اسد البراري المدير العام
رقم العضوية : 1 عدد المساهمات : 466 نقاط : 1134 تاريخ التسجيل : 13/10/2010 العمر : 63 الموقع : https://sanabel.ahlamontada.net
| موضوع: قصص سورة القصص - 1 - قصة فرعون الخميس أكتوبر 28, 2010 3:22 pm | |
| قصص سورة القصص - 1 - قصة فرعون
بسم الله الرحمن الرحيم ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
وردت قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع فرعون في عدة سور من القرآن الكريم, نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر(الشعراء, طه, الدخان, هود, الاعراف, ص) وقد تداخلت في هذه القصة قصة موسىمع ابنتي نبي الله شعيب عليهما السلام , وما نحن بصدده هنا في السردالقصصي, سورة القصص, ابتداءً من تربية فرعون لموسى عليه الصلاة السلام من المهد حتى بلوغهالنبوة, وكيف أنّ نهاية فرعون كانت على يدي موسى عليه السلام.
وملخص القصة انّ فرعون تجبّر وتكبّر وعتا وطغى , وأعرض عن طاعة الله عزوجل ,وآثر الحياة الدنيا, ، وجعل الناس في مملكته شيعا, حيث قسم رعيته إلى أقسام وفَرِقٍ وأنواع ، ومن بين هؤلاء الفرق اختار فرقة بني اسرائيل الذين هم منسلالة نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، وكانوافي ذاك الزمان من خيار أهل الأرض. وعلى الرغم من أنّ فرعون هذا الملك الظالم الغاشم الكافر الفاجر استعبدهم واستخدمهم في أخس الصنائع والحرففقد أخذ يُبّحُ أبناءهم ويبقي نساءهم أحياء, وكان الدافع له على هذا الصنيع القبيح توافد بشارة مشهورة في بني اسرائيل مفادها أنّ غلاماّ منذرية ابراهيم عليه الصلاة والسلام سيولد وسيكون هلاك ملك مصر على يديه,ووصلت هذه البشارة إلى فرعون بطريق بعض أمرائه , فأمر عند ذلك بقتل أبناءبني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام وهو لا يدري أنه لا يغني حذر من قدر.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: أن فرعون رأى في منامه كأن ناراً قد أقبلت مننحو بيت المقدس فأحرقت دور مصر وجميعَ القبط ولم تضر بني إسرائيل. فلمااستيقظ هاله ذلك فجمع الكهنة والسحرة وسألهم عن ذلك؟ فقالوا: هذا غلاميولد من هؤلاء يكون سبب هلاك أهل مصر على يديه فلهذا أمر بقتل الغلمان ,وليس هذا فحسب بل أن فرعون احترز كل الاحتراز من ولادة هذا الغلام, لدرجةأنه كلّف رجالا ونساءً يدورون على الحوامل, بغية احاطتهم بموعد ولادتهنّ,حتى اذا علموا بامرأة قد ولدت ذكراً ذبحهوه من ساعة مولده.
ولكن لا رادّ لأمر الله ومشيئته , ففرعون ذاك الملك المتجبر والمغرور بكثرةجنوده لم يستطع أن يوقف أمر الله عزوجل في مشيئته بانْ يُربي في حجره ذالكالغلام الذي ستكون نهايته على يديه , هذا المولود الذي يحترز منه، وقد قتلبسببه من النفوس البريئة ما لا يعد ولا يحصى , لا تكون تربيته إلا فيداره، وعلى فراشه , ولا يُغذى إلا بطعامه وشرابه وفي منزله، وأنه هو الذي سيتبناه ثم يكون هلاكه في دنياه وأخرته على يديه، فقط ليعلم هو وسائرالخلق أن رب السماوات والأرض هو الفعال لما يريد.
وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن أعوان فرعون شكوا إلى فرعون قلة بني إسرائيل بسبب قتل ولدانهم الذكور , وخشي أن يفنى الكبار مع قتل الصغار فيكون مصيرهم العمل في أعمال الخدمة بدل بني اسرائيل, عند ذلك أمر فرعون بقتل الأبناء عاماً، وتركهم عاما، فذكروا أن هارون عليه السلام ولد في عام المسامحة عن قتل الأبناء، وأن موسى عليه السلام ولد في عام قتلهم ، فضاقت أمه موسى عليه السلام بحملها ذرعاً , وكانت حريصة جدا ألا تظهر عليهاأعراض وعلامات الحمل, ولما وضعته ألهمها الله عزوجل أن تتخذ له تابوت اًتربطه بحبل فترسله في البحر وتربط طرفه ألآخر عندها, فإذا ذهبوا استرجعتهإليها به, حتى اذا كان يوما فألقته في البحر ونسيت أن تربط طرف الحبلعندها , فذهب مع النيل , فمر بدارفرعون , فالتقط التابوت جواري القصروحملوه ووضعنه بين يدي أسية بنت مزاحم أمرأة فرعون رضي الله عنها, فلما فتحت الباب وكشفت الحجاب رأت وجهه يتلألأ بتلك نورا، فما وقع نظرها عليه حتى أحبته حباً شديداً جداً وتعلقت به, فلما جاء فرعون سألها: ما هذا؟وعندما علم أنه غلام أمر بذبحه، الا أنّ امرأته استوهبته منه وقالت قولهتعالى: قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ .. فقال لها فرعون: أما لك فنعم وأما لي فلا حاجة لي به.
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: وَأَوْحَيْنَاإِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ،وَقَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
لم يهنأ بال أم موسى عليه السلام هلعا وجزعا على ابنها , حتى كاد قلبها أن يلفظ كل شيء في الدنيا الا من ولدها عليه السلام , ولولا أنّ الله عزوجل منحها الصبر والقوة على فراق ابنها لأظهرت أمرة ولسألت عنه جهرة , فطلبت من ابنتها الكبرى ان تتقصى اخباره , فعرفت أنّ اخاها لم يقبل ثدياً ليرضع منه, وعندما وجدتهم وقد حاروا في أمره أرسلوه مع النساء إلى السوق على أمل أن يجدون من يقبل ثديها, وبينما هم وقوف به, والناس عكوف عليه, إذ رأته أخته, فتجاهلت أنها تعرفه, وعرضت عليهم أن تدلهم على من يكفله ويرضعه,وينصحوا له, فقالوا لها: وما يدريك بنصحهم وشفقتهم عليه؟ قالت: رغبة فيسرور الملك، ورجاء منفعته, عندها ذهبوا معها الى منزلهم, وما أن أخذته امهبين أحضانها حتى التقم ثديها, وعندما رأينه وقد أخذ يمتصه ويرتضعه بنهم ،فرحوا بذلك فرحاً شديداً، وذهب البشير إلى آسية أمرأة فرعون رضي الله عنها يُعلمها بذلك، الأمر الذي جعلها تستدعيها إلى منزلها , وهناك عرضت عليهاأن تكون حاضنته عندها في البيت وتحسن إليها, الا أنها أبت عرضها لمسئوليتها العظيمة في خدمة زوجها وأولادها, ثم قال لها: ان ترغبين في أن ترسليه معي، يكون لك ذلك, فاضطرت امرأة فرعون رضي الله عنها لرغبتها وأرسلته معها , وجعلت لها راتباً شهرياً مع تأمين جميع مستلزمات المعيشة له, وهكذا أعاد الله عزوجل موسى عليه السلام الى حضن أمه وقد جمع الله شمله بشملها.
وهذا ما عبّرعنه القرآن الكريم بقوله تعالى: : وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ،وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ، فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
ولما بلغ موسى عليه السلام مرحلة الشباب والقوة, دخل المدينة فوجد فيها رجلان يتضاربان , أحدهما إسرائيلي و الآخر قبط, فلما استنجد ذلك الإسرائيلي بموسى عليه السلام على أن يعينه على ذلك القبطي أقبل إليه موسى فطعنه بكفه فمات على الفور, ولم يرد موسى عليه السلام قتله وإنما أزاد زجره وردعه, ثم عندما أيقن أنه ظلم نفسه بقتل القبطي أقرذؤ واعترف بذنبه لله عزوجل وطلب منه تعالى أن يغفر له , فاستجاب الله عوجل لدعاء نبيه عليه السلام.
يقول المولى تبارك وتعالى مثصَوِّرا لنا هذا المشهد بقوله :
وَلَمَّابَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُالرَّحِيمُ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ
بعد ذلك أصبح موسى عليه السلام بمدينة مصر خائفاً من فرعون ان علم أن هذا القتيل الذي رفع إليه أمره إنما قتله لنصرة رجل من بني إسرائيل , فتقوىظنونهم أن موسى منهم ويترتب على ذلك أمر عظيم.
فصارلا يسير في المدينة دون أن يتلفت يمنة ويسرة خوفا من الكتشاف أمره, فبينما هو كذلك إذا هو بذاك الرجل الإسرائيلي الذي اعانه بالأمس يطلب أن يعينه على آخر قد قاتله، فعنّفه موسى عليه السلام, ولامه على كثرة شرور هو مخاصمته للآخرين، ثم قال له قوله تعالى: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ.. ثم أراد أن يبطش بذلك القبطي الذي هو عدو لموسى عليه السلام وللإسرائيلي فيردعه عنه ويخلصه منه , فلما عزم على ذلك وأقبل على القبطي , قال له القبطي قوله تعالى: قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ
ولمابلغ فرعون أن موسى عليه السلام هو قاتل ذلك القبطي, أرسل في طلبه , الاأنذ الله تعالى أرسل الى موسى عليه السلام من يخبره بنية فرعون, وهذا ماعبّر عنه القرآن الكؤيم بقوله تعالى:
فَأَصْبَحَفِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ،فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأَرْضِ وَمَاتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْمُصْلِحِينَ، وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ، فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ
خرج موسى عليه السلام من مصر خائفاً يتلفت خشية أن يدركه أحد من قوم فرعون وهولا يدري أين يتوجه، ولا إلى أين يذهب، وذلك لأنه لم يخرج من مصر قبلها.حتى اذا وصل مدين وجد بئراً يستقون منها. ووجد أمرأتين وقد تعذر وصولهماالى البئر لتسقيان غنمهما, فسألهما عن حالهما , فقالتا : لا نقدر على ورودالماء إلا بعد صدور الرعاء لضعفنا وسبب مباشرتنا هذه الرعية ضعف أبيناوكبره , قال المفسرون: أن الرعاة كانوا إذا فرغوا من وردهم وضعوا على فم البئر صخرة عظيمة فتجئ هاتان المرأتان فيشرعان غنمهما في فضل أغنام الناس،فلما كان ذلك اليوم جاء موسى فرفع تلك الصخرة وحده. ثم استقى لهما وسقى غنمهما ثم رد الحجر. كما كان. قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه وكان لايرفعه إلا عشرة وإنما استقى ذنوباً واحدا فكفاهما.
ثم تولى إلى الظل وقال قوله تعالى: فقال رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ.
فذهبتاالمرأتان إلى أبيهما شعيب عليه السلام, وأخبرتاه بما كان من أمر موسى عليهالسلام، فأمر إحداهما أن تذهب إليه فتدعوه, فتقدمت منه بحياء وخجل شديد قالت له: انّ ابي يدعوك اليه ليجزيك أجر ما سقيت لنا, فلما جاءه موسى عليه السلام أكرم شعيب عليه السلام مثواه , ولما قص عليه ما كان من أمره,بشّرَهُ شعيب عليه السلام بأنه قد نجا من الظلمة، وعند ذلك طلبت إحدىالبنتين من أبيها أن يجعله يعمل على رعي غنمهم، ثم مدحته أمام أبيها بأنه قوي أمين, عندها عرض عليه شعيب عليه السلام ان يزوجه احدى ابنتيه مقابل أن يخدمه ثمان سنين, فوافق موسى عليه السلام وجعل الله عزوجل خير الشاهد ينشاهدا بينهما على ما اتفقا عليه.
قال عمر وابن عباس رضي الله عنهم: لماقالت ذلك قال لها أبوها وما علمك بهذا؟ فقالت إنه رفع صخرة لا يطيق رفعهاإلا عشرة. وأنه لما جئت معه تقدمت أمامه فقال كوني من ورائي فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق.
وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: ولمّا توجَّهَ تلقاء مدين وجدَ عليهِ أُمّةً من الناس يسقونَ ووجدَ من دونهمُ امرأتينِ تذودانِ, قالَ ما خطبُكثما, قالتا لا نَسقي حتى يُصدِرُ الرعاءُ, وأبونا شيخٌ كبيرٌ* فسقى لهما ثمّ تولَى الى الظلِّ فقال ربّ انِّي بماأنزلتَ اليَّ من خيرٍ فقيرٍ* فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَاسَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لاتَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ، قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ، قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ.
وعن عتبة بن النُدْررضي الله عنه , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن موسى آجر نفسه بعفة فرجه وطعام بطنه. فلما وفى الأجل، قيل: يا رسول الله أي الأجلين؟ قال: أبرهما وأوفاهما.
فلما سار موسى عليه السلام بأهله ( زوجته وولديه) ، وغنم له قد استفادها مدة مقامه
وكان ذلك في ليلة مظلمة باردة وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلى السلوك فيالدرب المألوف، واشتد عليهم الظلام والبرد, فبينما هو كذلك إذ راى بجانبجبل الطور ناراً مشتعلة , فـ قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ, أي لعلي أستعلم منها الطريق , وقوله: أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ, فدلَّ على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة.
قال غير واحد من المفسرين لما قصد موسى عليه السلام إلى تلك النار التي رآها فانتهى إليها وجدها تأجج في شجرة خضراء من العوسج، وكل ما لتلك النار في اضطرام وكل ما لخضرة تلك الشجرة في ازدياد، فوقف متعجباً، وكانت تلك الشجرة في لحف جبل غربي منه عن يمينه، كما قال تعالى: وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ, وكان موسى عليه السلام في واد مقدّسٍ اسمه طوى فكان موسى مستقبل القبلة، وتلك الشجرة عن يمينه من ناحية الغرب : إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى, فأمره الله عزوجل بأن بخلع نعليه أولاً تعظيماً وتكريماً وتوقيراً لتلك البقعة المباركة ولاسيما في تلك الليلة المباركة, ثم خاطبه الله عزوجل بأنه سبحانه وتعالى رب العالمين ولا اله الا هو ولا تنبغي العبادة واقامة الصلاة الا لجلال وجهه سبحانه وتعالى.
ثم أخبره عن هذه الدنيا الفانية بأنها دار ممر لا مقر, وأنّها ليست بدار قرار, وإنما الدار الباقية هي اليوم الآخر, يوم القيامة , يوم الحساب,الذي لابد من كونه ووجوده , لماذا؟ليتخذ كل نفس نصيبها من خير أو شر, وحثّهُ على العمل لهذا اليوم , وأن يتجنب كل كافر عنيد لا يُؤْمنُ بهذا اليوم , أو يتبع هواه فيعصيه سبحانه وتعالى, لماذا, لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى.
ثم قال له مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء، والذي يقول للشيء كن فيكون. ثمسأله الله عزوجل عن العصاة التي تلازمه, فقال عليه السلام: أنها عصاته يتوكأ عليه ويهشّ بها غنمه, ومن هنا بدأت قصة العصاة وانقلابها الى أفعى ضخمة, حية عظيمة هائلة بأنياب تصطك بعضها ببعض بسرعة حركة أخاف موسى عليه السلام , فهرب منها دون أن يلتفت اليها, عندها هدأالله عزوجل من روعه وطمأنه بأن يعود اليها ويمسكها, وبمجرد امساكها ستعودعصاة كما كانت, ثم أمره الله عزوجل بأن يدخل يده في جيبه ويُخرجها, فلمافعل وجدها بيضاء تتلألأ كالقمر الفضي في كبد السماء الصافية, وقد أذهبعنها ما كان بها من علة ومرض , من غير برصٍ ولا بَهَق, وهذا ما عبّر عنهالقرآن الكريم بقوله تعالى:
فَلَمَّاقَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِنَاراً قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنْ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ، فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّارَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ، اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنْ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ
ثمّ أمره الله سبحانه و تعالى بالذّهاب إلى فرعون, فخشي الذهاب لسببين:أولهما: قتله الرجل القبطي الفرعون, وثانيهما: تأتأته في كثير من الكلام،وقد قيل أنّ سبب هذه التاتاته لثغة أصابته في لسانه وهو صغير من جراء جمرةوضعها عليه حين أراد فرعون اختبار سلامة عقله حين أخذ بلحيته وهو صغير،فهمَّ فرعون بقتله فخافت عليه آسية، وطلبت من فرعون: بإنه طفل لا يدركشيئا, فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه، فعندما همَّ بأخذ التمرة , صرففرعون يده إلى الجمرة, فأخذها فوضعها على لسانه, فأصابته للثغة بسببها،فسأل موسى أن يعالجوا له بعضها كي يفهوا قوله, ولو سألهم أن يعالوجها بالكلية لفعلوا ولكنها حكمة الله.
وسأل موسى عليه السلام ربه عزوجل أن يقوّي عزيمته بالذهاب الى فرعون بأخيه هارون عليه السلام الذي كان أفصح منه لسانا, واجعله رفيقي في هذه الرحلة كي يعينني على آداء مهمتي, فآتاه الله عز وجل سؤله ، وحلّ عقدة من لسانه،وأوحى الله تعالى إلى أخيه هارون بأن يلقى موسى عليهما السلام ويرافقه برحلته الى فرعونو وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى:
قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِي،وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِي * واجعلْ لي وزيراً مِنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي،وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً، وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً، إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَامُوسَى
فلما ذهبا الى فرعون وبلّغاه ما أرسلا به من دعوته إلى عبادة الله تعالى وحده لا شريك له، وأن يفكَّ أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاؤا ويتفرّغون لتوحيده ودعائه والتضرّع لديه, عندهاتكبرت نفس فرعون , وعتا وطغى وتجبر, ثم نظر الى موسى عليه السلام ببعض الازدراء والتنقيص قائلا له: لعلك نسيت ما كنت فيه؟ أنسيت أنك نشأت فيقصرنا وربيناك كل تلك السنوات؟ أنسيت ذلك الرجل القبطي الذي قتلته, وهربتمنا وعضضت اليد التي امتدت اليك بالنعمة عليك والاحسان اليك؟ فأجابه موسى عليه السلام: ما تقوله كان قبل أن يكلفني الله عزوجل بالرسالة, ثم ما الذيتقوله بما امتننت به عليّ من التربية والاحسان الي؟ فالنعمة التي ذكرت منأنك أحسنت إليّ وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تُقابل ما استخدمتناواستعبدتنا في أعمالك وخدمتك وأشغالك.
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة الشعراء 23- 28
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ* قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ * قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمْ الأَوَّلِينَ * قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمْ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ * قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَاإِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ.
فلما جحد فرعون وأنكر ربوبية الله تبارك وتعالى وصنعه وخلقه , وزعم انه هو الرب و الاله, بقوله قول الله تعالى في سورة القصص 38- 42: وقال فرعونُ يا أيها الملأُ ما علمتُ لكمْ من الهٍ غيري فأوقدْ يا هامانَ على الطينِ فاجعلْلي صَرْحاً لعلّي أطّلعُ الى اله موسى واني لأظنُّهُ من الكاذبين* واستكبرهو وجنودهُ في الأرضِ بغيرِ الحقِّ وظنّوا أنهمْ الينا لا يُرجعون*وجعلناهُمْ أئمةً يدعونَ الى النارِ ويومَ القيامةِ لا يُنصرون * فأخذناهُ وجنوده فنبذناهم في اليمِّ فانظر كيف كان عاقبةُ الظالمين* وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنةً ويومَ القيامة هم من المقبوحين
واستمرّ فرعون على طغيانه وعناده وكفرانه فلما قامت الحجج على فرعونوانقطعت شبهته ولم يبق له قول سوى العناد عدل إلى استعمال سلطانه وجاههوسطوته, قال فرعون قوله تعالى في سورة الشعراء 29- 33: قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَ غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ* قَالَفَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَاهِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ* وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُلِلنَّاظِرِينَ.
وهكذالما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها أخرجها وهي كفلقة القمرتتلألأ نوراً تبهر الأبصار فإذا أعادها إلى جيبه رجعت إلى صفتها الأولى.
ومع كل هذه المعجزات التي اتى بها موسى عليه السلام لم تقنع فرعون لعنه الله بشيء, بل استمر على ما هو عليه من كفرٍ وعنادٍ وتجبرٍ ، وادعى بأنذ كل ماجاء فيه موسى عليه السلام ما هو الا سحر تستدمه معنا لتخرجنا من ديارنا,وان كنت تعتقد نفسك بأنك ساحرا ماهرا فما عندنا من السحرة أقوى وأشد, ولكينريك ما نقول فاضرب بيننا موعداً مؤكدا لا يتخلف عنه أحدنا, فوافق موسىعليه السلام رغبة فرعون , واختار يوم عيد سنوي يحتفل به فرعون وقومه كل عام, على أن يكون نهاراً في أول النهار , في وقت اشتداد ضياء الشمس رغبة من موسى عليه السلام في أن الحق والبرهان على رسالته أظهر وأجلى، لأنه على بصيرة من ربِّه ويقين بأن الله سيظهر كلمته ودينه, وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة طه 56- 59:
وَلَقَدْأَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى، قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى، فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى، قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى
فذهب فرعون فجمع السحرة من مصر كلها في ذلك الزمان المملوءة بسحرة ماهرين في فنهم غاية المهارة ، وهؤلاء السحرة أيضا جمعوا له من كل بلد، ومن كل مكان،فاجتمع منهم خلق كثير, وحضر فرعون وحاشيته من أمراء وحاشية وخدم , وأهل دولته عن بكرة أبيهم , فتقدّم موسى عليه السلام الى السحرة يعظهم ويزجرهم في أن يتعاملوا مع السحر الباطل المعارض لآيات الله عزوجل , وخوّفهم بعذابالله عزوجل ان هم تعاملوا مع السحر, الأمر الذي انقسم فيه السحرة الىفريقين, فريق قال:
هذا كلام نبي وليس بساحر، وفريق قال: بل هو ساحر فالله أعلم. وأسرّوا التناجي بهذا وغيره.
اصطفَّ السحرة , ووقف موسى وهارون عليهما السلام مقابلا لهم, وقالوا: اما أن تلقي أنت أولا أو نحن أولا, فطلب موسى عليهم السلام أن يلقوا هم أولا, وكانواقد أخذوا حبال وعصيّ فملؤها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك. فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم وألقوا حبالهم وعصيهم ,وحلفوا بعزة فرعون أنهم هم الغالبون, فلما رأى موسى عليه السلام سحرهمخاف, فقال له الله عزوجل لا تخاف يا موسى انك أنت الأعلى, ألق ما في يمينك لتبتلع كل ما سحروا به أعين الناس بلحظة, انما هو سحرٌ أتوا به ولا يفلحالساحر سحره, فألقى موسى عليه السلام عصاه فاذا هي حية عظيمة , ذات عنق عظيم, وشكل هائل مرعب, لدرجة أنّ بعض الناس المتجمهرة فرّت من المكان خوفاوهلعا من منظرها, ثم أقبلت الحية على ما ألقون من الحبال والعصي وابتلعتهاواحدة واحدة في لمح البصر, والناس تظر في ذهول وعجب, بينما السحرة عندمارأوا ذلك أيقنوا بأنّ ما جاء به موسى ليس بسحر ولا بشعوذة ولا بخيال, بلانه الحق لا يقدر عليه الا الحق, وكشف الله عزوجل الغشاوة عن قلوبهممنيبين الى ربهم سبحانه وتعالى وخروا له عزوجل ساجدين وهم يقولون جهاراأمام كل الحاضرين ودون خوف أو وجل من فرعون وجنوده قوله تعالى: آمنا بربّ موسى وهارون, فاعتبهم فرعون على ايمانهم بالله عزوجل قبل أن يستأذنوه بذلك, فردواعليه بأنهم يطمعون بأن يغفر الله عزوجل لهم ما ارتكبوه من معاصٍ وآثام,وأن يدخلهم الله عزوجل برحمته جناته جنات النعيم, من منطلق أنّ الانتقالمن الكفر للايمان يجبُّ ما قبله, ثم قالوا لفرعون: ولن نأبه لك بما ستفعلبنا , فالدنيا مقياسا الى الآخرة أمر يسير لا تذكر, وهذا ما عبّر عنهالقرآن بقوله تعالى في سورة القصص:
قَالُوايَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى، فَأَوْجَسَ فِينَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى، قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى،وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُواكَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُحَيْثُ أَتَى * وأوحينا الى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون، فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ، فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ، وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * فأُلقيَ السحرةُ سُجَّداً قالوا آمنّا بربِّ هارونَ وموسى قال آمنتم لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ، قَالُوا لاضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ، إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ.
وحين آمنت السحرة بالله عزوجل الها واحد لا شريك له و رجع فرعون لعنه الله مغلوباً مغلولاً يابى إلا الاقامة على الكفر والتمادي في الشر , وقد حرضهالامراء و الوزراء من حوله على االحاق الأذى بفرعون ذية موسى عليه السلاموعدم تصديقه , وعلى قتل غلمان بنى اسرائيل الذين آمنوا به زيادة فى اذلالهم و مهانتهم , فسلط الله عزوجل عليه وعلى جنده بعقوبات وعذاب منعنده سبحانه وتعالى فارسل عليهم عذابا اوله الطوفانالذي غمر الأرض بماء عمّها كلها دون أن تبتلعه فبي بطنها, فركد الماءوأسن, ليمنعهم من الحراثة والزرع حتى تضوروا جوعا, فلما لم يقوَوْا علىتحمل ما حلّ بهم من العذاب, طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعوا ربه عزوجل فيكشف عنهم هذا البلاء الذي هم فيه, فاستجاب لهم موسى عليه السلام ودعاالله عزوجل بأن يكشف عنهم البلاء فاستجاب الله تعالى لدعوته , ولما لميلتزموا بالوعد ارسل الله عليهم الجراد,فأكل الشجرو حتى مسامير الأبواب الحديدية أكلها حتى تقع عليهم مساكنهم,فلما لم يقوَوْا على تحمل ما حلّ بهم من العذاب, طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعوا ربه عزوجل فيكشف عنهم هذا البلاء الذي هم فيه, فاستجابلهم موسى عليه السلام ودعا الله عزوجل بأن يكشف عنهم البلاء فاستجاب الله تعالى لدعوته , ولما لم يلتزموا بالوعد أرسل عليهم القُمّلالذي غزا بيوتهم وفراشهم وأطعمتهم فأفسد عليهم معيشتهم, فلما لم يقوَوْاعلى تحمل ما حلّ بهم من العذاب, طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعوا ربه عزوجل فيكشف عنهم هذا البلاء الذي هم فيه, فاستجاب لهم موسى عليه السلامودعا الله عزوجل بأن يكشف عنهم البلاء فاستجاب الله تعالى لدعوته , ولمالم يلتزموا بالوعد أرسل عليهم الضفادع,فملأت البيوت والأطعمة والأواني لدرجة أنهم باتوا لا يكشفون ثوبا أو طعاماأو شرابا الا وجدوا تحت أو فيه ضفدعة منها , فلما لم يقوَوْا على تحمل ماحلّ بهم من العذاب, طلبوا من موسى عليه السلام أن يدعوا ربه عزوجل فيكشفعنهم هذا البلاء الذي هم فيه, فاستجاب لهم موسى عليه السلام ودعا اللهعزوجل بأن يكشف عنهم البلاء فاستجاب الله تعالى لدعوته , ولما لم يلتزموابالوعد أرسل الله عزوجل عليهم الدم, وصارت مياه آل فرعون كلها دماً , وسواءً أخذوها من بئر أم نهر تنقلب بعدأخذها دما, والشيء الملفت للنظر أنّ كل هذا العذاب كان لأل فرعون فقط دونغيرهم من الناس , فبنو اسرائيل لم يعانوا بما عانوا منه آل فرعون أبدا, بلكانوا يمارسون حياتهم طبيعية جدا, ولم ينل بنو اسرائيل أي شيء مما ناله آلفرعون أبدا, ولعلّ هذا من تمام المعجزة الالهية الباهرة, وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى في سورة الاعراف 130- 136- :
وَلَقَدْأَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* فَإِذَا جَاءَتْهُمْ الْحَسَنَةُ قَالُوالَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْمَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَاعَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ * ولمّا وقع عليهم الرجزَ ُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إسرائِيلَ* فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ* فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّبِ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ
ولما تمادى أهل مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم طاعةً لفرعون, ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام؛ مكنّه الله عزوجل من الاقامةعلى أهل مصر ليريهم من الحجج العظيمة القاهرة من خوارق العادات ما يبهرالأبصار ويحير العقول، ومع كل هذا وذاك لا زال العتاد والتكبر يهيمن عليهم, فلا يرعوون ولا ينتهون ولا ينزعون ولا يرجعون, ولم يؤمن لموسى عليهالسلام الا السحرة وقليل من قوم فرعون , الى جانب جميع بنو اسرائيل ولكندون أن يظهروا ايمانهم خوفا من بطش فرعون وجبروته وتسلطه, وعند ذلك اوحىالله عزوجل الى موسى وأخيه هارون عليهما السلام ان يتخذا لقومهما
بيوتاًخاصة بهم تميزهم عن بيوت اتباع فرعون لأمرين: اولهما: ليعبدوا الله عزوجلفيها, وثانيهما: كي يبقوا على أهبة من الرحيل متى أُمروا به بغية أن يعرفبعضهم بعضاً.
وذات يوم استأذنبنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم فأذن لهم مكرهاً ، ولكنهم تجهزواللخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده ليتخلّصوامنهم ويخرجوا عنهم, ولما أحسّ فرعون بكيد بنو اسرائيل لحقهم بالجنودفأدركهم عند شروق الشمس وتراءى الجمعان ورأى كلٌّ من الفريقين صاحبهوتحققه ولم يبق إلا المقاتلة , فعندها قال أصحاب موسى عليه السلام وهمخائفون قوله تعالى في سورة الشعراء:إنا لمُدركون،وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق الا سلوكه وخوضه.وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وفرعون وجنده عنيمينهم, فشكوا إلى نبي الله ما هم فيه مما قد شاهدوه , فقال لهم موسى قولهتعالى في سورة الشعراء: كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي, ونظر موسى عليه السلام الى البحر المتلاطم بأمواجه العاتية وهو يقول: ها هنا أمرت فلماتفاقم الأمر وضاق الحال واشتد الأمر واقترب فرعون منهم, عند ذلك أوحىالحليم العظيم القدير ربُّ العرش الكريم إلى موسى الكليم بان يضرب بعصاهالبحر لينفلق الى قسمين, كل قسم كالجيل العظيم,
ويقال: أنّالبحر انفلق اثنتي عشرة طريقا لكل سبط طريق يسيرون فيه, وأمر الله تعالىموسى عليه السلام أن يتجاوزه ببني إسرائيل , فانحدروا فيه مسرعين مستبشرينمبادرين, فلما جاوزوه وخرج أخرهم منه وانفصلوا عنه , كان ذلك عند قدوم أولجيش فرعون إليه ووفودهم عليه, فأراد موسى عليه السلام ان
يضربالبحر بعصاه مرة أخرى ليرجع كما كان عليه لئلا يكون لفرعون وجنوده وصولإليه، ولا سبيل عليه، فأمره القدير ذو الجلال والاكرام أن يترك البحر علىحاله ساكنا على هيئته, وهذا قوله تعالى في سورة الدخان: وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا انهم جندٌ مغرقون
امتثل موسى عليه السلام لأمر الله عزوجل وتركه على هيئته وحالته , وما أن وصلاليه فرعون ورأى ما رأى وهاله المشهد العظيم أيقن في قرارة نفسه أنّ هذاليس من فعل موسى عليه السلام وانما من فعل ربّ على كل شيء قدير,رب موسى ورب العرش الكريم , فتوقف ولم يتابع سيره باللحاق بموسى عليه والسلام وقومه, الا أنه أظهر لجنوده عكس ما يُبطن تجلدا وعناداً وكفراً,وحملته نفسه الكافرة الجاحدة المتجبرة المتكبرة على ان يعبر بجنوده البحرمثل بنى اسرائيل, وما أن همّ فرعون وجنوده بعبور البحر حتى أوحلى اللهعزوجل لنبيه موسى عليه السلام بأن يضرب بعصاه البحر, فضربه موسى عليهالسلام ضربةً ارتطم معها البحر عليهم أجمعين, وعندما أيقن فرعون من غرقه, اعترف بوجود الله عزوجل وآمن بالله عزوجل يوم لا ينفع نفس ايمانها.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما قال فرعون: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائِيلَ, قال لي جبريل: لو رأيتني وقد أخذت من حال البحر فدسته في فيه مخافة أن تناله الرحمة.
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى في سورة الشعراء 51- 68
وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الؤمنين * وأوحيناالى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ* إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ* وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ* فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍوَمَقَامٍ كَرِيمٍ، كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إسرائِيل َ*فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَأَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ* قَالَ كَلا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِي* فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ*وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ* وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ* ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ* إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ* وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُالرَّحِيمُ. | |
|