قالوافي عمل المرأة |
في مقال للكاتبة الأمريكية (فيليسماكجنلي) بعنوان (البيت.. مملكة المرأة بدونمنازع) تقول: (وهل نعد نحن النساء ـ بعد أن نلناحريتنا أخيراً ـ خائنات لجنسنا إذا ارتددنالدورنا القديم في البيوت؟ وتجيب على هذاالتساؤل بقولها: (إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة،فإنني أصر على أن للنساء اكثر من حق في البقاءكربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها فيالحقل البشري إلى حد أني أراها كافية لأن تملأالحياة والقلب). (وإذا قيل لنا على نحو تعسّفي: إن منواجبنا أن نعمل في أي مكان غير المنزل، فهذالغو زائف، فإنه لا يوجد عمل يستحق أن يمزق شملالأسرة من أجله)(1). أما الكاتب الانكليزي الساخربرنارد شو فيقول في هذا الموضوع: (أما العمل الذي تنهض به النساء..العمل الذي لا يمكن الاستغناء عنه.. العملالذي لا يمكن الاستعاضة عنه بشيء آخر.. فهو حملالأجنّة، وولادتهم، وإرضاعهم، وتدبير البيوتمن أجلهم، ولكن النساء لا يؤجرن عليه بأموالنقديّة وهذا ما جعل الكثير من الحمقى ينسونأنه عمل، على الاطلاق.. فإذا تحدّثوا عن العملجاء ذكر الرجل على لسانهم، وأنه هو الكادحوراء الرزق.. الساعي المجهد وراء لقمة العيشوما إلى ذلك من الاوصاف التي يخلعونها عليه فيجهل وافتراء.. إلا أن المرأة تعمل في البيت.وكان عملها في البيت هذا منذ الأزل، عملاًضرورياً وحيوياً لبقاء المجتمع ووجوده. بينمايشغل الملايين من الرجال أنفسهم ويبدّدونأعمارهم في كثير من الأعمال التافهة.. ولعلعذرهم الوحيد في قيامهم بتلك الأعمال: أنّهميعولون بها زوجاتهم اللاتي لا يمكن الاستغناءعنهن.. وهم بذلـــك القول مــغرورون... وهــــملا يريـــدونأن يفهموا.. أن عملـــهم وعملهن ســـواء.. )(2). |
القول في عمل المرأة لمساعدة منيعولها أو أطفالها |
فالتبرير على ما يذهبون إليه يحملتسليماً بالعلّة، أو استسلاماً لها،واكتفاءاً بعلاج أثرها لا علاجها هي.. وهوواضح البطلان. فمما يذكر بهذا الصدد أن عدالةالإسلام جعلت حقاً في بيت المال لمحدوديالدخل يغطي نفقة من يعول، وذلك قوله تعالى: (وفيأموالهم حق للسائل والمحروم)(3). فقال العلماء: إن المحروم، هوالمحارف الذي لا يكسب ما يكفيه.. ويجعل من لاعائل لها صغيرة كانت أم كبيرة في كفالة وليالأمر ببيت المال، لأن صفة الانوثة فيالإسلام من صفات العجز عن الكسب.. ويجعل اليتيم الذي لا مال له فيكفالة ولي الأمر أيضا، بصفته قيّم بيت المالإلى أن يستغني بالعمل، وذلك قوله (ص): (ما منمؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنياوالآخرة اقرءوا إن شئتم: (النبي أولىبالمؤمنين من أنفسهم)(4) فأيّما مؤمن ترك مالاً فلورثته.. وإن ترك ديناً أو ضيّاعاً،فليأتني، فأنا مولاه)(5) والضيّاع: هم العاجزونعن الكسب. وإذا كان ذلك هو سنة المجتمعات،وعلامة الصحة فيها، فأولى في منطق العلاج أنيرد المجتمع إلى سننه الأولى، لا أن يبقىالفساد ثم يسام الضعفاء حمل آثاره(6). |
عمل المرأة في منظار الإسلام |
لقد ضمن الإسلام للمرأة حياةالسعادة والتقدم إن هي التزمت خط الإيمان،وسلكت طريق العمل الصالح كالرجل تماماً: (منعمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينهحياة طيبة)(7). وأي عمل تقوم به المرأة لله تعالىفلا ينكر لها جزاؤه وثوابه، فعمل المرأةمحترم كعمل الرجل عند الله لأنهما من مصدرواحد وعلى مستوى واحد: (فاستجاب لهم ربهم إني لا أضيع عملعامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)(. والمرأة شريكة الرجل في الجنة كماهي شريكته في دار الدنيا: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أوانثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة)(9)(10). |
الفوارق الفسلجية بين المرأةوالرجل |
يقول الدكتور الكسيس كاريل،الحائز على جائزة نوبل في العلوم، متحدّثاًعن طبيعة مكوّنات المرأة وتأثيرها على عملها: (إن الأمور التي تفرق بين الرجلوالمرأة لا تتحدّد في الأشكال الخاصةبأعضائها التناسلية ولا تتحدّد أيضا فياختلاف تربيتها، وإنما تتحدّد بسبب أعمق منذلك، لأن هذه الفوارق هي ذات طبيعة اساسيةتنشأ من اختلاف نوعية الأنسجة في جسم كل منالرجل والمرأة، فالمرأة تحمل في كل جزئ منجسدها، تأثير المواد الكيمياوية ومفرزاتالغدد التناسلية والذين ينادون بالمساواةبين الرجل والمرأة ويدعون إلى توحيد نوعيةالتربية والتعليم والوظائف بينهما، يجهلونجهلاً كاملاً هذه الفوارق، وهي فوارق اساسيةمن غير ترديد، لأن المرأة في الواقع تختلف عنالرجل كل الاختلاف فكل خلية من جسمها تحملطابعاً خاصاً هو الطابع الأنثوي، وهكذا تكونأعضاؤها المختلفة، بل وأكثر من ذلك هو حالنظامها العصبي. ويضيف قائلاً: إن قوانين وظائفالأعضاء محددة ومنضبطة كقوانين الفلكوالرياضيات، ولا يمكن إحداث أي تغيير فيهابمجرّد أن الأمنيات البشريّة تريد هذاالتغيير، وعلينا أن نسلم بها كما هي، دون أننسعى إلى ما هو غير طبيعي. فعلى النساء أن يقمنبتنمية مواهبهن بناء على طبيعتهن الفطرية،وأن يبتعدن عن تقليد الرجال تقليداً أعمى،فدورهن في تقدم الحضارة أعلى من دور الرجال،ولا يجوز لهن أن يتخلين عنه(11). |
القولبقبح عمل المرأة |
تقول خبيرة الجنس الفرنسية ذائعةالصيت: هيلين ميشال، موجهة كلامها إلى بناتجنسها: إذا أغروك بالعمل في المصنع والعملبشكل سافر، حيث يوفر لك قدر أكبر من المالالخاص لشراء حاجيات الأولاد، وحاجياتك أنت.فلا تصدّقيهم. إن المقصود ليس حصولك على المال،فهذا الأمر لا يهم الآخرين، ولكن المقصودحصولهم عليك. تذكّري: إن 80% من العاملات فيالمصانع والمعامل في الولايات المتحدة يشعرنبقرف شديد من العمل، لقد اكتشفن الحقيقة. وتذكّري أيضا: إن الحرية، والتقدمالاقتصادي، والمراكز العالمية التي حصلتعليها المرأة في فرنسا، لم تمنع عنها المشاكلالحادة، ولم تحسّن وضعها، ولم تجعل منهاالنصف الملائم لقيادة سفينة الحياة(12). |
المرأةفي صدر الإسلام |
أما بالنسبة إلى عمل المرأة فيشرعنا، فالإسلام لا ينهى المرأة عن أي عمل،فلا يقول الإسلام إن من المحرمات على المرأةأن تصبح عاملة، أو مزارعة، أو تاجرة، فمن حقالمرأة أن تقوم بما يقوم به الرجل في العملوالزراعة والتجارة شريطة أمر واحد هو (الحشمة)والحفاظ على كيانها كانسانة. فالإسلام ينهىعن التعرّي، والكشف عن أنوثة المرأة، ولاينهى عن العمل، وكلنا نعرف أن خديجة بنت خويلدعليها السلام كانت صاحبة أملاك، وكانت تاجرةكبيرة، وتعرّفها على رسول الله (ص) كان عن طريقتجارتها، حيث عمل النبي (ص) لديها. فالمرأةتستطيع أن تعمل إذا استطاعت أن تحافظ في عملهاعلى الحجاب أو لم تختلط بالرجال الاجانب،لأنها في غير هذه الصورة تتحول إلى متعة وجنسللرجال(13). يقول الحديث الشريف (كل شيء لك حلالحتى تعرف أنه حرام) ففي عهد رسول الله (ص) كانتالمرأة تعمل، تشتغل، وقد أوصى النبي (ص) المرأة أن تشتغل في الحياكة، حيث قال: (علموهنّالمغزل). فإذا حافظت المرأة على (الحشمةالمطلوبة) فلا مانع من أن تتوظف، أو تشتغل فيأي مكان. إن الإسلام يوجب العمل على الرجل،ولا يوجبه على المرأة، وذلك لسبب بسيط، هو أنالمرأة لا تتحمل عمل الرجل، فهي تعيش من ثلاثةأيام إلى عشرة أيام كل شهر مريضة، جسمياًونفسياً وهي أيام العادة الشهرية، وتكونثقيلة الحركة في أيام الحمل، وتكون مرتبطةبالولد في أيام الرضاع... وهكذا فكيف نستطيع أننوجب عليها العمل في مثل هذه الحالات؟ هلنعطيها رخصة؟ هذا غير سليم لأن المرأة في حالةالعادة لا تكون طريحة الفراش، ولكنها تكونمريضة جسميّاً وعلى الأقل تكون (حساسة) تجاهما يقال لها أو يسلك تجاهها. فهل يعقل أن نترك معملاً ضخماً أوشيئاً من هذا القبيل على عاتق امرأة حساسةتثور لأية كلمة مثلاً، أو تتحملها، وتتعقدعليها. فالتغيرات الفسيولوجية في جسمالمرأة، تصحبها تغييرات سيكولوجية تجعلهاتشعر أيام العادة بالحساسية والكآبة وتكونسريعة التأثر لأقل شيء من أقربائها فكيفبالغرباء عنها(14). |
المرأة خارجالبيت |
في قوله تعالى (لا تخرجوهن منبيوتهن ولا يخرجن)(15). قال القرطبي: (ليس للزوج أن يخرجهامن مسكن الزوجية، ولا يجوز لها الخروج إلالضرورة ظاهرة)(16) فالآية نزلت في المعتدّةولكن حكمها يسري على الزوجة. قال ابن عربي: قال مالك: (ولا تخرجالمعتدة دائماً، وإنما أذن لها في الخروج إناحتاجت إليه، وإنما يكون خروجها في العدّةكخروجها في الزواج، لأن العدّة فرع الزواج)(17)وقد لاحظ أئمة التفسير والفقه أن البيوتمضافة إلى ضمير النسوة في قوله تعالى: (لاتخرجوهن من بيوتهن) وفي قوله (واذكرن ما يتلىفي بيوتكن من آيات الله والحكمة...)(18) وقولهتعالى (وقرن في بيوتكن...)(19) مع أن البيوتللأزواج لا لهن، وخرجوا من ذلك بأنها ليستإضافة (تمليك) بل إضافة (إسكان) تقرّرتلاستمرار لزوم المرأة البيت ـ إلا لحاجة ـ حتىأضيف إليها(20). والإسكان هو الزام بالاقامة، يقولالكاساني: (ومنها ـ أي من الأحكام التي تترتبعلى عقد الزواج ـ صيرورتها ممنوعة عن الخروجوالبروز لقوله تعالى (اسكنوهن) والأمربالاسكان نهي عن البروز إذ الأمر بالشيء نهيعن ضدّه، ولقوله عز وجل: (لا تخرجوهن من بيوتهنولا يخرجن) ولأنها لو لم تكن ممنوعة من الخروجوالبروز لاختل السكن، والنسب)(21). فالمقرر فيالفطرة وفي الشرع: أن البقاء في المنزل هوالاصل. وأن الخروج منه هو الفرع. والرسول (ص) يقول: (لا تمنعوا نساءكم المساجد،وبيوتهنّ خير لهن)(22). فالشرع يجيز للمرأة أن تخرج لأداءالعبادة في المساجد، ولكنه يرى اداءها لها فيالبيت خير لها. وذلك لتجنّب الفتنة والعوارض،ولكفالة الاستقرار، وجعل المرأة متفرغةلمهمتها. وقد ثبت أن النساء كنّ يخرجن باذنرسول الله (ص) مع الجيش لخدمة الرجال، وتمريضالجرحى، والقيام بأعمال الاسعاف، فقد روي عنالربيع بنت معوذ، قالت: كنا نغزو مع رسول اللهنسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحىإلى المدينة)(23). وفي سؤال لاحدهم لسماحة السيد محمدالحسيني الشيرازي (دام ظله) في خصوص هذاالموضوع وهو: إن هناك من يعتقد أن الإسلامقسّم أدوار الزوجين بين أن يتحمّل الزوج مايرتبط بخارج البيت من الكد وجلب الحاجياتالمنزلية، وبين أن تتحمّل الزوجة ما يرتبطبداخل البيت من الطبخ والكنس والاهتمامبالأطفال... فهل ترون هذا التقسيم من الاسلام؟فكان جوابه (دام ظله): نعم، لكن دور المرأة علىسبيل الاستحباب(24). |
مسؤولية المرأة الرسالية |
<table width="100%" border="0" cellpadding="2"> <tr> <td width="50%"> </td> <td width="50%"> إن الدور والواجب على المرأةالرسالية أداؤه، ليس هدّية يقدّمها الرجللها، فإذا امتنع من تقديمه فلا دور لها فيالحياة، بل هو حق من حقوقها ومسؤولية منمسؤولياتها. وعليها أن تلتزم هذا الحق وتمارسهذه المسؤولية، وإلا فلن يشفع لها أمام اللهوالتاريخ أن تعتذر بأن الرجال لم يتركوا لهاواجباً أو لم يقدموا لها دوراً. </td> </tr> </table> ومن هنا كان واجباً عليها أن تعتنيبنفسها لرفع مستواها الفكري، والسياسي،والثقافي والديني والعلمي، والاقتداء بنماذجللمرأة المجاهدة من طراز المجاهداتالكبيرات، فاطمة الزهراء، وزينب الكبرىعليهما السلام. فالمرأة يجب أن تسبق الرجل في تحملالمسؤولية، ذلك لأن المرأة تصل حدّ البلوغالشرعي قبل الرجل بأربع سنوات، لذا عليها أنتسبق الرجل بأربع سنوات في العمل وأداءالواجب(25). |
اختلاف تكوين المرأة عن الرجل |
يمتلك كل من الرجل والمرأة مجموعةمن الخصائص التي جاء العلم الحديث ليؤكدهابصورة قاطعة ومن وراءها تبرز الحكمة منايجادها: أولاً: القوّة الجسديّة: فالرجل فيالأغلب أقوى جسدياً من المرأة، ومعدّل الطولعند الرجل أعلى منه عند النساء، ولعل أوضحالحكم في ذلك ايكال الأعمال الشاقة للرجالومنها الأعمال المعاشيّة اليومية خارجالبيت، وإذا جرى وشاركت امرأة ما في عمل شاق،فإن الاهتمام بذلك واشاعته اعلامياً دليل علىصحة المقولة الأولى لأن الاستثناء يثبتالقاعدة، وهو أمر طبيعي فيسترعي الاهتمام،ومن الطبيعي أنه لا يمكن القياس على الشاذالنادر الحاصل هنا وهناك. ثانياً: الخشونة في البدن والسلوك:من المعروف أن الرجال يسمّون بالجنس الخشن،والنساء يسمّين بالجنس الناعم، فنظرة واحدةإلى كف رجل وامرأة يعطي السبب المعقول لهذهالتسميات. وكذلك في السلوك فإن المرأة بحاجةإلى حنان مميز لتؤدي دورها في إضفاء البهجةعلى جو البيت ككل وتمنح الحب والطمأنينةللاطفال بالخصوص. ثالثاً: الفروق العصبية: منالمألوف أن تقف المرأة باكية خصوصاً عند حدوثالحوادث المحرجة مثل أخذ نتائج الامتحاناتالمدرسية، أو الدخول في نقاشات مع الآخرين،أو حصول حادث اصطدام بسيط مثلاً، وليس هذاعيباً أو نقصاً في المرأة كما يتصور أولاً،وإنما هي حالة ناتجة من الارتخاء العصبيالموجود لدى النساء والذي أثبته الطب الحديث.وهي خصيصة ضرورية لكي تتحمل المرأة آلامالحمل والولادة، ولكي تتحمل عصبياً كل أعمالالتربية وضغوطات الأطفال المرهقة أو تلبياحتياجاتهم المتكررة التي تصل إلى حد الالحاحوالازعاج. كما أن الارتخاء العصبي عند المرأةنعمة كبرى لكي تتجنّب حالات التوتر والتشنجعند الولادة التي تصل إلى حد الانهيارالعصبي، ولذا فهي تحصل لنسبة قليلة من النساءعند الولادة. أما الرجل فهو بحاجة إلى التماسكالعصبي لمواجهة مشاكل الحياة بحزم وقوّة ولعلهذا هو السبب في تمكن الرجل من مجابهة مشكلاتالعمل اليومي والدخول في الكفاح البشريوالخلاصة (فإن المرأة ريحانة وليست قهرمانة)(26).(27) إذن أليس العدالة أن يؤدي كل كائنواجبه مستفيداً من مواهبه وخصائصه؟ وأليس خلاف العدالة أن تقوم المرأةباعمال لا تتناسب مع تكوينها الجسمي والروحي؟ من هنا نرى الإسلام ـ مع تأكيده علىالعدالة ـ يجعل الرجل مقدّماً في بعض الأمورمثل الإشراف على الأسرة.. ويدع للمرأة مكانةالمساعد فيها. فالعائلة والمجتمع بحاجة إلىمدير، ومسألة الإدارة في آخر مراحلها يجب أنتنتهي بشخص واحد، وإلا ساد الهرج والمرج. فمنالمفضّل لهذه المسؤولية الرجل أم المرأة؟ كل الحسابات البعيدة عن التعصبتقول: إن الوضع التكويني للرجل يفرض أن تكونمسؤولية إدارة الأسرة بيده، والمرأة تعاونه،وإن كانت المزاعم تخالف ذلك ففي قوله تعالى (الرجالقوامون على النساء)(28) يعني: إن الرجل قيّم علىالمرأة فيما يجب لها عليه، فأمّا غير ذلك فلا،ويقال: هذا قيم المرأة وقوامها. ولئن جعل الله ذلك للرجال، فلفضلهمفي العلم، والتمييز، ولأنفاقهم أموالهم فيالمهور، وأقوات النساء(29). أما الخلاص ففي الاكتفاء الذاتيللأسرة وهو أن يجعل الإنسان كسبه في بلده،فإنه لا تضيع عائلته ويكون هو القيم عليها،وقد ورد في ذلك روايات منها: عن علي بن الحسين(ع): (إن من سعادةالمرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤهصالحين، ويكون له ولد يستعين بهم)(30). وعن الصادق(ع)، قال: (ثلاثة منالسعادة: الزوجة المؤاتية، والأولادالبارّون والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إلىأهله ويروح)(31). |
فقه الحجاب في مسائل |
وقد شرح السيد محمد الحسينيالشيرازي (دام ظله) جوانب من مسائل الحجاب فيخروج المرأة من البيت ودخولها مجتمعات الرجالوالمطالبة بحقها واسماع صوتها لهم، في تفصيلمدعم بمثال رائع للمرأة الإسلامية الحقّة ألاوهي الزهراء بنت الرسول (صلوات الله وسلامهعليهما) نذكرها هنا: مسألة: (خروج المرأة من البيت) يجوز بالمعنى الأعم خروج المرأة منالبيت، سواء كانت متزوّجة أم غير متزوّجة، فيالجملة: نعم، الفرق بين المتزوجة وغيرالمتزوجة: إن المتزوجة تستأذن زوجها فيالخروج في غير الواجب منه، وغير المتزوجةتملك نفسها، فانه (ص) (نهى أن تخرج المرأة منبيتها بغير إذن زوجها)(32).(33) مسألة: دخول المرأة في مجتمعالرجال يجوز للمرأة أن تدخل في مكان قداجتمع فيه الرجال، أو مع النساء، مع الحفاظعلى الحجاب وسائر الشرائط. إذ الاصل: الاباحةولا دليل على الحرمة، بل كان هذا في زمن رسولالله (ص) في مسجده، وفي أسفاره، وفي الحج، كماأنه كان في أيام الفقهاء الكبار، في مشاهدالمعصومين (ع) وكذلك في القدس الشريف وغير ذلك.أما المحرّم منه، فهو الاختلاط بلا حجاب، أوما أشبه ذلك مما أتى به الغرب إلى بلادالإسلام واستقبله بعض من لا حريجة له في الدين(34). مسألة: مطالبة المرأة بالحق يجوز بالمعنى الأعم المطالبةبالحق، وكشف القناع عن ظلم الظالم حتى عند منلا يتاتى منه أي عمل، أو لا يعمل، ويشملهاطلاق قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوءمن القول إلا من ظلم)(35). وربما يعد من مصاديقذلك مطالبة الزهراء (ع) بحقها وحق الإمام أميرالمؤمنين (ع) في المسجد في حضور المهاجرينوالانصار وغيرهم، حيث لم يكن لكل الأفرادالقيام بالمطلوب والمراد نفي (الكليّة) لاالنفي الكلّي، فتأمّل.(36) مسألة: الساتر بين النساء والرجال قد يقال باستحباب وضع ساتر بينالرجال والنساء عند خطاب المرأة، إضافةلتحجّب كل واحدة منهن. وربّما يستفاد ذلك منقوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فسألوهن منوراء حجاب)(37)، وإن كان الانصراف في الآيةالمباركة يقتضي الحجاب أو الساتر بالمعنىالأخص لا الساتر إضافة للحجاب المتعارف، ومنهيعلم استحباب ذلك في كل مكان اجتمع فيه النساءوالرجال، كما في المسجد للصلاة، وفي قاعةالدرس، وفي الحسينيات وغير ذلك. لكن ربما يقال: بأنه لا يظهر أن ذلككان على نحو الاستحباب، إذ الفعل لا جهة له،بل ربما كان ذلك من الآداب، ولذا لم يكن فيمسجد رسول الله (ص) ولا في المسجد الحرام ستربين الرجال والنساء وذلك بأن يقرر مثلاً علىالرجال أن يطوفوا بجوار الكعبة وعلى النساءالطواف من بعيد وبينهما ستر، أو بأن يقرر وقتللرجال وآخر للنساء، إلى غير ذلك مما هو واضح. وربما يقال: إنه يدل على الاستحباببالنسبة إلى الشخصيات من النساء، ولذا وردذلك بالنسبة إلى عمل نساء النبي (ص) بعد نزولآية الحجاب: (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن منوراء حجاب) يعني إذا سألتم أزواج النبي (ص) شيئاً تحتاجون إليه فاسألوهن من وراء ستر،قال مقاتل: أمر الله المؤمنين أن لا يكلموانساء النبي (ص) إلا من وراء حجاب (ذلكم) أيالسؤال من وراء حجاب (أطهر لقلوبكم وقلوبهن)من الريبة، ومن خواطر الشيطان (وما كان أنتؤذوا رسول الله) بمخالفة ما أمر به في نسائهولا في شيء من الأشياء.(38). أما الاستحباب مطلقاً، فالظاهر:العدم للسيرة المستمرة في مسجد رسول الله (ص) في عصره الشريف وغيره بالنسبة إلى النساء،وكذلك بالنسبة إلى المسجد الحرام، وغير ذلككما سبق.(39) مسألة: اسماع الصوت للرجال يجوز للمرأة أن تسمع صوتها إذاحفظت الموازين الشرعية. بأن لم يكن هناك خوففتنة، أو من الخضوع في القول مثلاً، قالسبحانه: (فلا تخضعن في القول فيطمع الذي فيقلبه مرض)(40) وقد كانت النساء يتكلمن مع الرسول(ص) ومع أمير المؤمنين (ع) ومع الأئمة الأطهار (ع)ومع علماء الدين إلى عصرنا الحاضر، وعلىذلك جرت سيرة المتشرّعة عموماً، لكن يجبمراعاة الموازين الشرعية. وما ذكر يدل علىجواز ذلك، فإن المحظور هو الخضوع بالقول وماأشبه، فيجوز للنساء إلقاء الخطب وقراءةالتعزية في المجالس النسوية، وإن وصل صوتهاإلى اسماع الرجال، كما يجوز تسجيل صوتقراءتها مع مراعات الجهات الشرعية(41).(42) |
حقوق المرأة في كتاب الله |
ومع ظهور الإسلام وانتشار تعاليمهالسامية، دخلت حياة المرأة مرحلة جديدة بعيدةكل البعد عما سبقها. في هذه المرحلة أصبحتالمرأة مستقلة ومتمتعة بكل حقوقها الفرديةوالاجتماعية والإنسانية. فالمرأة تتمتع بحقوق تعادل ماعليها من واجبات ثقيلة في المجتمع، يقولتعالى: (ولهن مثل ما عليهن بالمعروف)(43) وقداعتبر الإسلام المرأة كالرجل: كائناً ذا روحإنسانية كاملة، وذا إرادة واختيار، ويطوىطريقه على طريق تكامله الذي هو هدف الخلقة،ولذلك خاطب الله تعالى الرجل والمرأة معاً فيبيان واحد حين قال: (يا أيها الناس... ويا أيها الذينآمنوا) ووضع لهما منهجاً تربوياً واخلاقياًوعلمياً ووحدهما بالسعادة الابدية الكاملةفي الآخرة كما جاء في قوله تعالى: (ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهومؤمن فأولئك يدخلون الجنة)(44). وأكد أن الجنسين قادران على انتهاجطريق الإسلام للوصول إلى الكمال المعنويوالمادي لبلوغ الحياة الطيبة: (من عمل صالحاًمن ذكر أو انثى وهو مؤمن فلـنحيينه حياةطيـــبة ولنجزينهـــم أجرهم بأحسن ماكـــانوا يعملون)(45).فالإسلام يرى المرأة كالرجل انساناً مستقلاًحراً، وهذا المفهوم جاء في مواضع عديدة منالقرآن الكريم كقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)(46) (من عملصالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها)(47). ومع هذهالحرية فالمرأة والرجل متساويان أمام قوانينالجزاء أيضا: (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدمنهما مائة جلدة... )(48). ولما كان الاستقلاليستلزم الإرادة والاختيار، فقد قرّر الإسلامهذا الاستقلال في جميع الحقوق الاقتصاديةوأباح للمرأة كل ألوان الممارسات المالية،وجعلها مالكة عائدها وأموالها، يقول تعالى: (للرجالنصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)(49)فكلمة (اكتساب) خلافاً لكلمة (كسب) ـ لا تستعملإلا فيما يستفيد الإنسان لنفسه ولو أضفنا إلىهذا المفهوم القاعدة العامة القائلة: (الناس مسلطون على أموالهم) لفهمنامدى الاحترام الذي أقرّه الإسلام للمرأةبمنحها الاستقلال الاقتصادي، ومدى التساويالذي قرّره بين الجنسين في هذا المجال. وعلىعكس ذلك نجد المرأة في نظر المجتمعات الغربيةغير مستقلة الشخصيّة في جميع الحقوقالاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وقداستمر هذا الوضع في قسم من المجتمعات حتىالقرون الأخيرة. فمثلاً قبل البعثة النبويةوبالضبط في سنة 586 عقد في فرنسا مؤتمر دارالنقاش فيه حول استحقاق المرأة أن تعتبرانساناً أم لا تستحق ذلك؟ وكانت النتيجة أناعتبر المرأة انساناً ولكنها خلقت لخدمةالرجل فحسب(50). وفي القانون المدني الفرنسيالمشهور بتقدميته، على سبيل المثال: نشير إلىبعض فقراته المتعلقة بالشؤون الماليّةللزوجين: يستفاد من المادتين 215 و217 أنالمرأة المتزوجة لا تستطيع بدون إذن زوجهاوتوقيعه أن تؤدي أي عمل حقوقي، وتحتاج في كلمعاملة إلى إذن الزوج، هذا إذا لم يرد الزوجأن يستغل قدرته، ويمتنع عن الإذن دون مبرّر. وحسب المادة 1242 يحق للرجل أن يتصرفلوحده بالثروة المشتركة بين المرأة والرجلبأي شكل من الاشكال، ولا يلزمه استئذانالمرأة بشرط أن يكون التصرف في إطار الإدارة.وإلا لزمت موافقة المرأة وتوقيعها. وفيالمادة 1428 إن حق إدارة جميع الأموال الخاصّةبالمرأة موكول إلى الرجل ـ على أن المعاملةالخارجة عن حدود الإدارة تتطلّب موافقةالمرأة وتوقيعها...(51). |
الخلاصة |
إن رفع الحيف عن المرأة واعطاءهاسبيل اختيار المكان المناسب لها للعمل فيه،يستوجب رفع مستوى المعيشة الكلّي للأسرةوبالتوازن المستمر مع معدّلات التضخمالمتوالية في الاقتصاد العالمي وانعكاساتهاعلى البلدان الإسلامية والفقيرة منها بأسوءالمستويات. والأمر يستوجب مراعاة التقليل منالمصروفات المخ(ص)ة لكماليات ومظاهر الدولةفالباري تعالى جدّه يقول: (أتبنون بكل ريع آيةتعبثون. وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون. وإذابطشتم بطشتم جبارين. فاتقوا الله...)(52). فقد عملت المجتمعات الغربية فيالآونة الأخيرة وبعد تعالي الصيحات عليها منكل مكان لضرورة إظهار مبدأ التكافل الاجتماعيعلى ساحة الواقع المعاش في دولها، لذا فقدصدرت القوانين الخاصة وتم تطبيقها بتخصيصالحقوق المالية الشهرية لذوي العاهاتوالمعوقين من أصحاب المهن من الرجال والنساء،وكذلك العاطلين عن العمل، والفائضين بسببتوقف معاملهم أو شركاتهم لسبب أو لآخر،واتخذت عندهم تخصيصات مالية للأطفال حديثيالولادة لتشجيع الإنجاب بعد أن عزفت عنهالنساء، وعن الزواج في الغالب الأعم. وهم بذلك قد طبّقوا ما دعا إليهدعاة الإسلام عبر العقود الماضية. |
1 - مجلة المختار عدد آذار 1960. 2 - مجلة الهلال عدد آذار 1965. 3 - سورة الذاريات: الآية 19. 4 - سورة الأحزاب: الآية 6. 5 - رواه البخاري في صحيحه. 6 - كتاب (الإسلام والمرأة المعاصرة)للبهي الخولي. 7 - سورة النمل: الآية 97. 8 - سورة آل عمران: الآية 195. 9 - سورة النساء: الآية 124. 10 - كتاب (مسؤولية المرأة للشيخ حسنالصفار)، 20. 11 - كتاب (الرجل ذلك الكائن غيرالمعروف)، 98. 12 - كتاب (المرأة والدور المطلوب)للسيد هادي المدرسي، 98. 13 - كتاب (المرأة والدور المطلوب)للسيد هادي المدرسي، 26. 14 - كتاب (حوار عن المرأة) للسيدهادي المدرسي، 73. 15 - سورة الطلاق: الآية 1. 16 - جامع الاحكام للقرطبي، 18/154. 17 - أحكام القرآن لإبن عربي، 2/266. 18 - سورة الأحزاب: الآيتان 33 و34. 19 - سورة الأحزاب: الآيتان 33 و34. 20 - أحكام القرآن للجصّاص. 21 - بدائع الصنائع للكاساني، 2/133. 22 - رواه أبو داوود. 23 - كتاب (الإسلام والمرأة المعاصرة)للبهي الخولي. 24 - كتاب (أحكامك في البلادالأجنبية) الإمام الشيرازي، ص131. 25 - كتاب (المرأة والدور المطلوب)،للسيد المدرسي، ص52. 26 - الوسائل، 14/120. 27 - كتاب (الرجل والمرأة) 12. 28 - سورة النساء: الآية 34. 29 - معاني القرآن وإعرابه للزجّاج،2/46. 30 - كتاب الخصال، 1/159، ح207 - كتابالكافي للكليني، 5/257، ح1. 31 - كتاب الكافي، 5/310، ح26. 32 - كتاب الأمالي للشيخ الصدوق، 422مجلد66، ح1 - مسائل علي بن جعفر، 179، ح333. 33 - كتاب فقه الزهراء(ع)، الإمامالشيرازي، 2/79. 34 - نفس المصدر، 90. 35 - سورة النساء، 148. 36 - كتاب فقه الزهراء(ع)، 93. 37 - سورة الأحزاب: الآية 53. 38 - كتاب بحار الانوار، 22/185. 39 - كتاب فقه الزهراء(ع) 40 - سورة الأحزاب: الآية 32. 41 - كتاب (النكاح)، الإمام الشيرازي(دام ظله)، مسألة 39. 42 - كتاب (فقه الزهراء(ع))، 98. 43 - سورة البقرة: الآية 228. 44 - سورة غافر: الآية 40. 45 - سورة النحل: الآية 95. 46 - سورة المدثر: الآية 28. 47 - سورة فصلت: الآية 46. 48 - سورة النور: الآية 2. 49 - سورة النساء: الآية 32. 50 - كتاب (المرأة في ظل الإسلام)، 32. 51 - كتاب (الأمثل في تفسير كتاب اللهالمنزّل) للشيخ ناصر مكارم الشيرازي، 100. 52 - سورة الشعراء: الآيات 128-131. |