكبوت, وقبل أن ينصرفوا قال أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى اللهعليه وسلم وقد علت وجهه مسحة ذعر على النبي صلى الله عليه وسلم: لو أنّأحدهم رفع قدمه لرآنا, فأجابه عليه الصلاة والسلام اجابة الواثق المتيقنبحماية الله تبارك وتعالى, اجابة : يا أبا بكر! وما ظنك باثنين الله ثالثهما!!!
وهكذا وبعد أن يئس المشركون في العثور على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه رصد المشركون 100 ناقة كجائزة لمن يأت بهما حيين أو ميتين, ومكث النبي صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثة أيام بلياليهما, وكان خلالها عامر بن فهيرة مولى أبي بكر رضي الله عنهما يأتيهما عشية باللبن فيحلب لهما ويسقيهما, اما عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما فكان يأتيهما باخبار قريش, وأسماء بنت أبو بكر رضي الله عنهما كانت تنقل لهماالطعام بنطاقها الذي شقته نصفين: نصف ائتزرت بع والنصف الأخر تربط لهما بهزوادة الطعام, لذا أطلق عليها النبي صلى الله عليه وسلم اسما ذات النطاقين,وأخبرها بأنّ الله عزوجل سيبدلها بنطاقها نطاقا في الجنة, ولعلّ هذه البشارة العظيمة والغالية لابنة الصديق رضي الله عنهما لبشارة غاليةعلى أنها من أهل الجنة ان شاء الله. وما أن انقضت الأيام الثلاثة وهدأ الطلب عليهما, حتى أزمع النبي صلى الله عليه وسلم على المسير الى المدينة يرافقهما دليلهما الى المدينة عبد الله بن أريقط الذي استأجره ابو بكر رضي الله عنهما بالراحلتين, وعلى بركة الله سار ركب النبي صلى الله عليه وسلم تحفه عناية الله وترعاه باتجاه المدينة المنورة. وكان سراقة بن مالك الجشعمي صعلوكا من صعاليك العرب همّه السلب والنهب والغزو, وما أن سمع بجائزة قريش المرصودة للفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه حتى تسلل من داره ليلا ممتطيا صهوة فرسه متتبعا أثر النبي صلى الله عليه وسلم, فلماأدرك الركب وكان قاب قوسين أو أدنى منه تعثر به فرسه , وما أن غاصت قوائم فرسه في الرمال مرة ومرتين وثلاثة حتى أدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الله عزوجل وممنوع, فاستغاث واستنصر بالنبي صلى الله عليهوسلم , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تقول بسواري كسرى على ألاتخبر قريشا بشيء مما رأيت؟ ,فتعجب سراقة من عرض النبي صلى الله عليه وسلمثم قال له: اكتب لي كتابا بالذي تقول..فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبوبكر رضي الله عنه أن يكتب له كتابا بذلك على أن يسري مفعول تنفيذ الكتابيوم استيلاء المسلمين على ممتلكات كسرى, فوافق سراقة وعاد أدراجه بعدماعاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عل ذلك عاد من حيث أتى.
بعد ذلك حلّ النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه ضيفا على امرأة يقال لها أممعبد, كان لها خيمة في الطريق, فنشدوا عندها الراحة, ولم يكن عندها ماتقدمه سوى شاة هزيلة خلفها ضعفها عن اللحاق بالقطيع, فدعا بها النبي صلىالله عليه وسلم وما أن مسح صلى اله عليها وسلم على ضرعها بيده الشريفة حتىامتلأ الضرع لبنا غزيرا ثم احتلبها وشرب منها صلى الله عليه وسلم وأبو بكروأم معبد وترك لها الأواني ملأى باللبن, ودعا لها بالخير والبركة, وبقيتالصورة باشراقها مرتسمة في ذهن أم معبد, وما أن عاد زوجها وحدثته عن أمرالنبي صلى الله عليه وسلم حتى قال لها: لا شك أنّ الرجل هو صاحب قريش التيتبحث عنه, ووصفت أم معبد النبي صلى الله عليه وسلم وصفا دقيقا لم يأتي علىهذا الوصف حتى صحابته الذين عاصروه صلى الله عليه وسلم, حتى بات وصفهامرجعا للفقهاء والعلماء والمفسرون الى يومنا هذا. استعداد أهل المدينة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلم
المسلمون من الأوس والخزرج في المدينة ومنذ خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة وهم يخرجون كل يوم الى ظاهر المدينة ينتظرون وصوله صلىالله عليه وسلم ولا يعودون الى منازلهم الا مع اشتداد حرارة الشمس فيالظهيرة, الى أن كان يوم سفعتهم الشمس وتحرقت منهم الأقدام, وهم عائدونالى منازلهم حتى سمعوا رجلا يهوديا كان لا يزال ينتظر من أعلى احدىالأشجار , وما ان لمح موكبهما قادمين نحو المدينة حتى هتف بأعلى صوته بأنّموكب النبي صلى الله عليه وسلم قد وصل, فخرجوا مهرولين فيموكب عظيم رجالا ونساء, شيوخا وأطفالا, يحملون سعف النخيل وينشدون النشيدالتاريخي يستقبلون فيه النبي صلى الله عليه وسلم:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع | |
|