ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
معجزة رحلة الاسراء والمعراج يقول المولى تبارك وتعالى مفتتحا سورة الاسراء سُبحـانَ ٱلَّذِى أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلاً۬ مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِى بَـارَكۡنَا حَوۡلَه ۥ لِنُرِيَه ۥ مِنۡ ءَايَاـٰتِنَا إِنَّه ۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ويقول المولى تبارك وتعالى في سورة الاسراء 60 وَمَا جَعلنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيناكَ إِلَّا فِتۡنَةً۬ لِّلنَّاسِ ويقول المولى تبارك وتعالى مفتتحا سورة النجم وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ* إِنۡ هُوَ إِلَّا وَحۡىٌ۬ يُوحَىٰ *عَلَّمَهُ ۥ شَدِيدُ ٱلۡقُوَىٰ* ذُو مِرَّةٍ۬ فَٱسۡتَوَىٰ* وَهُوَ بِٱلۡأُفُقِ ٱلۡأَعلَىٰ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوۡسَيۡنِ أَوۡ أَدۡنَىٰ * فَأَوۡحَىٰٓ إِلَىٰ عَبۡدِهِۦ مَآ أَوۡحَىٰ مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ * أَفَتُمَـٰرُونَهُ ۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ * وَلَقَدۡ رَءَاهُ نَزۡلَةً أُخۡرَىٰ عِندَ سِدۡرَةِ ٱلۡمُنتَهَىٰ * عِندَهَا جَنَّةُ ٱلۡمَأۡوَىٰٓ * إِذۡ يَغۡشَى ٱلسِّدۡرَةَ مَا يَغۡشَىٰ مَا زَاغَ ٱلۡبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ * لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَـٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ انّ النبي صلى الله عليه وسلم كان بحاجة إلى أن أمرين اثنين كي يستعين بهماعلى المضي قدما في تبليغ أمر الله عزوجل, فقيّض الله له الأمر الأولوالمتمثل بعمه ابو طالب الذي كان يحميه منأذى المشركين، وكان عدم إسلامه واستجابته لما يدعو اليه ابن أخيه صلى الله عليه وسلم سببًا لمجاملة الكفار له، وقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلته يحميه من اذى وبطش قريش أما الأمر الثاني فقد تمثل بزوجته الفاضلة السيدة خديجة بنت خويلد رضيالله تعالى عنها والتي كان يأوي اليها في ساعة راحته وسكونه وهدوئه فيالبيت، فكانت السكن الذي يلجأ إليه رسول الله في البيت، فتمسح رضي الله عنها بيد الحنان وبيد العطف وبيد الرعاية على متاعبه من حركة الحياة التي يحياها عليه الصلاة والسلام ولكن مشيئة الله عز وجل اقتضت أن تموت السيدة زوجه الحنون الرؤوم خديجة رضي الله عنها ليعقبها في نفس العام موت عمه أبو طالب، وذلك في العامالعاشر من البعثة النبوية , وبموتهما يفقد النبي صلى الله عليه وسلمالسكن الذي كان يأوي إلى حنانه وعطفه، ومعه عمه الذي كان يحميه من اذىالمشركين ومع استقرار النبي صلى الله عليه وسلم على واقعه الجديد بعد موت زوجته السيدة خديجة رضي الله عنه وعمه أبو طالب بدأ يخطط لينطلق بالدعوة التي كلفه الله عزوجل بها، فما كان منه في هذا الجو الخانق بمكة إلا أن يلتمس يقوم برحلته إلى الطائف والتي تبعد عن مكة حوالي 100كيلو متر. فتوكل على الله وقطعها ماشيا على قدميه الشريفيتين وبرافقه مولاه زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكان كلما مرّ على قبيلة في الطريق دعاهم إلى الاسلام وأقام النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل الطائف حوالي عشرة أيام، الا أنهم لم يستجيبوالدعوته عليه الصلاة والسلام, وليس هذا فحسب بل سلطوا عليه صبيانهم ليرموه ويقذفوه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفيتين عليه الصلاة والسلام, وكان زيد بن الحارثة رضي الله عنه يقيه بنفسه حتى أصابه جرح كبير في رأسه انّ الله تبارك وتعالى وكما مرّ معنا آنفا أكرم نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بهذه الرحلة الربانية مواساة له عليه الصلاة والسلام بعد تعرضه لأحداث جسام أدمت قلبه الرقيق وأولها وفاة زوجته السيدة خديجة أولى أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها, ومن ثمّ عمه أبو طالب والذي كان يشكل الدرع الواقي له من غدر المشركين, وانتهت برحلة الطائف بعدما صدّه أهلها وأدموه وآذوه صلى الله عليه وسلم دون ذنب ارتكبه الا قوله لهم ربيّ الله, دعاهم الى توحيد الله تبارك وتعالى الها واحدا لا شريك له, الىدين الله عزوجل دين الاسلام الذي ارتضاه الله عزوجل لعباده ليكون خاتم الأديان السماوية, كما في قوله تبارك وتعالى في سورة آل عمران: انّ الدين عند الله الاسلام لقد جاءت رحلة الإسراء والمعراج في خِضَمِّ أحداث اشتد وقعها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان لهذه الرحلة مقدمات كثيرة كانت بمثابة تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم ليقبل على هذه الرحلة مستشعرًا حاجته وحاجةالأمة كلها وما كاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ينكص على عقبيه من الطائف برافقه زيد بن الحارثة رضي الله عنه بعدما ردّه أهلها ردا شنيعا, , الأمر الذي دعاه صلى الله عليه وسلم لأن يرفع أكف الضراعة الى بارئه تبارك وتعالى في دعاء تشفُكلماته وعباراته عن أسمى آيات الايمان بالله عزوجل, وصدق اليقين بالله تبارك وتعالى, وغاية التوكل على المولى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد, والتسليم المطلق لله تبارك وتعالى مالك الملك ذو الجلال والاكرام سبحانه وتعالى عما يشركون دعاء النبي صلى الله وسلم بعد عودته من الطائف اللَّهُمَّ إليْكَ أشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وقِلَّةَ حِيلَتِي، وهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، أنتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أنتَ رَبُّ المسْتَضْعَفِينَ، وأنْتَ رَبِّي، إلَى مَنْ تَكِلُنِي؟، إلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي، أمْ إلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أمْرِي، إنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَليَّ فَلا أُبَالي، غَيْرَ أنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أوْسَعُ لي، أعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الذِي أشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ، وَصَلُحَ عَلَيْهِ أِمْرُ الدُّنيَا والآخِرَةِ، أنْ يَحِلَّ عَليَّ غَضَبُكَ، أو أَنْ يَنْزِلَ بِي سَخَطُكَ، لَكَ العُتْبَى حَتَّى تَرْضَى، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلا بِكَ انه هو السميع البصير وتكون أبواب السماء مفتوحة لتستقبل دعاء الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم, ويسمع السميع البصير ضراعة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم , فيثبت فؤاده،ويبين له أن جفاء الأرض له لا يعني أن السماء قد تخلت عنه، وأنه سبحانه وتعالى سيعوضه عن جفاء الأرض بحفاوة السماء، وعن جفاء عالم الناس بعالمالملأ الأعلى، فيُريه من آياته الكبرى كما مرّ معنا بسورة النجم، ومنقدرته تبارك وتعالى، ومن أسراره في كونه، ما يعطيه طاقة وشحنة إيمانية،تزيد يقينه صلى الله عليه وسلم بأن الله عز وجل الذي أراه هذا كله قادرعلى نصرته، وأنه لن يتخلى عنه، ولكن الله تركه للأسباب أولاً ليجتهد فيها،حتى يكون صلى الله عليه وسلم أسوة لأمته في عدم ترك الأسباب مع رفع أيديهاإلى السماء، وكانت هذه الرحلة الربانية المباركة ثم تابع عليه الصلاة والسلام سيره عائدا الى مكة , وفي طريقه ياتيه جبريل عليه الصلاة والسلام يقرؤه من الله تبارك وتعالى السلام ويخُصُّهُ التحية والاكرام, ويسأله انْ أراد أن يُهلك له ثقيفا جزاءً وفاقا فعلْ, فما كان منه صلى الله عليه وسلم الا أن دعا: اللهمّ اهدِ ثقيفا وما ان بلغ النبي صلى الله عليه وسلم مكة فدخلها في جوار المطعم بن عدي, وهي عادة معمول بها ومتعارف عليها عند العرب, وراح عليه الصلاة والسلام الى بيت ابنة عمته السيدة الفاضلة أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله تعالى عنها, وكانت امرأة فاضلة تقية ورعة عابدة ساجدة شديدة قوية في الحق لا تخاف في الله عزوجل لومة لائم صلى النبي صلى الله عليه وسلم عند ابنة عمه أم هانىء رضي الله عنها العشاء الآخرة ثمتدّثرَ في فراشه, وما بين العشاء الآخرة والفجر كان الله عزوجل قد اكرمنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم رحلة الاسراء والمعراج الخالدة المباركة الفريدة والذي حدث أنّ جبريل عليه الصلاة والسلام أيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من منامه ودعاه الى رحلة مباركة, خصّه الله عز وجل وحيّاه بها, لم تُتح هذه الرحلة الربانية لأحد من قبله ولن تتاح لأحد من بعده صلوات ربي وسلامه عليه وما أن خرج النبي صلى الله عليه وسيلم من دار ابنة عمه أم هانىء رضي الله عنها حتى أركبه جبريل عليه الصلاة والسلام البراق, وهو دابة بين الحمار والبغل أي أعلى من الحمار وأوطى من البغل, لها جناحان تضع قوائمها في سيرها عند منتهى بصرها وقصد به جبريل عليهما الصلاة والسلام الى بيت المقدس وفي هذه المدينة المباركة كان للنبي صلى الله عليه وسلم موعدٌ للقاء بإخوانه من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فقد اصطحبه جبريل عليه الصلاة والسلام إلى المسجد الأقصى ، وعند الباب ربط جبريل البراقبالحلقة التي يربط بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام جميعاً ، ثم دخلاإلى المسجد ، فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماماً ، وكانتصلاته تلك دليلاً على مدى الارتباط بين دعوة الأنبياء جميعاً من جهة ،وأفضليّته صلى الله عليه وسلم عليهم صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين من جهةأخرى .
ثم بدأ الجزء الثاني من الرّحلة ، وهو الصعود في الفضاء وتجاوز السماوات السبع العلى ، وكان جبريل عليهالصلاة والسلام كلما مرّ بسماء يطلب الإذن بالدخول عند الوصول إليها،فيؤذن له وسط ترحيب شديد من الملائكة بقدوم سيد الخلق وإمام الأنبياء صلىالله عليه وسلم
وفي السماء الدنيا ، التقى صلى الله عليه وسلم بآدم عليه الصلاة والسلام ، فتبادلا السلام والتحيّة ، ثم دعا له بخيرٍ ، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم جالساً وعن يمينه وشماله أرواح ذريّته ، فإذا التفت عن يمينه ضحك ، وإذا التفت عن شماله بكى ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام عن الذي رآه ، فذكر له أنّ أولئك الذين كانوا عن يمينه هم أهل الجنّة من ذرّيّته فيسعد برؤيتهم ، والذين عن شماله هم أهل النار فيحزن لرؤيتهم .
ثم صعد النبي صلى الله عليه وسلم الى السماء الثانية ليلتقي ب عيسى بن مريم و يحيى بن زكريا عليهم الصلاة والسلام ، فاستقبلاهُ أحسن استقبالٍ وقالا : مرحباً بالأخ الصالح والنبيّ الصالح
وفي السماء الثالثة ،التقى النبي صلى الله عليه وسلم أخاه يوسف عليه الصلاة والسلام وسلّم عليه ، وقد وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ..وإذا هو قد أعطي شطر الحسن ... رواه مسلم .
ثم في السماء الرابعة التقى أخيه إدريس عليه الصلاة والسلام ، ومن بعده التقى هارون عليه الصلاة والسلام في السماء الخامسة .
ثم في السماء السادسة التقى النبي صلى الله عليه وسلم أخيه موسى عليه الصلاة والسلام ، وبعد السلام عليه بكى موسى عليه الصلاة والسلام فقيل له : ما يبكيك ؟ فقال : أبكي ؛ لأن غلاماً بُعث بعدي ، يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي
ثمّ اذا وصلا السماء السابعة التقى بخليل الرحمن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، وكان مُسنِداً ظهره إلى البيت المعمور كعبة أهل السماء الذي يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ساجدين لله تبارك وتعالى لايرفعون رؤوسهم من السجود الى يوم القيامة , حتى اذا جاء يوم القيامةقالوا: سبحانك ربنا ما عبدناك حقّ عبادتك وهناك في السماء في البيت المعمور في كعبة اهل السماء استقبل إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعا له ، ثم قال : يامحمد ، أقرئ أمتك مني السلام ، وأخبرهم أنّ الجنة طيبة التربة ، عذبةالماء ، وأنها قيعان ، وأنّ غراسها : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إلهإلا الله ، والله أكبر - رواه الترمذي .
وبعد هذه السلسلة من اللقاءات المباركة ، يصعد جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ،وهي شجرةٌ عظيمة القدر كبيرة الحجم ، ثمارها تُشبه الجرار الكبيرة ،وأوراقها مثل آذان الفيلة ، ومن تحتها تجري الأنهار ، وهناك عند سدرةالمنتهى في هذا المكان المبارك يرى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه الصلاة والسلام على صورته الملائكيّة وله ستمائة جناح ، يتساقط منها الدرّ والياقوت .
ثم حانت أسعد اللحظات إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، حينما تشرّف بلقاء الله تبارك وتعالى بمكلوته وجبروته وعلياءه وكبرياءه والوقوف بينيديه ومناجاته ، لتتصاغر أمام عينيه كل الأهوال التي عايشها ، وكل المصاعب التي مرّت به ، وهناك أوحى الله عزوجل إلى عبده صلى الله عليه وسلم ماأوحى ، وكان مما أعطاه الله تبارك وتعالى خواتيم سورة البقرة ، وغفران كبائر الذنوب لأهل التوحيد الذين لم يخلطوا إيمانهم بشرك ، ثم فَرَض عليه وعلى أمّته خمسين صلاة في اليوم والليلة .
وعندما انتهى الحبيب صلى الله عليه وسلم من اللقاء الإلهيّ, مرّ في طريقه بموسى عليه الصلاة والسلام ، فلما رآه سأله : بم أمرك ربك ؟ ، فقال له : بخمسين صلاة كل يوم ، فقال موسى عليه الصلاة والسلام : انّ أمتك لا تستطيع خمسين صلاة كل يوم ، وإني قد جربت الناس قبلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف ، فعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربّه يستأذنه في التخفيف فأسقط عنه بعض الصلوات ، فرجع إلى موسى عليه الصلاة والسلام وأخبره ، فأشار عليه بالعودة وطلب التخفيف مرّةً أخرى ، وتكرّر المشهد عدّة مرّات حتى وصل العدد إلى خمس صلواتٍ في اليوم والليلة ، واستحى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يسأل ربّه أكثر منذلك ، ثم أمضى الله عزّ وجل الأمر بهذه الصلوات وجعلها بأجر خمسين صلاة ,فالحسنة بعشر امثالها وقد شاهد النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة الجنّة ونعيمها ، وأراه جبريل عليه الصلاة والسلام الكوثر انا أعطيناك الكوثر * فصلِّ لربِّك وانحرْ* انّ شانئكَ هوَ الأبنرْ والكوثر كما أخبرت السيدة عائشة رضي الله عنها فقالت: نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم, شاطئاه عليه درّ مُجَوّفٌ , آنيته كعدد النجوم..نهر في بطنان الجنة (وسط الجنة ) حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت, ترابه المسك, وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت وكان عليه الصلاة والسلام كلما مرّ بملأ من الملائكة قالوا له : يا محمد ! مر أمتك بالحجامة
وفي المقابل ، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على أحوال الذين يُعذّبون فينار جهنّم ، فرأى أقواماً لهم أظفار من نحاس يجرحون بها وجوههم وصدورهم ،فسأل جبريل عليه الصلاة والسلام عنهم فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ، ويقعون في أعراضهم ورأى أيضاً أقواماً تقطّع ألسنتهم وشفاههم بمقاريض من نار ، فقال له جبريل عليه الصلاة والسلام : هؤلاء خطباء أمتك من أهل الدنيا ، كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب
ورأى شجرة الزّقوم التي وصفها الله تعالى بقوله عزوجل في سورة الاسراء 60 : وَمَا جَعَلۡنَا ٱلرُّءۡيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيۡنَـٰكَ إِلَّا فِتۡنَةً۬ لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلۡمَلۡعُونَةَ فِى ٱلۡقُرۡءَانِۚ وَنُخَوِّفُهُمۡ فَمَا يَزِيدُهُمۡ إِلَّا طُغۡيَـٰنً۬ا كَبِيرً۬ا
وكما في قوله عزوجل في سورة الصافات 64- 65 : إِنَّهَا شَجَرَةٌ۬ تَخۡرُجُ فِىٓ أَصۡلِ ٱلۡجَحِيمِ * طَلۡعُهَا كَأَنَّه ۥ رُءُوسُ ٱلشَّيَـٰطِينِ * وكما في قوله تعالى في سورة الدخان 43- 46: إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ * طَعَامُ ٱلۡأَثِيمِ * كَٱلۡمُهۡلِ يَغۡلِى فِى ٱلۡبُطُونِ * كَغَلۡىِ ٱلۡحَمِيمِ وكما في قوله تبارك وتعالى في سورة الواقعة 51-53: ثُمَّ إِنَّكُمۡ أَيُّہَا ٱلضَّآلُّونَ ٱلۡمُكَذِّبُونَ* لَأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ۬ مِّن زَقُّومٍ۬ *فَمَالِـُٔونَ مِنۡہَا ٱلۡبُطُونَ* ورويعن النبي صلى الله عليه وسلم بما معنى الحديث: لو أنّ قطرة من شجر الزقومقطرت على الدنيا لأفسدت على الناس معيشتهم, فكيف بنا بمن ستكون طعامه يومالقيامه؟ ورأى النبي صلى الله عليه وسلم مالكاً عليه الصلاة والسلام خازن النار ثم مرّ صلى الله عليه وسلم برائحة طيبة تملأ المكان من حوله عليه الصلاة والسلام فسأل جبريل عليه الصلاة والسلام عن هذه الرائحة الطيبة فقال له: انها رائحة ماشطة بنت فرعون رضي الله تعالى عنها وماشطةهذه هي المرأة المؤمنة التي كانت تمشط شعر ابنة فرعون, فسقط من يدها المشط فقالت: بسم الله, فقالت ابنة فرعون: أبي؟ فقالت ماشطة رضي اللهعنها: بل ربي وربك ورب أبيك ، فقالت : اهناك ربّ غير أبي؟ فقالت رضي اللهعنها: ربي وربك ورب أبوك.. فقالت اذن أقول له ما تقولين..فلما النقاهافرعون وحاول أن يثنيها عن قولها أبت ورفضت أن تكفر بالله عزوجل, وأماماصرارها على الايمان بالله عزوجل فما كان من فرعون الا أن أمر ببقرة مننحاس مجوفة وأضرم فيها النار وأمر أعوانه أن يلقوا بأبناءها الأربعة واحداواحدا في جوف البقرة عله يثنيها عما تقول, فرمى الواحد تلو الآخر حتى اذاجاء دور الرضيع قال: اثبتي يا أماه فانك على الحق, ثم ألقى به وبها فيالنار, وبذلك أحرقهم فرعون جميعا ورأى صلى الله عليه وسلم الدجّال على صورته الحقيقية ، أجعد الشعر ، أعور العين ، عظيم الجثّة ، أحمر البشرة ، مكتوب بين عينيه كافر.
وفي تلك الرحلة جاءه جبريل عليه الصلاة والسلام بثلاثة آواني ، الأوّل مملوء بالخمر ، والثاني مملوء بالعسل ، والثالث مملوء باللبن ، فلما اختار النبي صلى الله عليهوسلم إناء اللبن قال جبريل عليه الصلاة والسلام: لقد أصبت الفطرة ، ثم قال: أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك ... رواه البخاري .
ورأى من آيات ربه الكبرى ما راى عليه الصلاة والسلام, وبعد كل هذه المشاهدات ،عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكّة ، وأدرك أن ما شاهده من عجائب ،وما وقف عليه من مشاهد ، لن تتقبّله عقول أهل الكفر والعناد ، فأصبح مهموماً حزيناً ، ولما رآه أبوجهل على تلك الحال جاءه وجلس عنده ثم سأله عن حاله ، فأخبره النبي صلى الله عليهوسلم برحلته في تلك الليلة ، ورأى أبو جهل في قصّته فرصةً للسخرية والاستهزاء ، فقال له : أرأيت إن دعوت قومك أتحدثهم بما حدثتني ؟ ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ،فانطلق أبو جهل ينادي بالناس ليسمعوا هذه الأعجوبة ، فصاحوا متعجّبين ،ووقفوا ما بين مكذّب ومشكّك ، وارتدّ أناسٌ ممن آمنوا به عليه الصلاةوالسلام ولم يتمكّن الإيمان في قلوبهم ، وقام إليه أفرادٌ من أهل مكّةيسألونه عن وصف بيت المقدس، فشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الوقت الذي بقي فيه هناك لم يكن كافياً لإدراك الوصف ، لكنّ الله سبحانه وتعالى مثّـّل له صورة بيت المقدس امامه كأنه يراه رأي العين, فقام عليه الصلاة والسلام يصفه بدقّة بالغة ، حتى عجب الناس وقالوا : أما الوصف فقد أصاب ،ثم قدّم النبي صلى الله عليه وسلم دليلاً آخر على صدقه ، وأخبرهم بشأن القافلة التي رآها في طريق عودته ووقت قدومها ، وعندما جاء كلامه صلى الله عليه وسلم في القافلة موافقا كما قال عليه الصلاة والسلام فالوا: ان هذاالا سحر مبين.
وفي ذلك الوقت انطلق نفرٌ من قريش إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه يسألونه عن موقفه من الخبر ، فقال لهم : لئن كان قال ذلك لقد صدق ، فتعجّبوا وقالوا : أوَ تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح ؟ فقال رضي الله عنه : نعم ؛ إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك ، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة ، وهذا سبب تسميته بالصديق رضي الله عنه.
وكان في هذه المواقف المتباينة حِكَمٌ إلهيّةٌ عظيمةٌ ، ففي تصديق أبي بكر رضيالله عنه إبرازٌ لأهميّة الإيمان بالغيب والتسليم له طالما صحّ فيه الخبر،وفي رِدّة ضعفاء الإيمان تصفية للصفّ الإسلامي من شوائبه، حتى يقومالإسلام على أكتاف الرّجال الذين لا تهزّهم المحن أو تزلزلهم الفتن ، وفي تكذيب كفار قريشٍ للنبي صلى الله عليه وسلم وتماديهم في الطغيان والكفرتهيئةٌ من الله سبحانه لتسليم القيادة إلى القادمين من المدينة ، وقدتحقّق ذلك عندما طاف النبي صلى الله عليه وسلم على القبائل طلباً للنصرة ،فالتقى بهم وعرض عليهم الإسلام ، فبادروا إلى التصديق والإيمان ، ليكونواسبباً في قيام الدولة الإسلامية وانتشار دعوتها في الجزيرة العربية . وختاما نقول ما قاله الشيخ سيد قطب رحمه الله كما جاء في كتابه في ظلال القرآن والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير، تربطبين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، إلىمحمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا، وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله، واشتمال رسالته على هذه المقدسات، وارتباط رسالته بها جميعًا، فهي رحلة ترمز إلى أبعد من حدود الزمان والمكان، وتشملآماداً وآفاقًا أوسع من الزمان والمكان، وتتضمن معاني أكبر من المعاني القريبة التي تتكشف عنها للنظرة الأولى أين الأقصى الآن؟ إن الأقصى جريح طال أنينه، واستشرت عِلَّته حتى شملت الأرض المباركة من حوله،والمسعفون معرضون عنه، إن الأقصى ينادي، وليس ثمة مجيب، ويستجير ولكن مامن مجيب، خرس القوم فلا ينطقون، وصُمَّت آذانهم فلا يسمعون، وعُميت منهمالأبصار والبصائر، فلا يرون ولا يعقلون، فهل يجود الزمان بقائدٍ يجمع الأمة على الهدى؟ ويقودها تحت راية العقيدة؟ ويجدد ما مضى من عزها وسالفمجدها؟إننا برحمة الله وفرجه واثقون، ولنصره وتأييده مؤملون, وكما قال المولى الكريم في سورة يوسف 87: إنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إلا القَوْمُ الكَافِرُونَ، ولن تعقم الأمة بإذن الله تعالى أن تلد لنا من جديد عمر وخالد وصلاح الدين رضي الله تعالى عنهم , وعلينا معاشر المسلمين أن نعود الى ديننا عودة صادقة, فالله تبارك وتعالى حدد لنا شروط النصر بأربعة شروط كما في قوله فيسورة الحج 40- 41 وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۥۤۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ * ٱلَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِى ٱلۡأَرۡضِ
أَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّڪَوٰةَ وَأَمَرُواْ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَنَهَوۡاْ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۗ وَلِلَّهِ عَـٰقِبَةُ الأمور
إذاتحققت فينا نحن اخوة الاسلام هذه الشروط الأربعة , يومها تعود السيوفمسلمة حقًّا، وفرسانها يطلبون الموت أكثر مما يحرصون على الحياة
واختم هذا البحث بما ابتدأناه بقوله تبارك وتعالى
سُبۡحَـٰنَ ٱلَّذِىٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلاً۬ مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِى بَـٰرَكۡنَا حَوۡلَهُ ۥ لِنُرِيَهُ ۥ مِنۡ ءَايَـٰتِنَآۚ إِنَّهُ ۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ ما أصبت به فمن الله عزوجل, وما أخطأت فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان |